تلامذة فرعون في مواجهة النهج الموسوي

{قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}. هو المستبد، دائماً يدعي أنه أفضل الناس علماً وأحسنهم عملاً وأوفرهم فهماً وأرجحهم عقلاً، فما الداعي، إذن، ليشير عليه الاخرون برأي؟! ولذلك هو لا يحتاج الى مستشارين وإنما الى خدم وحشم والى جوقة من الأمّعات !.

ومن جانب آخر، تراه يستخف بمن يخالفونه الرأي ويستهزئ بهم، {وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ & أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ & فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ}.

ومن أجل إقناع الناس بكل ذلك، تراه يجمع حوله جيشا من المطبّلين والنفعيين وعدد كبير من الأبواق، شغلهم الشاغل تسويقه للرأي العام بكل الطرق الملتوية والأساليب الخداعة .
ومن جانب آخر، يكون دور هؤلاء الأزلام والألسنة تبرير فشله وأخطائه والبحث عن شماعات وأَكباش فداء اذا ما هاج ضده الرأي العام لسببٍ من الأسباب !

إن الطاغوت يخشى من الرأي الآخر كثيرا، ولذلك يعمل جاهدا على منعه وقمعه بشتى الطرق، ولا يمنحهُ أية فرصة مهما كانت بسيطة للوصول إلى الرأي العام . فبعد أن يجعل الحاكم المتفرعن من نفسه سقفاً لا يجيز لأحد تجاوزه، يسعى من جهة أخرى للتشويش على الرأي الآخر، تارة بتزويره وأُخرى بالتقول عليه وثالثة بالدعايات والشائعات والأكاذيب لإسقاط مصدره واغتياله سياسيا واجتماعيا، وإذا لم تنفع كل هذه الأساليب، فهو يعمد الى التصفية الجسدية واستخدام العنف والارهاب ضده .

يحدثنا القرآن الكريم عن كل هذه الحالات بشكل مفصل، فعندما شعر الكفار أن آيات القرآن الكريم التي كانت تنزل على رسول الله (ص) تباعاً بدأت تترك أثراً معنويا وروحيا كبيراً في المجتمع المكي، وبدأت تأخذ بمجامع قلوب النّاس، لجأَ عتاتهم ومردتهم إلى فرض المقاطعة مع النبي (ص)، من خلال الحث على عدم الإصغاء إليه ومجالسته وعدم الإستماع إلى القرآن وعدم الإكتراث به وتجاهله .

يقول القرآن الكريم عن هذه الخطوة : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}.
وعندما فشلت هذه المحاولة بدأوا يشيعون الأكاذيب والإفتراءات ضد الدين الجديد وضد صاحب الرسالة السمحاء، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا & وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} وقولهُ تعالى {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.

وفي الآية الكريمة إلتفاتة رائعة إلى خطورة الإعلام السلطوي والدعاية السوداء التي يوظفها الطاغوت والمستبد ليطفئ نور رسالة الخير التي يحملها الأحرار، عبر نفث سمومه !.

وفي هذا الإطار يوزع المستبد المال والجاه والسلطة على من يظن أن وجودهم بقربه يساعده على التغلب على الرأي الآخر . ولذلك عندما استعد السحرة في بادئ الأمر لنصرة فرعون على نبي الله موسى (ع) سألوه عن الثمن، فكان جواب الطاغوت جاهزاً وهو : {وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ & قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}.
وعندما لم ينفع كل ذلك يلجأ، المستبد إلى الإرهاب والعنف، سواء ضد صاحب الرّأي الآخر أو ضد من يتأثر به ويتابعه على رأيه الصحيح الحر !.

تقول قصة فرعون والسحرة :
{قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ & قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ & وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ & فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ & وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ & قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ & رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ & قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ & لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}.
فبعد أن حاول الطاغوت تشويه الحقيقة لمحاصرتها والحيلولة دون وصولها إلى الرأي العام الذي لاااا شك أنه سيتأثر بها لقوتها ووضوحها ولملامستها للعقل والفطرة والحقائق البديهية، أعلن الحرب الشعواء على السحرة أنفسهم، لأنه اعتبرهم السبب في فوز نبي الله موسى (ع) .

