ليس زمن السيّد.. انه زمن السيّد

السيد محمد حسين فضل الله
هناك من يبرر ما فعلة حزب الله وحركة أمل في كوثرية السيّاد في الجنوب ضد مقلدي المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله صبيحة عيد الفطر، وهناك من يُدين ذلك. لكن لكل زمن سيّده، فلا يمكن ان يسود في الزمن الواحد سيدين.. لابد، وإنطلاقا من التاريخ الشيعي الديني ان نعترف أن لكل زمن سيّده بخصوصيته الفريدة وحكمه القاطع..

خلال الدروس الدينية التي بدأتُ بتعلّمها فور رغبتي بأداء الصلاة وإرتداء الحجاب كان رجل الدين الذي صرتّ أقصده يفسّر دور كل إمام من من أئمة الشيعة على حدى. فدور وزمن الإمام عليّ مختلف كليّا عن دور وزمان الإمام الحسن، وايضا عن دور وزمان الإمام الحسين، وهكذا دواليك وصولا الى الإمام المهدي الغائب..  وهو تعليل منطقيّ يفرضه المنطق الإيمانيّ الغيبيّ لدى الشيعة، حتى لا يقع المفسرون والمؤرخون بالمحظور، فيقولون ان هذا الإمام أخطأ أو أصاب لكون ان الأئمة الإثني عشر عند الشيعة هم معصومون بالولادة وبكل تفاصيل تحركاتهم وحياتهم الدنيوية والدينية.

ولكوني ولدتُ لأب وأم شيعيين، فمن الطبيعي ان أصدّق رجل الدين الشيعي، وأن أختار المذهب الشيعي بعد تحولّي نحو فلسفة الدين. وهو أمر يحتاج الى دراسة.. إذ كيف لفرد مُلحد ان يتبنىّ مذهب والديه بعد تدّينه، ولا يتبنّى مذهبا مختلفا عن مذهبهما؟ إنها صورة من صور الإلحاد الكاذب طبعا.. انها صورة من صور الإعتراض المغلّف وصورة من صور الهداية كما يسمونها المؤمنون.
واليوم، وبعد أكثر من 14 قرن من مرور الزمن على حياة الأئمة الشيعة، أرى أن حادثة منع مقلديّ السيد محمد حسين فضل الله في كوثرية السيّاد حول منعهم من إقامة صلاة العيد هو أمر أكثر من طبيعي في ظل أجواء تفرض نفسها منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، أجواء سارت بداية صعبة، لكنها اليوم قد عُبّدت وإنتظمت تحت راية الصوت الواحد الأوحد لدى الشيعة.. صورة عن معركة انتزاع المطالب المذهبية من محيط يغصّ بالفتن المذهبيّة والطائفيّة.. صورة المبررات الإقليمية المستمرة منذ عشرة عقود على أقل تقدير.
فالساحة الشيعية – ومنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعها من زمن الحرب في الجارة سورية – يجب ان تظل وستظل محصورة بإرادة الطرفين الشيعيين القويين هكذا وعلى الحال نفسه.. مشدودة  لا يعكّرها صفو الحرية والديموقراطيّة، ولو جاءت على شكل الحرية داخل الإطار الفقهي الذي لا يرتبط بالسياسة مُطلقا الا لجهة الخوف من انفلات إرادات أخرى في الوسط الشيعي العام- لتعبّر عن نفسها ايضا مما يُظهر حجم التململ من هذه الثنائيّة الخانقة- خاصة فيما يتعلق بالعيد والهلال، لاسيما بعد تسريب فيديو خاص بالسيد موسى الصدر يدعم رأي المرجع فضل الله الفقهي الفلكي.

اقرا ايضًا: انصار حزب الله اقفلوا المسجد في وجه اتباع فضل الله فافترشوا الأرض وصلوا صلاة العيد!
فبمجرد السماح لمقلدي السيد فضل الله بهامش من حرية ممارسة الشعائر الخاصة بفقههم، فان الباب سيُفتح على مصراعيه مما يحرّك جماعات صغيرة هنا وهناك من أجل نيل حقها بالدعوة العلنية والتعبير عن رايها أيضا. من هنا إتفقت الثنائية الشيعية، القابضة، على حصر الحرية بهما (أمل وحزب الله) فقط، ومنعها عن الآخرين، ولو كلفهما ذلك آلاف التهم بالتنكيل والقمع والإرهاب، وتوجيه سهام الإعلام صوبهما.

كلهم سيّاد: من السيد موسى الصدر الذي فاجأ الساحة اللبنانية بوطنية شيعية تقدميّة على عصرها وزمانها،الى السيد الخميني مفجر الثورة الاسلامية في ايران، الى السيد محمد حسين فضل الله القويّ بجرأته الفقهيّة، الى السيد حسن نصرالله القويّ بسلاحه ونبرة صوته الحربية الهادرة…

اقرا ايضًا: بين الفقه والشهادات في مناخ من الاعتدال والهوية
كلهم سادة الشيعة كونهم رجال دين وكون كل منهم تفرّد بدوره الخاص به، وكلهم سادوا في زمانهم، كما الأئمة الذين اختلفوا في توجهاتهم قد سادوا في زمانهم ايضا، يكملّون بعضهم بعضا. وبما ان السيد فضل الله انتقل الى رحمة الله، فالآن هو زمن السيد نصرالله. هذا هو المنطق الرسمي المراد تعميمه على جمهور الشيعة.
ولكن بالمقابل، كم نحن بحاجة لسيّد “الحرية الإنسانية” ان يحكمنا، بعيدا عن ربطنا بفقه التحليل والتحريم…وان كان مرتديا عمامة سوداء..

السابق
أهالي كوثرية السياد التقوا في منزل إمام البلدة تضامنا معه
التالي
ناشطون ايرانيون يسخرون: راتب حسن نصر الله أصبح باللغة الفارسية!‏