التعاون الاستخباراتي الغربي – اللبناني أحْبَطَ عمليات في «بنك أهداف داعش»

تطغى في بيروت الكوابيس الأمنية على كواليس السياسة، التي تكاد ان تتحول «ترَفاً» مع الأخطار غير المسبوقة التي تهدّد البلاد على وقعِ ما يشي بـ «قرارٍ» اتخذه تنظيم «داعش» بالتمدُّد في اتجاه لبنان، انطلاقاً من الضربات التي يتعرّض لها في العراق وسورية وتَوجُّهه للعودة الى «الحرب السرية» ومن تحت الأرض، بعدما كان خرج وبقوّة الى الضوء قبل عامين حين انفلش وعلى نطاق واسع على امتداد جغرافيا شاسعة أطاحت بالحدود بين سورية والعراق.

وبدت بيروت في ظلّ طوفانٍ من التقارير الأمنية وكأنها مربوطة بـ «ساعة توقيت»… تحبس أنفاسها مع ضجيج السيناريوات المأسوية لعمليات تفجيرٍ ضخمة أمكن تفاديها في هذه المنطقة وتلك، بعدما انكشف أمرها ووقعت الرؤوس المدبّرة في قبضة أجهزة الأمن التي أظهرت قدراً كبيراً من الكفاءة في حربها الاستباقية ضد عدوٍ، غالباً ما يكون غير مرئي ويحتاج قهره لتكاتف دولي يتجاوز امكانات لبنان، او اي دولة اخرى بمفردها.

ورغم ان التقارير اليومية التي تدهم بيروت مع كل طلعة شمس توحي بأن لبنان برمّته تحول «بنك أهداف» مفتوح لـ «داعش»، فان الثابت ان البلاد التي فاخرت طويلاً بـ «استقرارها النسبي» انتقلت الى مرحلة جديدة لم يعد من الممكن معها التقليل من خطر حصول انتكاسات دراماتيكية، خصوصاً في ضوء الوقائع التي شهدها الشهر الماضي، وهي:

•نجاح استخبارات الجيش اللبناني في الأيام العشرة الاولى من يونيو الماضي في إحباط عمليتين إرهابيتين ضخمتين، لم يُكشف عنهما إلا أخيراً، واحدة كانت تستهدف مركزاً سياحياً كبيراً (كازينو لبنان) والثانية منطقة مكتظة بالسكان (الضاحية الجنوبية على الأرجح).

•تَمكُّن الأجهزة اللبنانية من القبض على أكثر من «صيد ثمين» من الجماعات الارهابية، بينهم خلية من خمسة سوريين يخضعون لتحقيقات في ضوء معلوماتٍ أدلوا بها وشكلت طرف الخيط الذي قاد الى توقيف المزيد من الإرهابيين الخطرين.

•يوم الانتحاريين الطويل في بلدة القاع ذات الغالبية المسيحية (الاثنين الماضي)، الذي كانت حصيلته تفجير ثمانية انتحاريين انفسهم في موجتيْن، واحدة فجراً والثانية ليلاً، في تطورٍ نوعي وصاعق، ما زال يخضع لتحقيقات وقراءات لفك ألغاز دوافعه وأهدافه وتوقيته وجغرافيته.

ومع دخول لبنان حلبة «الكرّ والفرّ» بين سلطاته الأمنية والجماعات الارهابية، يقفز الى دائرة الاهتمام الدور الذي تضطلع به الأجهزة الأمنية اللبنانية في سياق المعركة ضد الارهاب بـ «التكافل والتضامن»، مع أجهزة الاستخبارات الغربية، ولا سيما الاميركية، وهو التعاون الذي أتاح للبنان القبض على الكثير من الخلايا وتفكيك شبكات عدة، وتالياً تجنب كوارث فعلية.

وقالت مصادر خبيرة في شؤون الإرهاب لـ «الراي» ان الاستخبارات الاميركية، كما نظيراتها الغربية، تلعب دوراً كبيراً في تمكين الأجهزة اللبنانية من اصطياد الرؤوس الارهابية والخلايا النائمة من خلال الامكانات التكنولوجية والالكترونية البالغة التطوّر في التنصت والتعقّب عبر الاتصالات والانترنت.

وكشفت المصادر عن الاهتمام الخاص الذي توليه أجهزة الاستخبارات الغربية للهواتف الخليوية للارهابيين، وخصوصاً اولئك الذي يستخدمون ارقاماً اجنبية (المانية، فرنسية، بريطانية، بلجيكية، كندية واوسترالية)، فمنها تبدأ عملية التعقب بالتعاون مع أجهزة تلك الدول.

وتحدّثت المصادر عيْنها عن دور السفارات الأجنبية الايجابي في هذا السياق، فمسؤولو المخابرات في هذه السفارات هم على تنسيقٍ دائم مع أجهزة الأمن اللبنانية، مشيرة الى ان الموقوفين من الارهابيين يشكّلون كنز معلومات ومدخلية ضمن محاربة الارهاب التي تحتشد فيها كل الدول وتتفق حيالها.

وفي اعتقاد هذه المصادر الخبيرة في شؤون الارهاب ان لبنان بات يشكل مخزناً مهماً لهذه المعلومات نظراً لاستهدافه من «داعش» في الدرجة الاولى ومن «القاعدة» بدرجة أقلّ، فـ «القاعدة» اعتمدت سياسة مختلفة عن «داعش» وتقوم على احتلال دمشق اولاً كـ «عاصمة للشام» ثم الانطلاق الى بلاد الشام التي تشمل لبنان، العراق، الاردن، فلسطين واسرائيل.

ولفتت المصادر نفسها الى ان تكثيف«داعش»لعملياته على الاراضي اللبنانية جاء مترافقاً مع الكلمة الاخيرة التي ألقاها الناطق الرسمي باسم التنظيم وأحد أمرائه ابو محمد العدناني، الذي أبلغ الى العالم ان هذا التنظيم مستعدّ للخسارة (وهذا ما يحصل في الفلوجة وجنوب الموصل وفي منبج في سورية)، وانه سيعود الى الحرب السرية والى العمل تحت الارض وعلى قاعدة أضرب واهرب، والى تنفيذ عمليات في أمكنة عدة وفي بلدان عدة لاثبات استمراريته بغض النظر عن سياسة الإمساك بالأرض التي اتبعها«داعش»منذ يونيو 2014.

ورأت المصادر ان هذه المتغيرات في سلوك«داعش» وسياسته أصبحت معلومة من أجهزة الاستخبارات الغربية الفاعلة في لبنان، والتي تصب اهتمامها على السياسة الاستباقية من خلال جمع المعلومات عن طريق العنصر البشري وجمع المعلومات عن طريق الاشارة التي تشمل الاتصالات بكافة أنواعها.

وخلصت المصادر الخبيرة في شؤون الارهاب الى القول ان التعاون بين أجهزة الاستخبارات الغربية أصبح على مستوى عالٍ من التنسيق، ولهذا التعاون فضلٌ في اكتشاف أشخاص خطيرين جداً في لبنان وخلايا كانت تنوي القيام بعمليات تفجيرية او قامت بعمليات ومن ثم حُدد مكانها وجرى توقيفها لاحقاً.

(الراي)

السابق
الأسد: ليس كل المعارضين إرهابيين
التالي
العثور على جثة في بلدة النبي رشادة.. والسبب قتل!