وهنا يعود الأمر الى المؤمنين الجدد، فهل سيثبتون على الحقيقة التي اكتشفوها وآمنوا بها، أم أنهم سيتركون الأمر وينقلبون على الحقيقة ليعودوا ويمارسوا السحر والشعوذة لصالح الطاغوت عند أَول امتحان واختبار يتعرضون له على يد المستبد؟!

بالنسبة لسحرة فرعون، فلقد كان جوابهم هو أنهم ثابتون على الحقيقة التي عرفوها للتو ؛ {قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ & وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}.

نعم، إنهم استسلموا للحق وآمنوا برسالة الإله لهم عبر نبيه، وقرّروا الصمود والصبر وعدم الإستسلام لإرهاب المستبد الجائر مهما فعل !.

ولكن، هل أن كل من يتعرض لإغراءات الطاغوت أو إرهابه سيتخذ نفس القرار، فيصمد ولا يتراجع؟!.

إقرأ أيضاً: ⁠⁠⁠⁠⁠كوادر حزب الله يعتدون على كرامات علماء الحزب وعائلاتهم!‏

إن حرية التعبير في ظل السلطة المستبدة أَمر صعب وخطير للغاية، وهي بحاجة إلى الكثير من الإيمان والصبر والتحمل من أجل الإستقامة وعدم الإنهيار .
يتصور البعض أن حرية التعبير الموجودة اليوم في البلدان المتحضرة، نزلت عليهم من السماء أو تحققت بضربة سحرية أو بضربة حظٍ، أو بالصدفة . أبداً، ليس الأمر كذلك، إنها ثمرة تضحيات عظيمة وقرار جريء بالمثابرة وعدم الإستسلام بالنسبة لأولئك الذين آمنوا بأهمية حرية التعبير في وجه الحاكم قبل أن تتكرس اليوم كواقع يعتبره كثيرون أنه السلطة الأولى التي لها أَعظم الأثر في رسم السياسات العامة والدفاع عن مصالح الشعب وحماية المستقبل وغير ذلك.

أولئك الذين آمنوا بأن حرية التعبير مسؤولية وليست ترفاً فكرياً أو لغواً عبر وسائل التواصل الإجتماعي لقتل الوقت الزّائد!.

أما عندنا، فعلى الرغم من التطور الملحوظ في حرية التعبير في بعض بلداننا، إلا أن ما زالت في جانب كبير منها مجرد حالة ترف فكري وتعبئة للوقت الضائع، فما زالت السجون والمعتقلات في العديد من بلداننا تمتلئ بسجناء الرأي، حتى في البلدان التي تدعي أنها ترفع راية الحرية .

إقرأ أيضاً: أيها المسلمون الشاميون… إنها فتنة الشيطان… فأخمدوها !!
فإن الكثير من سجناء الرأي في بلادنا -سواء البلاد المحسوبة على الغرب أو التى تسمي نفسها بدول الممانعة- يتعرضون لكل أشكال التعذيب النفسي والجسدي لحملهم على التراجع، فضلا عن أن عددا منهم يعمل “الحاكم بأمره” على تصفيتهم الجسدية أو المعنوية الإجتماعية أو الإقتصادية بسبب رأيه الحر .

ولذلك، فلا بد من الجمع بين الكلمة الحرة النافعة، وبين تطبيقها في الساحة والعمل على إزالة سلطان الجور الذي وبكل وقاحة، يجور علينا بإسم الله وقرآنه والوطن !!

السابق
مكتب الخامنئي في لبنان يعلن غدا الاربعاء اول ايام عيد الفطر
التالي
النفط: بين الدولار الأمريكي والتفاح اللبناني‏