العقوبات الأميركية ضد “حزب الله” إلى التشدد

حزب الله مصرف

لفتت “السفير” إلى أن الهجوم الأميركي “الناعم”، بعنوان القانون المالي الموجه ضد “حزب الله”، لم يتوقف لكن “الاستنفار” السياسي ـ المصرفي اللبناني، يعطي مفاعيله يوما بعد يوم، بدليل لجم الاندفاعة غير المحسوبة، وربما الاستنسابية، لبعض المصارف اللبنانية، وفتح الباب أمام أخذ ورد بين “حزب الله” وحاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة من جهة، وبين “حزب الله” والمصارف من جهة ثانية، الأمر الذي ولّد دينامية تفاعل هدفها التعامل بواقعية مع القانون المالي الأميركي والحد من الأضرار والآثار، خصوصا أن الحزب نفسه أعلن مرارا، وربما سيعيد أمينه العام السيد حسن نصرالله التأكيد على ذلك اليوم، أن المقاومة لا تملك حسابات مصرفية ولا تتعامل لا عبر النظام المالي اللبناني ولا عبر النظام المالي الأميركي.

ولم تستبعد مصادر دبلوماسية عبر “اللواء” أن تُفاقم التطورات أزمة العقوبات المالية الأميركية على “حزب الله”، حيث أن كتلة “الوفاء للمقاومة” في البيان الثالث من نوعه ناقشت هذا الموضوع، مجددة رفضها لما وصفته “بآليات تعاطي المصارف مع فرمان الوصاية النقدية الأميركية”، مشيرة إلى أنها “ستتابع هذا الموضوع باهتمام على قاعدة حفظ السيادة النقدية والاستقرار النقدي والاجتماعي”.

هذا البيان تميّز وفق “السفير” بتحييده للمرة الأولى حاكمية المصرف المركزي، ولو أنه أبقى سيف الانتقادات مسلطا على المصارف في حال تكررت التجاوزات أو محاولات الابتزاز كما حصل في المرات السابقة. ولا يأتي “التحييد” من العدم، بل هو نتاج مفاوضات غير مباشـرة بعيدة عن الأضواء، أمكن لها تثبيت مصرف لبنان مرجعية صارمة في التعامل مع هذا الملف الحيوي والحساس والخطير، نظرا لآثاره البعيدة المدى على البنية المالية والنقدية والمصرفية ودور لبنان التاريخي على الصعيد الإقليمي، فضلا عن آثاره المباشرة على بيئة سياسية وطائفية لبنانية، لا بل على كل من يتواصل معها، أي على الشعب اللبناني بأسره! وإذا صح القول إن مصرف لبنان تمكن حتى الآن من إلزام المصارف بأن تبقى تحت سقف تعاميمه وإجراءاته، وبالتالي، لجم “المبادرات” التي جعلت بعض المصارف يتصرف بوصفه “ملكيا أكثر من الملك نفسه”، فإن العبرة في أن يستمر هذا المسار، خصوصا أن الأميركيين قد يستكملون إجراءاتهم، وفق آلية سياسية، تخضع لاعتبارات متعددة وأحيانا متناقضة، مثل محاولة التوفيق بين الحرص على استقرار لبنان السياسي والأمني والاقتصادي، وبين الإقدام على إجراءات لإرضاء اللوبي السعودي ـ الإماراتي ـ الإسرائيلي في العاصمة الأميركية!

ومن المتوقع وفق “السفير” أن تستمر عملية “ربط النزاع” ومعها تثبيت مناخ الأخذ والرد بين المعنيين بالملف بوتيرة تتناسب وحجم المخاطر والتحديات، خصوصا بعد التوصل إلى تكريس ما يصح القول عنها إنها “القاعدة الذهبية” في التعامل مع الحسابات المالية، وأساسها أن القانون المالي الأميركي يطال بشكل حصري حركة الحسابات المريبة، سواء أكانت تتعلق بعضو في “حزب الله” أو بأي حزب آخر وحتى من دون أن يكون صاحب الحساب حزبيا بالضرورة. وخير دليل على ذلك هو قيام هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان برئاسة سلامة برد تسع طلبات تقدم بها مصرف واحد، وبينها حسابات لنواب في “حزب الله” ولمؤسسات إنسانية أو خيرية. وبررت الهيئة قراراتها بالقول أنه طالما مصدر المال واضح (راتب من الدولة)، وطالما حركة المال واضحة (مستقرة ودورية)، فممنوع إقفال الحساب طالما هو غير وارد على لائحة “أوفاك” الأميركية.

