لماذا فجر حزب الله المصرف؟

“حزب الله آثر أن يلتحف الصمت في الفترة الماضية، متحاشياً الصدام، إلا حين يداهمه خطر التأثير على “أشرف الناس” أو القضايا المحرّمة كـ”شبكة الإتصالات السلكية” في السابع من أيار 2008، فكيف الحال إذا كان الأمر يختص بالإثنين معاً، كما في قضيّة الحرب المالية”.

هكذا يرد في موقع “الوقت” الايراني، في مقالة مغفلة من التوقيع بعنوان “العدوان المالي على حزب الله: جيش لحد المصرفي”، نشرها الموقع يوم السبت في ١١ حزيران الحالي، واعادت نشرها وكالة “فارس” الايرانية في اليوم التالي، وهو يوم تفجير مقر بنك لبنان والمهجر في بيروت.

اذا يعتبر الموقع الايراني ان المشهد يشبه ما جرى في العام ٢٠٠٨، من تعرض لشبكة اتصالات حزب الله، لا بل يزيد “إن المشهد الحالي يعيد إلى الأذهان القرار الأمريكي 1559 الذي إعتمد الحزب في مواجهته الأسلوب الناعم. البعض يعود مع المشهد الحالي إلى الحقبة السابقة عندما كان “جيش لحد” يشاطر الإسرائيليين على أبناء الوطن ويرى فيما يحصل اليوم “جيش لحد” مصرفي”.

يكفي ما يرد ليعيد الى الاذهان ما جرى في المراحل المذكورة، وكيف تعامل حزب الله في تلك المراحل، سرا وعلانية، مع ما واجهه من مخاطر وتحديات سياسية.

لغة العبوات الناسفة والتفجيرات والاغتيال السياسي هي ما ساد في تلك المراحل، ومن المستحيل ان يعترف حزب سياسي بقيامه بالاغتيال السياسي، او بوضع العبوات الناسفة في اماكن مأهولة، او تفجير سيارات ومواكب مسؤولين سياسيين مناوئين، ولكن هذا ما حصل في كل الفترات المذكورة والمشار اليها في مادة “الوقت” الايرانية، اضافة الى ان السابع من ايار كان حربا اهلية مصغرة حسمت امكانية اي طرف لبنان اللجوء الى العنف في مواجهة حزب الله وماكينته العسكرية القتالية في لبنان.

لا شك ان مقالة “الوقت” هي الاكثر تعبيرا بين عشرات التدبيجات والمقالات والمساهمات الاكثر تواضعا على صفحات المواقع المحلية في لبنان، او حتى في التحريض وتسمية المصرف “لبنان والمهجر” بصفته الهدف الاول للحزب وجمهوره الممتعض من العقوبات الاميركية، وكل هذه المقالات والمساهمات التعبوية اتت خلال ايام قليلة قبل التفجير، وتحديدا بدأت في التواتر بكثافة يوم العاشر من شهر حزيران حتى لحظة وقوع الانفجار، وان كان الكتبة يدعون جهارا او همسا الى استخدام القوة والعنف تجاه المصرف المصرف المذكور، احتجاجا على التزامه “اكثر مما يجب” بحسب بعض الكتبة، بالعقوبات المقرة من قبل المصرف المركزي اللبناني، الا ان هؤلاء انفسهم يجدون عسرا في قبول اتهام حزب الله بالتفجير.

الا ان بعدا اخر لا بد من ان يشار اليه، الا وهو ان كل الاحداث المذكورة لها مساحة اقليمية اهم من مساحتها المحلية.

فالقرار ١٥٥٩ كان لاخراج سوريا من لبنان ولحصار سوريا وفرض المزيد من الضغوط على ايران، وهو نجح يومها ولو كلف بعض عشرات من التفجيرات والقتلى والجرحى، وكان في مقابله اطراف اقليمية تصارع لمنع مفاعيله، اهمها ولا شك سوريا وايران، وكذلك السابع من ايار، كان يحمل بعدا عراقيا اكبر من البعد المحلي عقب نزاع ايران مع السعودية والولايات المتحدة في العراق، واتت عمليات السابع من ايار في لبنان كرد فعل ومحاولة جدية لنزع الورقة اللبنانية من الايدي السعودية، وهو ما تم عمليا بخطوات بطيئة متباعدة ولكن واضحة ومستدامة.

ولكن للمصارف حكاية اكثر تعقيدا.

