المشهد السني – الشيعي

هاني فحص

سوف أستمر في هذا الكلام على المشهد السنّي – الشيعي، لأنه هو المشهد المستأثر، وهو الذي يشغل بال العالم. فكأننا، بهذه الفتنة بيننا، نقسِّم العالم كلّه إلى سنّي وشيعي، وهذه كارثة عظمى. كأننا مرة أخرى أمام دول المحور ودول الحلفاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اقرأ أيضاً: الشيعة يتماسكون سلباً

ولن يستقيم أمر السنّة مرجعياً، ونحن في حاجة إلى هذه الاستقامة، وهم مختلفون فيها على تفاصيل التفاصيل. فما بين مذاهبهم من خلاف أو اختلاف، حتى داخل المذهب الواحد، ليس أقل بكثير مما بين كل واحد من هذه المذاهب. وبين الشيعة، أو بين كل مذهب وآخر من مذاهب الشيعة المختلفة كثيراً وعميقاً أيضاً في الأصول والفروع، في أصول الفقه والفقه، في المنظومة العقدية والكلامية وفي قراءة التاريخ والقرآن والسنّة.
إذاً، لا داعي لأن يترسمل أحد في إمكانية التطابق أو منع التعدُّد داخل المذهب الواحد أو الطائفة الواحدة. وإنما يستقيم أمر الجميع في اتفاق الجميع على الشراكة، في إعادة إنتاج المعرفة بالإسم والعالم، في هذه الفترة الحرجة. وعلى الشراكة في الدعوة إلى السلام وصناعة السلام معاً، وإلى جانب شركائنا في الإيمان الكبير، والتوحيد الإبراهيمي الذين يحتاجون إلى استقرارنا وتفاهمنا. كما حال المسيحيين تماماً في لبنان وفي البلاد العربية، من أجل أن يطمئنّوا إلى سلامتهم وحضورهم فينا وحضرونا فيهم.
وتقديري أن الأزهر الشريف، كان كما هو، في تاريخه الجامع قبل أن يكفع إلى طريق التقابل الحاد والانغلاق مع التشيّع بناء على وقائع نعرفها، ولا نبالغ فيها أو نعوّل منها.

السنة الشيعة
هناك أسرار لهذا الأمر. وكان الأزهر قابلاً، وما زال ولا زال، لأن يشكِّل مرجعية عامة، لم يحدث أن الشيعة لم يقبلوا بها ولا مرة، بل عبّروا عن قبولهم بها من دون عودة إلى مرجعياتهم التي أمنت على سلوكهم، على أساس اقتناعهم وضروراتهم، وعلى أساس أن موضوع العلاقة يدخل في إطار الحقوق ودائرة المباح الشرعي، لا التكليف الفرعي، ما يجعله شأن المقلِّد لا المقلَّد. وهذه المرجعية الأزهرية العامة، تنتمي كثيراً إلى الشراكة مع المرجعية النجفية المعتدلة، باتفاق ودائماً، ومع المرجعيات المعتدلة في قُم. وهي ليست استثناء، خصوصاً أن هناك رئيساً شيخاً معتدلاً حديثاً، قد انتُخب على أساس تحويل الاعتدال إلى مشروع للخروج من الأزمة في إيران وخارجها.
فمرجعية الأزهر، تكتسب الشراكة بالوصال لا بالفصال، ولي شرطها التغاضي عن الأخطاء بل معالجتها أينما ظهرت. هذه المرجعية تمنح الأزهر والشركاء من دون مِنَّة لأحد عليهم، أهلية الجمع وتلافي الفتنة، خصوصاً أن فكر الإمام الأكبر وفقهه وثقافته وصوفيته، ما زالت تشكِّل ضمانة محتملة بقوة، مع وجود علماء أزهريين نعرفهم بأسمائهم، ومصريين عموماً، نعرف بالتجربة والقراءة، مدى حرصهم على الحوار والتقريب والعافية بمعالجة الفتنة والوقاية منها، ونعرف كما هم يعانون من اندفاعات المدخولين المهووسين بالخلاف أكثر من الاتفاق، وبالشقاق أكثر من الوفاق.
لن أتنصّل من اختياري للربيع العربي طريقاً متعرجاً ومليئاً بالمطبّات، والمهاوي السحيقة والطويلة جدّاً إلى الحرية والنهضة والمعاصرة والدولة. لكني لا أتوقع ممن تربّى على السلوك الاستبدادي، في حزبه الديني أو العلماني، أن يكون حامياً للديمقراطية والتعددية! أو إنّ من لا يؤمن إلا بالسلطة الاختزالية المتغلّبة، يمكن أن يقيم دولة جامعة تقوم على التداول.

اقرأ أيضاً: الفارق بين الاستقطاب الشيعي والسنّي

ومن هنا أدعو القوى المدنية المشتّتة فيا لعالم العربي، وفي سوريا خصوصاً، إلى الاجتماع في فضاء رحب واحد، يتيح الاختلاف ويغري الاتفاق، ويمنع الصراع ويحمي من الاتباع. ويتيح تفاهم الجميع على دولة مدنية جامعة، على أساس المواطَنة مع ما يقتضي تحقيقها من صبر وحكمة وتضحية، باعتبارها الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الدين كضرورة. ما يرقى بها أي الدولة إلى مستوى الغاية قانوناً وشرعاً.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
اشكالية «التطبيع» و«المقاومة» و«الخيانة»
التالي
تضاعف أعداد الضحايا من الأطفال والنساء في سوريا