وقالت “السفير” إنه صحيح أن بعض المصارف حاول الاعتراض، لكن مصرف لبنان الذي يتقن فن إمساك جميع المصارف من خلال بعض نقاط ضعفها وقوتها في آن معا، تمكن من إلزامها بتفادي الاستنسابية التي أضرت بسمعة القطاع المصرفي. هذه النقلة النوعية، أو بالأحرى “القاعدة الذهبية” المتفاهم عليها داخليا وخارجيا، فتحت الباب أمام مناقشات لحالات تفصيلية وبالتالي أمكن التوصل إلى آليات للبعض منها، فيما يستمر النقاش حول أخرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تم التوصل إلى آلية مضمونة للدفع لبعض المؤسسات الصحية، وبات الأمر بحاجة إلى قرار سياسي، لأن الأمر يتعلق في حالات معينة بوزارات وليس بمصرف لبنان. كذلك تم التفاهم على أن كل ملف متصل بالدواء والمعدات الطبية لا يسري عليه القانون المالي الأميركي، وهذه النقطة حظيت بمباركة أميركية، حتى لو شمل التصنيف بعض المؤسسات التي تم وضعها على “اللائحة السوداء”. وشملت الآلية الجديدة أيضا تحديد معايير للتعامل مع جمعيات تعمل في الحقل الإنساني والخيري.

وفي انتظار المفاوضات المستمرة وما يمكن أن يحسم خلالها من ملفات، قالت مصادر مصرفية معنية لـ”السفير” إن لا صحة لما تردد عن وجود لائحة أميركية جديدة من 960 صفحة وتتضمن آلاف الأسماء، وأضافت أن هناك بعض الأمور التي يمكن أن تستجد مستقبلا وتثير إشكاليات، فإذا طلب الأميركيون إقفال حسابات محددة، فإن هذا الأمر يكون مفهوما لأن القرار يكون مستندا إلى تحقيق، ويمكن لأي شخص يشعر بالظلم أن يراجع هيئة التحقيق، لكن إذا طلب الأميركيون “التحقق” من أسماء معينة، فإن الإشكالية المطروحة تتصل بالوقت الذي يحتاجه “التحقق” وكيفية التصرف خلاله، وخصوصا إذا كانت الحسابات المشتبَه بها لأشخاص ليسوا في “حزب الله”، وهل يلجأ هؤلاء إلى هيئة التحقيق الخاصة أم ترفع المصارف الطلبات، وهل من المفيد أن تتخذ الهيئة قرارا أم تترك قرارها معلقا وأيهما يكون مفيدا للشخص صاحب الحساب. ولفتت المصادر إلى أن الأجواء إيجابية إلى حد كبير ويمكن البناء عليها “ولننتظر ما سيتطرق إليه السيد نصرالله في خطابه اليوم في معرض تطرقه للحرب الناعمة التي تشن ضد المقاومة بمسميات مختلفة”.

ويأتي موقف “الوفاء للمقاومة” وفق “اللواء” قبل ساعات من خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله، في ظل معلومات من أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيقدم للكونغرس الأميركي بموجب القانون الرقم 2297 الذي قضى بالعقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية التي تتعامل مع “حزب الله”، إحاطة حول ما نفّذ من القانون الذي لم يتطرق مباشرة إلى المؤسسات الرسمية والمدنية لحزب الله إلا أن العبارة التي نص عليها “أي حسابات مصرفية مرتبطة بحزب الله يجب إقفالها ومنع تداولها” كانت تعني ضمناً رواتب الوزراء والنواب التي تحوّلها وزارة المالية اللبنانية بالعملة اللبنانية إليهم.

وتتخوف أوساط إقتصادية لبنانية وفق “اللواء” في الولايات المتحدة الأميركية ولبنان من مرحلة جديدة من العقوبات أو الحصار الأميركي الشامل على “حزب الله”، مشيرة إلى أنه بموجب نظام “De-Disbing” (الحد من المخاطر) الذي تطبقه الخزانة الأميركية على المصارف العالمية، تكون القضية قد خرجت عن سيطرة المصرف المركزي الذي جاء تدخله لعدم ترك المصارف اللبنانية، التي تعيش حالة من الذعر، تواجه قدرها بنفسها، إذا لم تستجب للعقوبات الأميركية. وذكّرت بما حصل مع “البنك اللبناني – الكندي” الذي تمت تصفية حساباته وإقفاله نهائياً بموجب نظام الحد من المخاطر.

ووفقاً لمصادر الحزب لـ”اللواء” فإن المواجهة حول موضوع العقوبات مستمرة، وستتوضح خطواتها في ضوء ما ينتهي إليه فريق قانوني – مالي طلب إليه الحزب دراسة القانون الاميركي وكيفية التعامل معه. ولم تستبعد هذه المصادر أن يتطرق نصراالله إلى هذا الموضوع من زاويتين أن “لا تكون المصارف ملكية أكثر من الملك وعدم الدخول في سجالات إعلامية معها”.

السابق
حوار ثنائي بلا بيان!
التالي
ما قصة مناقصات مطمري برج حمود والكوستابرافا؟