من قتل فضل الله؟

السيد محمد حسين فضل الله

يُبعث حيّاُ كل ميت فارقته روحه وجمع جسده في قبر كما يؤمن المسلمون وقلّة من المؤمنين تموت وتبقى واقفة  تحت قباب المجد لا تغادر الحياة كما هم الشهداء هكذا تقول المرويات وهذا ما أكدته تجربة الشعوب في علاقتها مع الأبطال لذا يستسلم المسلمون ويرفعون اشارة النصر لأنبيائهم على كثرتهم من بدر الى حلب والفلوجة وتعز .
ربما يصيح الناس للمتهورين الذين ورطوا الأمّة باسم الحزب أو الحزب باسم الأمّة بحروب أماتتهم وأبقت على أبطالهم أحياءً في تماثيلهم المنحوتة داخل أحياء الفقراء ليزدادوا غنىً في الدين وفقراً في الخبز .
عندما وعى الناس المرجع السيّد محمد حسين فضل الله على مدار سنيين عجاف كان يعيد انتاج المعرفة الاسلامية “المسجدية “كحركة فعل داخل النفس وداخل الجماعة ومن ثمّ أعاد انتاج الرؤية الجهادية الدفاعية ضدّ الاحتلال والاستكبار معاً ودون أن يفتح بينهما طرقاً أخرى لا تؤدي اليهما مباشرة كما فعل الآخرون الذين مرّوا من هنا وهناك وسقطوا بعد أن ظنوا أنهم يعبرون الى فلسطين .
بغض النظر عن الجدلية المطلوبة في شرطيّ المجاهدة ضدّ العدوين التاريخيين الاستعماري والاسرائيلي نجح السيّد في التأسيس لمعركة سياسية من خلفية اسلامية مع الآخر السالب للحقوق وقدّر أن الجهاد هنا مبذول للضرورة وليس كمهنة مزاولة وهذا ما قنن من اندفاع الذاهبين الى الموت لينتصروا به على أنفسهم وعلى العدو في آن واحد .

اقرأ أيضاً: زوجة المعتقل الشيخ كوراني: هذه هي مظلومية زوجي يا سيّد حسن…
من هنا كانت انعطافاته التاريخية نحو التجاوب مع الواقع لا مع فرضية النص الذي أرسى قواعد لا تتزحزح في الفكر والتجربة ومن هنا كانت فرادته لا في تجميد النصوص أو عزلها كما فعل اصلاحيون آخرون بل في مواجهتها وتضعيفها وتوهينها وكسر أصنامها وهو بذلك بعث نهضة جدية وجديدة في التجربة الاسلامية التي نجحت في أمثولتها مع العدو الاسرائيلي وأنجزت مشروع النصر تماماً كما أنجزت مشروع المعرفة الاسلامية من مدخلية الوحدة لا كضرورة فحسب بل كفضاء طبيعي لحركة الأمّة في تحدياتها .
هذا النجاح المؤقت خسر رهانه بعد غياب السيد القسري عن الساحة الاسلامية واشتداد الحالة الحزبية بطريقة ستالينية أرست للعبة قديمة أنهت من خلالها ما بدأه السيد فضل الله وما أعاد انتاجه وترتيبه من خارج النص السلفي والتجربة السلفية وتحولت امكانيّات الفعل الاسلامي الذي انتظم كقّوة مجندة لدحر العدو الى تضخم مرضي انتشر كجرثومة عدوانية داخل الجسم ليفرز روائح كريهة من الموت الذي تغذى على موائد مذهبية وطائفية .
لم يعد باستطاعة السيّد بعد أن فقد الظرف الموضوعي الذي مسكه في مرحلة التأسيس من فرملة المندفعين نحو دين الفتنة طالما أن هناك نزعة طائفية اتضحت أهميتها في الصراع الدائر بين المذهبين وتبين غلبت عصبيتها على العقل المعرفي في ظل سرديات روائية  مطولة وتغذية  فقهية لروّاد الاسلام السياسي والجهادي .

إقرأ أيضاً: لماذا تكرّم جامعة المصطفى من حارب محمد حسين فضل الله؟
في العودة الى الموت والحياة بمقياس أسطورة الشهادة هناك غلبة لا للسيف المسلط فحسب والذي يفرق بحده القاطع بين شهيد وشاهد بحسب القربى في النضال الحزبي بل من خلال التعبئة المُفرغة للعقل من كل ما يعطيه الدور الذي استنزف السيّد فضل الله حياته له وتجويفه من الخلايا المفكرة لجعله كيساً للنفايات التاريخية تماماً كما هم انتحاريو داعش .
لم يبق من تجربة السيّد الاّ هو ومعه من آمن به كعقل تنويري لا ينتمي الى الجاهليتين القديمة والجديدة وحاجة الاسلام الحركي الى مجددين أبقاه حياً رغم ما بُذل من مال وكره لموته ودفن عقله بتراب الحقد .
في ذكراه لا نستذكره لأنه ليس بماض مضى بل” نستكمله ” كدور دائم في اسلام مصرون معه على اصلاحه وتجديده من خرافات الخرّافين .

(لبنان الجديد)

السابق
كشافة لبنان المستقبل اقامت نشاطا ترفيهيا بمناسبة عيد الفطر في وسط صيدا التجاري
التالي
عدونا في العلن صديقنا في السر هذا ما قاله الأسد للتلفزيون الإسترالي