السيد محمد حسن الأمين: الاختلاف حول هلال رمضان ابتعاد عن الهموم الح‏قيقية

يتحدث سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الامين عن فريضة الصوم في شهر رمضان التي بدأنا نعيشها في أوائل أيامها من هذا العام، يمكننا أن نتحدث طويلاً عن فائدة هذه العبادة بكل أبعادها الروحية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية.

يبدأ السيد الأمين حديثه عن الشهر الكريم بتفضيله “العودة إلى جذور أبعد، والتأمل في فلسفة هذه العبادة وارتباطها لجهة المساهمة في تحقيق العمل على إيصال الكائن الإنساني إلى موقع الكمال أو ما يقارب الكمال، فمنذ فجر التطلعات إلى اهتمام المصلحين والقادة العظام كان هناك هدف واضح وملحّ لجهة تحرير الكائن الإنساني من كل أشكالا لظلم والاستبداد والجشع والطمع الذي يمارسه البعض ضد البعض الآخر أفراد وجماعات.ولعل أبرز المناهج التي وضعها الإنسان في سبيل ذلك هي القوانين العادلة والتي تفترض وجود سلطة فاعلة لتضييق هذه القوانين، وكان من نتائج ذلك أن التاريخ الإنساني أنجز كمية كبيرة من الشرائع والقوانين التي تحمي حقوق الإنسان، وتحقق للاجتماع الإنساني هدف المساواة بين أعضائه وإتاحة الفرص المتماثلة للأفراد في قضايا حرية الاختيار. واعتبر كثير من المشرّعين وخاصة المشرعين الوضعيين، أن هذا هو السبيل الوحيد لإنجاز العدالة والحرية ومصالح الجماعة الإنسانية بصورة كاملة”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الأصولية الجديدة تؤسلم المعارف لإقصاء الآخرين

وبالعودة الى شهر رمضان يشرح السيد الأمين: “أتينا بهذه المقدمة ونحن نتحدث عن عبادة الصوم، لنلفت النظر إلى ارتباط هذه العبادة بما سميناه منهج الهداية والتربية التي لا بد من توفرها في الاجتماع الإسلامي وغيره للوصول إلى تحقيق المجتمع العادل والكامل، وهذا ما ينطبق على الصلاة والزكاة وعلى كل العبادات الروحية، وإن كان الصوم يتميز عنها بأنه عبادة تكاد تكون عبادة سريّة، أي أنها تقوم بين الصائم وربه، حيث أن الصائم لا يمكنه أن يمارس عبادة الصوم نفاقاً للمجتمع، فهو متاح له أن يظهر في المجتمع على أنه صائم، وحين يخلو إلى نفسه، فإنه يستطيع أن يأكل ويشرب ويفعل كل ما تمنعه أحكام الصوم، الصوم الحقيقي، لا يكون إلا بين الله والعبد الصالح. وهذا ما يشير إليه حديث قدسي مروي عن النبي(ص) وهو أن الله يقول أن “كل أعمال له إلاّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الامين: فتاوى حسن الترابي للتجديد وتجاوز السائد‏

وعن الضجة التي تثار كل عام في بداية شهر الصوم ونهايته حول ولادة الهلال وهو ما يقسم المسلمين، يجيب السيد الامين: “يؤسفني أن أواجه في كل عام يبدأ فيه شهر رمضان أن تثار هذه الضجّة حول موضوع بداية الشهر المرتبطة فلكياً بولادة الهلال، وتستدرجني هذه الظاهرة للقول ان تضخيمها على نحو يثير الأسف أن تكون ظاهرة ولادة الهلال عند المسلمين تكاد تمتلك موقع الأولوية تجاه قضاياهم. وقبل أن أفنّد هذه المسألة، لا أتحرّج من القول أن فقر الهموم الحقيقية عند المسلمين يجعلهم يتمسكون بهذا الهم الهامشي والاستثنائي حتى لا يبدو أحياناً أن مهمة أصحاب القرار الديني سواء كانوا في مواقع الإفتاء الرسمي أو في مواقع المرجعية، هي محصورة في إثبات الهلال سواء في أول شهر رمضان أو في آخر، وأن الجدل السنوي المملّ حول إثبات بداية الشهر هل هي محصورة في الرؤية البصرية للهلال أم يمكن لإثبات الهلال بواسطة توليده الفلكي العلمي”!؟

شهر رمضان

ويتابع السيد الأمين “كم من السنين التي مضت والمسلمون يتصارعون حول هذه المسألة، ومن وجهة نظري أن المسألة أبسط بكثير مما يحيط بها من ضجة واختلاف، واتضحت وجهة نظري بأن الله تعالى فرض صيام شهر رمضان بأي وسيلة يقينية تثبت فيها ولادة الشهر، ومن الطبيعي أن تكون الرؤية البصرية هي الوسيلة الممكنة والوحيدة لولادة الشهر القمري قديما، فماذا يضر الشريعة الإسلامية إذا أمكن الله عباده بواسطة العلم اليقيني والمعرفة أن يتبنوا هذه الولادة وأن يكون هذا الإثبات حجة على الجميع وهذا امر ممكن، ولا يمكن التقليل من شأنه، إن نسبة الخطأ العلمي الفلكي ربما تكون موجودة ولكن نسبة واحد على الألف فقط.

لذلك وباختصار فإنه لا بد من اعتماد التوليد الفلكي ولا مانع أن يكون هذا التوليد مستندا إلى لجنة خاصة من فقهاء المسلمين مستعينين بالعلماء الاختصاصيين في مجال علم الفلك”.

وبالنسبة للمسلمين الذين يعملون كعمال بناء أو سائقي أجرة في الأيام الحارة من شهر الصوم فماذا يفعلون وهم بحاجة للسوائل دائما، يجيب السيد الأمين:” لقد لحظت الشريعة الإسلامية أسباباً عديدة لسقوط عبادة الصوم عن المكلف المسلم، ومن هذه الأسباب التي يتفق عليها الفقهاء، أن عمال الأشغال الشاقة والذين يتوقف معاشهم على ممارستها ولا مجال لهم لفرصة من الراحة تمكنهم من الصوم، أن هؤلاء يسقط عنهم واجب الصوم وتجب عليهم إعادته إذا وجد في بقية العام من الراحة تمكنهم من إعادة الأيام التي فاتتهم، وإلا فإن الصوم يسقط عنهم، وبعض الفقهاء يفضل احتياطاً أن يقوموا بدفع فدية رمزية عن كل يوم، إذا استطاعوا، وإلا فليس عليهم شيئاً أبداً. “فلا يكلّف الله نفساً إلا وسعها”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: ظاهرة التطرّف تواجه بـ«الإصلاح الديني»

وينهي السيد الأمين: “في الملخص أعود إلى المبدأ الذي ابتدأت به هذه المداخلة، وهي أن الصوم وسواه من العبادات البدنية والروحية غايتها أنها الضمانة الأكثر فعالية لإصلاح الناس من القوانين العادلة، وإن كانت هذه القوانين ضرورة حتمية لا مفرّ منها في قيادة الاجتماعي البشري”.

 

السابق
مستشار الرئيس سلام لـ«جنوبية»: لا مادة تلزم بقبول إستقالة وزيري الكتائب
التالي
عكاظ: انفجار فردان يؤسس لتطورات امنية