الجماهيرية اللبنانية العظمى والتحشيش السياسي

تدخل المنطقة الآن مرحلة الايام الاخيرة من ولاية الرئيس اوباما، المدير الفعلي للنزاعات الكبرى في المنطقة، وهذا ليس اتهاماً بل تقدير، لأنه أراد أن تكون ولايته الثانية مرحلة القيادة من الخلف وادارة النزاعات بالواسطة، بعد ان فشل في تحقيق التغييرالمطلوب في ولايته الاولى عبر الثورات والمظاهرات وسقوط الأنظمة غب الطلب «الآن يعني الآن»، كما حدث في تونس بن علي ومصر مبارك، والتي كانت السبب الأساس في انتخاب اوباما لولاية ثانية.
أشرف اوباما على كل المقاولات الاقليمية والدولية في ادارة النزاعات، بدءاً من تكليف الأمم المتحدة بنزع السلاح الكيماوي من سوريا، مروراً بالتدخل الايراني والروسي والتركي، وصولاً الى التحالف العربي في اليمن ونزاعات ليبيا واستدراج العروض من اوروبا ودول الجوار الليبي، بالاضافة الى التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة أميركا. وكلها ادوات لادارة النزاعات وليس لإنهائها.
يريد الرئيس اوباما في الأسابيع الاخيرة من رئاسته تحقيق بعض النجاحات قبل انطلاقة الانتخابات الرئاسية الأميركية. لكن المقاولين لا يثقون بأن الرئيس اوباما قادر على دفع الاثمان المتفق عليها أو إلزام الرئيس القادم بالالتزام بتعهداته. ولذلك أصبح اوباما هو من يستعجل النتائج في سوريا والعراق وليبيا، ولكن المقاولين الدوليين والإقليميين يطالبونه بالدفع سلفاً كي يحصل على ما يريد.

إقرأ أيضاً: عنصريتنا تطغى…. وأبطالها ناشطون مدنيون!
انها أسابيع ساخنة جداً من الآن وحتى نهاية آب القادم، إذ سترتفع وتيرة المبادرات السياسية مع تصاعد العمليات العسكرية الميدانية، وخصوصا ان معظم الأطراف العاملة في الميدان تعتقد انها ستحقق ارباحاً اكبر مع الادارة الأميركية القادمة، مما قد يجعل نهاية ولاية اوباما الثانية أشبه بولاية بوش الابن  الثانية بعد ان اعتبرت مغامرته في العراق أشبه بكارثة فيتنام على أميركا. وهذا ما يواجهه اوباما بعد الوثيقة التي وقّعها 51 مسؤولاً في الخارجية الأميركية، يعتبرون فيها أنّ سياسة اوباما في سوريا كانت كارثية وتسببت بكل الفوضى والارهاب الذي نراه.
لا نستطيع حسم الاتجاهات التي سيعتمدها الرئيس اوباما في الايام القادمة دفاعاً عن سياسته وعن حزبه في آن، وهل ستشهد بعض النزاعات بداية حلول سياسية او انه سيعمد الى التصعيد العسكري او اعتماد أدوات جديدة هنا وهناك، مما قد يلزم الوكلاء الدوليين والإقليميين الى مجاراته في سياساته قبل نهاية عهده. وربما يذهب الى فتح نزاعات جديدة غير متوقعة يكون لها تأثيرها على الميادين الاخرى، وفي مقدمتها لبنان.

إقرأ أيضاً: مواصفات العنصرية اللبنانية
أما الجماهيرية  اللبنانية العظمى فقد أصبحت مع النفط والغاز تشبه جماهيرية الأخ معمر القذافي والفارق الوحيد هو انه بدل القذافي الواحد هناك، لدينا العشرات من الذين يشبهون الاخ العقيد من القادة الملهمين الذين أدمنوا الفراغ والخواء والفساد والعطالة والانهيارات الاقتصادية والأخلاقية والتفكك الاجتماعي والوطني. ورغم احتمال ان يكون لبنان مسرحاً للعنف من جديد، والجدير بالذكر اننا بعد ايام نحيي الذكرى العاشرة لحرب تموز، إلا انهم لا يشعرون بذلك وهم دائماً في حالة نشوة غريبة عجيبة، يعني حفلة تحشيش سياسي، فجميعهم سعداء ومسلطنين وآخر رواق.
أربعون موعداً لانتخاب رئيس ولا رئيس. أربعون جلسة حوار ولا حوار. الارهاب داخل غرف النوم والجميع نيام. مليون ونصف لاجىء ولا سياحة ولا صناعة ولا موازنة عامة منذ عشر سنوات. أربعون قانون للانتخابات ولا قانون ولا انتخاب، والكلّ إلغائيّين ومع النسبية. كل شيء منهار والكل اقوياء. الكل اخصام والكل اصحاب والكل طائفيين والكل ضد الطائفية. اننا نعيش في زمن الجماهيرية اللبنانية العظمى والتحشيش السياسي، والله يرحم ايام زمان.

(اللواء)

السابق
«حزب الله» يغيّر أسلوب المواجهة مع العقوبات الأميركية
التالي
«الحرس الثوري» يعتبر «الانفصاليين» الأكراد «أشراراً ومُعادين للثورة»