انتهت مرحلة العقوبات الغربية الدولية المفروضة على ايران، وبات بامكان طهران ان تحاول جذب المستثمرين، طار العشرات من موظفي النظام واصحاب رؤوس الاموال الايرانيين الى الدول الغربية، بدأت مفاوضات جدية لشراء مئات الطائرات المدنية لاعادة تكوين اسطول جوي استهلك، وكذلك مفاوضات محاذية للقطاعات الاكبر في البلد، كالنفط والصناعة، ولكن، ومع ان الرئيس حسن روحاني ابرم صفقة لشراء ١١٨ طائرة ايرباص في باريس في نهاية شهر كانون الثاني الماضي مقابل ٢٥ مليار دولار، الا ان هذه الصفقات كلها واجهت عقبة جدية، عبر عنها وزير الخارجية الاميركي الذي قال ان النظام المصرفي الاميركي لا يزال لا يسمح بانتقال الاموال الايرانية، وان كان “ليس لدى الولايات المتحدة اية مشكلة بان تتعامل مصارف اجنبية مع ايران”. علما ان الولايات المتحدة لا تزال تعتمد العقوبات على ايران وتمنع مصارفها من التعامل المباشر وغير المباشر مع طهران.

والنظام المصرفي كما هو معروف لا يمكن ان يتم انتقال الاموال فيه بهذه البساطة، فالشبكة المعقدة للنقد لا بد ان تمر في نيويورك وشبكاتها المالية والتجارية، وبالتالي فان عقد الصفقات شيء، ووصول الاموال الى اصحابها شيء اخر تماما.

شركة بوينغ الاميركية التي تلقت طللبا ايرانيا بتصنيع مئة طائرة ايضا ستعاني الامر نفسه الذي تعانيه شركة ايرباص الاوروبية.

إقرأ أيضاً: تهديد ايراني لمصارف لبنان يستبق تفجير لبنان والمهجر

ومن شهر شباط وحتى حزيران دارت المفاوضات المصرفية في اروقة الفنادق الفاخرة، وفي اروقة العائلات المالية العريقة، وفي اكثر من دولة غربية، وكان الضغط العربي في المقابل يطالب بتشديد العقوبات وتعسير التعاملات التجارية، ان لم يكن على ايران فعلى الاقل على حلفائها، وهو ما لقي اذانا صاغية في واشنطن وفي اكثر من عاصمة غربية.

في الثالث من حزيران وفي ذكرى وفاة الامام الخميني القى مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي كلمة، ركز فيها على العقوبات والعداء للغرب، ومما قاله ان “طهران لا تعتزم التعاون في القضايا الإقليمية مع عدوتيها اللدودتين الولايات المتحدة وبريطانيا “الخبيثة”.متهما واشنطن بعدم الالتزام بالاتفاق النووي وخاصة لناحية العقوبات الاقتصادية، وقال خامنئي “يستخدمون حقوق الإنسان والإرهاب كذريعة لعدم الوفاء بالتزاماتهم.” وهما التهمتان التي تمدد بموجبهما الولايات المتحدة حظر التعاملات المصرفية مع ايران.

إقرأ أيضاً: بعد تفجير فردان: هل تخضع المصارف للتهديدات ام للعقوبات؟!

وقال خامنئي إنه ينبغي على إيران أن “تلزم الحذر في تعاملاتها الاقتصادية مع الغرب.”

اضف الى ما سبق ان حربا حقيقة تخاض ضد حزب الله في القطاعات المصرفية الدولية على خلفية اتهامه بتبييض اموال المخدرات وتجارة السلاح غير المشروعة.

يوم الاحد في الثاني عشر من شهر حزيران الساعة الثامنة بتوقيت بيروت تنفجر اولى العبوات امام مصرف لبناني. لن تمانع طهران وحرسها الثوري الملحق مباشرة من خارج الدولة بقائد الثورة، من توجيه رسالة الى احد انشط القطاعات المصرفية في المنطقة، ومن هذا القطاع رفع الصوت عاليا امام العقوبات الاميركية التي لا تزال تهدد كل التعاملات الايرانية المالية والتجارية مع الخارج وتعيقها.

لن تمانع طهران حتما، لا بل تشجع حرسها الثوري واذرعه العاملة على افهام الولايات المتحدة، بان بقاء العقوبات المصرفية على عاصمة اقليمية كعاصمة الخامنئي يمكنه ان يحيل معه عواصم اخرى الى خراب، يتحدث علي خامنئي في ذكرى الخميني عن افتراق ١٨٠ درجة بين مصالح طهران ومصالح الغرب، ويتحدث عن عدم الموافقة على تسوية الاوضاع في سوريا ما لم تتوقف اشكال العقوبات المالية، وتأتي عبوة بيروت امام مصرف لبناني لتقول ان هذا نموذج لما يمكن ان يكون، العبوة هي الاولى ولن تكون الاخيرة.

(godottoldus)

السابق
حقيقة وفاة الفنانة نانسي عجرم في حادث سير
التالي
دورية من حزب الله تحاول خطف مواطن من الضنية أمام السفارة الكويتية