الشيعة: طائفة منتهية الصلاحية

الشيعة
قد يخال البعض أن واقع الطائفة الإسلامية الشيعية هو أحسن حالاً من أخواتها في لبنان، نتيجة جملة معطيات سياسية وعسكرية ومالية... لكن مع إمعان النظر، في حقيقة الأمر يتضح عكس ذلك تماماً!

بعد انهيار عدد من الأنظمة في عالمنا العربي، ومع تصاعد المطالب بالإصلاح والتحديث، لا سيما مطلب “المحاسبة والمساءلة” على الصعيد اللبناني، وانحسار وضعف النظام على الصعيد السوري؛ يظهر جلياً أن الطبقة السياسية اللبنانية الحاكمة قد شاخت وهرمت وأضحت في مراحلها الأخيرة. وما العجز المستحكم في كل بنيتها إلا دليل حي على المدعى.

اقرأ أيضاً: الشيعة يتماسكون سلباً

فإنه بقدر تميز الشيعة راهناً بقدر ما سينقلب لعكسه، فقد تنهار قوى سياسية لطوائف، لكن بمستوى محدد، وأما منسوب الانهيار المتوقع للشيعة فهو بقدر قوتهم وحضورهم الحالي.

الانحدار

اتسمت مرحلة ما بعد الطائف بالتنمية والتطور السريع لدى أبناء الطائفة الشيعية، الذين تمكنوا من إعداد كوادر مميزة على مستوى الوطن، في مختلف الشؤون العلمية، على مستوى التخصصات بمختلف مجالاتها.

وعلى المستوى الاقتصادي تكوّن لدى الشيعة طبقة رجال أعمال ومتمولين، معتد بهم، وتكاثر رجال الأعمال الشيعة في الغرب والخليج وأفريقيا، حتى حظوا بمكانة رفيعة.

كما كانت محطات تاريخية في واقع الشيعة وسياقهم العام، بالمكانة التي تمكنوا من الوصول إليها عقب تحرير جنوب لبنان في أيار 2000، وتضاعف حضورهم في العالمين العربي والإسلامي عقب حرب تموز 2006 وحينها توطدت هذه العلاقة السنية – الشيعية، بشكل لافت ومميز، بل أصبح للشيعة مكانه غير مسبوقة في العالم الإسلامي.

الشيعة في لبنان

أما اليوم:

– فإن شباب الشيعة منشغولون في كل شيء إلا في مجال تطوير واقعهم، يتلهون في قضايا غير ذات أهمية، البطالة ارتفعت، وتدنى منسوب المقبلين على التخصصات – قياساً مع نسبة ازديادهم -، وأضحوا عديمي الطموح، فضلاً، عن انصراف جزء منهم لمتابعة الشأن السوري.

– وقد وضعت تعقيدات مالية واقتصادية كبيرة على أبناء الشيعة، وأغلقت العديد من الأبواب أمامهم، ناهيك عن لوائح الإرهاب “المطاطة”، والتي ستترجم تداعياتها لاحقاً.

– وفيما يمت للمكانة السابقة التي تمتع بها الشيعة في المجتمعات الإسلامية خلال الحروب مع إسرائيل؛ فإن مفعول ذلك تلاشى مع الدخول في الحرب السورية؛ بل انقلب الاحترام لضده.

الخطر الوجودي

إن لعنة ثالوث: إسرائيل، فلسطين، سوريا، أنتجت واقعاً مأساوياً على الطائفة الشيعية في لبنان، حيث أضحى عدد الشيعة لا يصل إلى 20 بالمائة من سكان لبنان، (مع احتساب الفلسطينيين والسوريين وغيره من جنسيات… يشكلون بمجموعهم نصف سكان لبنان تقريباً) ولعل الشيعة قرابة ثلث اللبنانيين!!

وبشيء من استشراف المستقبل، فإن هجرة الفلسطينيين والسوريين إلى لبنان ليست هجرة مؤقتة أو عابرة – وهم من لون طائفي واحد بالإجمال -؛ بل إن وجودهم يتجه مع “مرور الزمن” لمزيد من الاندماج في المجتمع اللبناني؛ وبأحسن الأحوال، وإذا لم تحصل هجرة شيعية في لبنان، وإذا بقي عددهم كما هو؛ فإن العقود المقبلة ستبلور الطائفة الشيعية كإحدى طوائف الأقليات في لبنان… وهذا مصير متوقع.

قوى… خاوية

بنظرة عابرة على قوى الطائفة كافة، نرى الخواء يعتريها، وقوتها الوحيدة مستمدة من استمرار الصراع الطائفي فقط.

أ – المؤسسات الدينية الرسمية

كأنه قد انتهى دور المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى إلى غير رجعة، وأقصى ما يمكن تحقيقه هو إعادة الاعتبار للمؤسسة على المستوى القانوني، دون أن يتمكن من إعادة حضوره ومكانته التي حظي بها في مراحل زمنية سابقة، فقد استهلك خلال عشرات السنين من الركود الداخلي، وخفَّ وهجه، وضعف حضوره.

