لا أنزع قيداً مذهبياً لأضع آخر

هاني فحص

الذين لا يملكون مشروعاً بديلاً لأي نظام فاسد أو مستبد، ويخلطون بين ما لا يريدون مما يعرفون، وما يريدون مما لا يعرفون، ليس من شأنهم أن يكونوا بديلاً حقيقياً لنظام الاستبداد. على أساس شعار يظلم الإسلام أولاً، بالقول: “إن الإسلام هو الحل”.

اقرأ أيضاً: المشهد السني – الشيعي

فهذا الكلام سهل وهروبيّ مجاني. إذ لا يكفي أن يضطهدني نظام عربي لأصبح مؤهلاً لأن أكون بديله الحضاري. أما الله فهو لم يتعبدنا بشكل من أشكال الدولة، وترك هذه المسألة لعقلنا المشترك.
هذه ليست دعوة لفكّ التحالف أو للقطيعة أو الصراع بين قوى الاعتدال وقوى الأصولية، هي دعوة للقوى المدنية إلى التنبه إلى أن ضعفها الذي يمنعها من التأثير على الأصوليين، للحدّ من رغبتهم في الاستيلاء وتغطية التطرّف الفتّاك، لا يمكن التغلُّب عليه إلا بتقوية الذات والاستقواء بها.
والاستقواء بالذات مشروط بالاستقواء عليها وعلى الذاتيات الفرعية المتورِّمة، بالوحدة والتحالف والصداقة والحوار. حتى لا تُحمِّل غير مظلومة مسؤولية الانحراف والتحريف، الذي يؤدي إلى فشل الثورات قبل انتصارها أو بعده.

المذهبية
هذه ليست دعوة إلى التطهُّر، لأنه ما من أحد يصادر على القوى المدنية حقّها في اتّباع المسلك البراغماتي مع كل ألوان الطَّيف الوطني وحتى الطائفي. ولكننا نشترط على هؤلاء، أن تكون ضوابطهم عالية وألاّ تبقى صفوفهم مصدّعة، وألاّ تكون فرديتهم بديلاً مشوّهاً لكل فرادتهم. وأن تكون وطنيتهم العربية في أي قطر كان، في أي بلد ما، مدعاةً لاحترامهم لوطنية جيرانهم وسيادة أوطان هؤلاء الجيران. ابتداء من الآن يجب الانتباه إلى حدود لبنان، لئلا يكرَّر سلوك النظام في انتهاك الحدود بذرائع باطلة.
أردتُ أن أقرع جرساً، قائلاً بفم ملآن: “إني لن أقتل شخصي الذي ربّيته على خبز الحوار، وهواء العيش المشترك، ولاحضور في الآخر حضور الآخر فيه. وسقيتُه من ماء الروح وذهنته بزيت الزيتون مرّة. وبالميرون مرّة. وعصارة القرآن مرّة. وخلاصة السنّة مرّة. وعطر الإنجيل مرة. وبحُبّ آل البيت مرّة. وحرام الصحابة مرّة. وإذا ما رضيتُ بقتل أحد ظلماً في القُصَير أو دير الزور أو رأس بعلبك، فإني أكون قد قُتِلت، لأن “الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم”، كما يقول رسول الله.
ولن أقتل ولن أرضى بالقتل، حتى لا أكون أنا القتيل، وحتى لا أقع في الحيرة القاتلة التي وقع فيها الشاعر صلاح عبد الصبور:
“هذا زمن الحق الضائع/ لا يعرف فيه مقتول مَن قاتِلُه ومتى قتله/ ورؤوس الناس على جثث الحيوانات/ ورؤوس الحيوانات على جثث الناس/ فتحسّس رأسك… فتحسّس رأسك”!

اقرأ أيضاً: أمنية لن تتحقق

وليعذرني كل الذين فهموا مني خطأ أني أنزع قيداً عصبياً مذهبياً لأضع آخر حول ساعدي أو معصمي أو عقلي أو قلبي أو لساني أو قلمي. حريّتي هي قوام ديني وتعريف تشيّعي بما هي حرية الآخر طبعاً وأولاً.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
هل «القاع» كانت ممراً ام هدفاً لتفجير الارهابيين؟
التالي
برلين وباريس وروما تعارض مفاوضات مع لندن حول مستقبل الاتحاد