من ذاكرة الحرب: إنّه رصاص العدو.. من سيكون الشهيد الأوّل بيننا!

حدث في مثل هذا اليوم … وفي مثل هذه الساعات … ذات صيف

اقرأ أيضاً: الحاجة رباب تعيش في جنوب لبنان مع الماضي و20 قطا

فوق جبل الريحان

…….

توارت شمس ذلك النهار خلف التلال ولم يبق الا لمعان النحاس على منحدرات “نيحا” النازلة صوب جزين …

غبش الغروب يزحف نحو الوادي المعلّق على خاصرة الريحان …

بئر ماء واجران حجرية و ثغاءات

وشجرة خروب عالية يستريح في ظلالها الرعيان …

رايتهم في طريق الذهاب …

ولم المح في طريق العودة سوى رنين اجراسهم تبتعد عند آحر الدرب

سحرني المكان … فاستسلمتُ لسأسأةِ الندى على شغاف الروح

فجأة انهمر الرصاص … فملت بجسدي ناحية التراب … ورحت ازحف مقوّس الظهر على غير دراية بعلم الحروب …

دمٌ طازجٌ … وحارٌ … يتدفقُ من سلسلة الظهر

كأنه دمي ….!!!!!!!!!

وهذا انا

يا الهي ….!! !!!

إنه ليس خبراً اقرأه في “فلسطين الثورة” … او بلاغا من بلاغات “العاصفة ”

…………….

في دارة على طريق الغيم بين “جباع” و”حيطورة” خلَتْ او أُخليت من سكانها … أسكنوننا

انا …ومنير…. وصبايا من عرب الهيْب ذوات الوجوه المسروقة من عتم الليل والقسمات الموشومة بوجع مخيمات البؤس والغربة

منير … المقاتل الفلسطيني الاسمر … الفولاذيّ الملامح … المسؤول العسكري للناحية

وانا … العاشق لفلسطين من بوابة اغاني فيروز … وشعراء الارض المحتلة ….. وأغاني العاصفة

الحالم بتغيير العالم … محمولا على توليفة من اللينينة والجيفارية والتروتسكية والماوية التي مهدت الدرب لاسلام يساري على نكهة “ابي ذر”

كلما غادر “منير” في مهمة قال لي … خوّي “لؤي” خوذ بالك من الأٌختات …

هذا الصباح … على غير عادته قال “منير” … ان الحاج اشرف يريدني في مهمة استطلاع على مشارف جزين …

جزين التي كانت تلوح لي من بعيد كلما طفتُ على قمم الريحان تزهو بخضرتها وشلالها وقرميد بيوتها الاحمر

……………….

من اين يأتي الرصاص ليمزق هذا السكون الاثيري

اويكون قد اشكل الامر على رفيقاي من القوات المشتركة الذين أمّنت طريق عودتهم وصارا خيالا بعيدا على راس الجبل

ناديت “بكلتا اذناي” …لا تطلقوا النار

قذفت بما اوتيت من عزم بالفيلد العسكري الذي اهداني اياه ضابط في جيش لبنان العربي على حاجز ” بئر السلاسل ” … الى الاعلى …. لعلهم يعرفونني

استمر الرصاص ..تتبعه قذائف مدفعية … وصوت ارتطام الشظايا على الصخور مثل زخّ المطر

عندها ايقنت بانه رصاص “عدو” ….!!!!؟؟؟؟

دمي ينزف … واصواتهم تقترب …وصرت على قاب قوسين او ادنى من الاسر او الموت

وحدها اصوات القذائف تنسيني الوجع الذي صار يتعاظم مع مرور الوقت

اغيب عن الوعي تارة ثم استعيده على وقع قذيفة او شظية متطايرة …

خربشت حفرة في التراب ودفنت راسي

………………….

– يا حادي العيس سلملي على امي

واحكيلها ما جرى واشكيلها همي

بين الغيبوبة والصحو …. تتداخل الرؤى والتذكار

– صوري على الجدران

– حشود المشيعين تتماوج على ايقاع قصيدة “شوقي” التي ترتج لقوافيه حسينيات الجنوب

– صوت ابي سهيل وهو يصعد من اودية العزيّة

“غيرك مين للثورة يا ياسر

يا معلم درس للامة يا ياسر

لحد الشمس وصلنا يا ياسر

لنكتب عالسما فتح العرب”

– رفاقي في التنظيم الشعبي اللبناني لحركة فتح ونحن نتحزّر … من سيكون شهيدنا الاول الذي سنسمي الفصيل باسمه…؟

-وجهها القمري وبريق عيونها الخضراء وشعرها المتماوج في فضاء الروح مثل “شباشيل الذرة”

لماذا وقع عليّ الاختيار لاكون الموجّه السياسي لفصيل الطوارىء …

والفصيل نخبة من خيرة شباب وزهرات الجنوب … ورياحين جنته ..

سنتان ونحن نهدر مثل موج البحر على طرقات الجنوب و في ساحات القرى …

نحمل الطحين والغاز ونضعه قبيل الفجر على ابواب البيوت التي ضاق عليها الحصار …

تستفيق قرى القطاع الاوسط على رندحة مواويلنا في الصباح … وتغفو على نشيج حداءاتنا في الليل

…………..

تناهت اليّ اصوات الرفاق تنده لي من خلف الصخور … استطاعوا الوصول رغم انكشاف الطريق وصعوبة تحديد المكان الذي انا فيه …

بعد ست ساعات انتشلني الرفاق من فم الذئب وحملوني “بطلوع الروح” الى اعلى الجبل .. كان ذلك حوالي منتصف الليل … هنالك كان بلال قائد الاوسط … ونعيم اسطورة العرقوب الذي كنت اتشوق للقائه والتعرف اليه

….

النكبة الفلسطينية

في مستشفى النبطية وانا ممدد على سرير العمليات .. قال الطبيب بان ما حصل يشبه المعجزة … شعرة واحدة تفصل بين الرصاصة والعمود الفقري

وبصوت متقطع رحت اهذي بما احفظه من الشعر

“تطلعت الى المطلق في ثقة … كان ابو ذر خلف زجاج الشباك المقفل يزرع فيَّ شجاعته فرفضتُ ….

وكانت امي واقفة قدام الشعب بصمت صابرة فرفضت رفضت”

يهمس الطبيب لبلال ونعيم …ويتضاحكون …

……..

بعد ايام قصفت قوات الاسد الاب “دارتنا على طريق الغيم” …فجعلتها اثرا بعد عين … واستشهد منير

دارت الحرب دورتها …اشتد الحصار والكثير من الرفاق مضوا في ذلك الصيف

نعيم ابتلعه البحر اثناء توجهه لفك الحصار عن طرابلس

محمود قواس ,عادل وطفا ونزيه دياب “وكان يجب ان اكون رابعهم” …. مضوا على بوابات عين ابل …

وانا ما زلت هنا … لان احدا في ذلك الصيف لم يحسن التصويب…

ولان … اخوتي … استبسلوا رغم استحالة الظروف كي لا يعودوا بقميصي الى ابي ويقولون اكله الذئب

تحية لغصوب بزيع العميد المتقاعد في الجيش اللبناني …

موسى حمود الذي لم اره منذ ذلك الحين

حسن شمس الدين وكل الاسماء الحسنى … الذين أدين لهم بكل هذه السنوات الفائضة

السابق
بموجب أي فتوى يحرم اقتناء الكلاب في ايران؟!
التالي
هل «القاع» كانت ممراً ام هدفاً لتفجير الارهابيين؟