وعليه، وبأحسن أحواله يمكن أن يحظى بجملة قضايا رسمية سطحية، غير ذات أهمية في الجوهر والمضمون، وسيبقى عصر الإمام الصدر هو المرحلة الذهبية التي مرت على المجلس الشيعي.

ومع فقدان الشرعية في دار الإفتاء الجعفري؛ فقد كانت المحاكم الشرعية الجعفرية هي المؤسسة الشيعية الوحيدة ذات الشرعية في المرحلة الماضية، لكن عقب تقاعد آية الله الشيخ حسن عواد – منذ عدة أشهر – فقد شغر هذا المنصب ولم يتم تعيين خلف له، مضافاً لشغور عدد من المراكز القضائية الأخرى… وهذه سابقة خطيرة!

حيث لم يحصل شغور في سدة رئاسة المحاكم الشرعية حتى خلال فترة الحرب الأهلية!! ولكنها اليوم، بظل الرخاء، بل التخمة التي يعيشها الشيعة في مؤسسات الدولة اللبنانية فإن الأمر انقلب!!

ب – المرجعيات العلمائية

فرغت الساحة الشيعية – ومنذ عدة سنوات – من وجود أي مرجعية دينية علمائية روحية، وهذه سابقة أيضاً لم تحصل من قرون عديدة… فبعد رحيل المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله، وقبله الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وقبله المرجع الديني الشيخ محمد تقي الفقيه، لم يعد في الساحة الشيعية من يشكل مرجعية حقيقية، وانحسار دور الشخصيات الدينية ذات الوزن كان لمصلحة القوى السياسية.

ولمن كان يراهن على دور قد يلعبه أبناء المرجع الراحل السيد فضل الله، فإن الأيام أثبتت عدم استقلالية هذا البيت، وأنه يسبح في فلك الثنائية وأن سياسة “التذاكي” التي يمارسونها لإظهار شيء من التميز ما هي إلا محاولة فاشلة في ظل ارتباطهم بجملة مصالح مالية وخاصة.

ج – القوى السياسية

رغم كل ما يبدو من حضور وازنٍ للثنائية الشيعية (حزب الله وحركة أمل)، إلا أن الواضح جلياً لأي مدقق أن هذه القوى قد ترهلت كثيراً، ليس بالعوامل الطبيعية التي تتأتى من مرور الزمن الذي يستولد بدوره ما يوجب الوهن فحسب؛ بل إن هذه القوى لم تعد تملك مشروعاً استنهاضياً كما في السابق.

فلا “الحرمان” ينسجم مع السيطرة على المراكز الرئاسية والوزارية والنيابية!!! ولا “مقاومة إسرائيل” ما زالت مقاومة مع “مقاومة غير إسرائيل”!!!

وقد أضحى ارتباط الشعب مع هذه القوى رهن بالمصالح الضيقة والشخصية فقط، بخلاف أجواء النضال والعطاء والتفاني والإخلاص… التي كانت تسود المرحلة الماضية.

ربع قرن مضت على دخول “الثنائية” للحلبة السياسية اللبنانية عبر البرلمان اللبناني، تجربة – بمعزل عن تقييمها – إلا انها استهلكت بالكامل، وأضحت عديمة الدسم.

شخصانية في “الحركة” مفرطة قد تقضي على هذه المؤسسة في حال جاء “القدر المحتوم”، لا سيما وأن قائدها على مشارف “الثمانينات” من عمره. ومؤسسة معقدة في “الحزب” تصهر الأشخاص فيها بطريقة تمنع نمو الطاقات؛ وتالياً تجعل التنظيم عدد “رؤوس” فقط.

إفراط وتفريط سيولدان انفجاراً مرتقباً لطائفة منتهية الصلاحية في مؤسساتها الدينية، وفي مرجعياتها الروحية، ومنتهية الصلاحية مع ثنائية يتربع على عرشها شخصان أحدثهما منذ ربع قرن!!

ولا أتصور أن السنن البشرية التي لا استثناء فيها ستتجاهل جسماً يصيبه الخواء، رغم تمكنه “سابقاً” من تحقيق منجزات تاريخية!

أخيراً: إن حال أجيالنا الناشئة – والتي لم تنشأ على مفاهيم أسلافها – تقول: ليت ظلم “الإقطاع” دام لنا وعدل “الثنائية” في النار.

اقرأ أيضاً: المرجع الديني العلامة السيّد محمد حسن الأمين: أدعو الشيعة إلى أن يكون انتماؤهم الوطني لا الديني هو الأساس

أقرأ في أبصار الشباب غضبهم العارم، الذي سيترجم بلفظ الطبقة الراهنة. وأستمع من دقات أفئدتهم لهدير الجحافل القادمة للتغيير. وأتلمس من نضارة وجوههم معالم طريق المستقبل المفعم بالخير والبركة. وأرى في براءة عقولهم رفضاً لثنائية بعد ترويكا.

السابق
«حزب الله» يُحل لإيران ما يحرّم على مصارف لبنان
التالي
قصف بالطيران واتفاق روسي – سوري لتحجيم حزب الله… فكيف الرد؟