كلمة الرئيس الحريري في إفطار البيال…

رفيقاتي ورفاقي، إخوتي وأخواتي،

أيها الأحبة والأصدقاء،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

رمضان مبارك بكم وبكل الناس الطيبين وبهذه النخبة من أهل الخير والوفاء التي حملت رايات تيار المستقبل في أصعب الظروف، ولن تتخلى عنها مهما بلغت التحديات، ولن تسلّـم مسيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري لبعض الأوهام الصغيرة والمزايدات التي لا طائل منها.

كل رمضان وأنتم جميعا بخير وكل رمضان وتيار المستقبل بإذن الله بألف خير، وسيبقى هذا الشهر المبارك مناسبة تجمعنا على التعاون والوحدة وحماية السلام الوطني.

معكم سأبقى مرفوع الرأس بإذن الله ولن أنحني أمام أي عاصفة مهما اشتدّت، ومعكم أشعر أنّ ما من شيء في هذا العالم يمكن أن يستقوي على تيار المستقبل.

من البداية أقول: هناك أزمة عصفت في تيار المستقبل تستدعي صراحة في المواجهة وأمانة في التقييم وجرأة في المحاسبة. هذه حقيقة، يجب أن نعترف بها فلا نخفيها وراء جميل الكلام أو أي عمليات كذب على الذات.

وأمامكم أعلن: أنا، سعد رفيق الحريري، رئيس تيار المستقبل مسؤول مسؤولية كاملة عن المسار السياسي للتيار وللحريرية الوطنية، منذ تسلّمي زمام القيادة بعد اغتيال الرئيس الشهيد إلى الشوط الأخير من الانتخابات البلدية.

نعم، أنا المسؤول عن أنني مشيت في آفاق الدوحة بعد اجتياح بيروت بـ 7 أيار، لأن قراري كان وما يزال وسيبقى رفض اللجوء إلى السلاح في النزاعات الداخلية. ولا أرضى ولن أرضى لو مهما حصل، أن يصبح تيار المستقبل ميليشيا مسلّحة.

نعم، أنا المسؤول عن هذا الخيار، الذي أذكركم أنه أوصلنا إلى انتصار 14 آذار في انتخابات العام 2009 النيابية.

وصحيح، أنا المسؤول رغم هذا الانتصار عن تشكيل حكومة وحدة وطنية وعن القبول بالوزير الملك لنتجنّب تهديد تعطيل المؤسسات الدستورية وجر البلاد إلى دوامة الانقسام على صورة ما يحصل هذه الأيام.

وأنا المسؤول في ذاك الوقت أنّي مشيت بإرادتي وعقلي وقناعتي بالمبادرة السعودية للمصالحة العربية الشاملة، على أساس أن يكون لبنان أول مستفيد من هذه المصالحة، لأن السعودية لم ترد ولا تريد للبنان إلا الخير والاستقرار، وقد قامت بالمستحيل لحماية بلدنا من الفتنة.

أنا من شربت كأس السّم! أنا من ذهبت إلى سوريا لأفتدي بكرامتي الشخصية هذا الهدف العربي النبيل! السعودية كانت تريد أن تنهي النزاعات بين أطراف البيت العربي بدءا من لبنان، وبشار الأسد كان يريد أن يغدر بالسعودية وبمبادرتها وبدورها، ويقضي على الحريرية الوطنية في لبنان!

وأنا المسؤول عن تداعيات السين سين على 14 آذار، واهتزاز الثقة بين الحلفاء، لأنني قبلت أن أسير في هذا المسار حتى النهاية. تعلمون لماذا؟ لأكشف في النهاية لكل الأشقاء والأصدقاء أن بشار الأسد دكتور في تقديم الوعود الكاذبة ويريد هو وحلفاؤه أن يغتالونني سياسيا، إن لم يتمكنوا من أن يفعلوا معي ما فعلوه مع رفيق الحريري جسديا!

تذكّروا يومها، ليست فقط السعودية، بل أوباما وساركوزي وحسني مبارك وأمير قطر وإردوغان، جميعهم قالوا قولا واحدا، كانوا يقولون لي: “يا سعد، ولو، بتخلّي كبرياءك وكرامتك ومشاعرك الشخصية توقف بوجّ وعود بشار الأسد لإلنا إنّو ينفصل عن إيران ويرجع للحضن العربي؟”.

يومها، والحمد لله أن معظمهم ما زال شاهدا، قلت لهم: أنا سأذهب إلى سوريا، عند بشار فقط لكي تروا أن هذا المجرم أكبر كاذب! وتعرفون ماذا؟ تقريبا كلّهم، وهناك من هم جالسون معنا اليوم، كانوا شهودا، وعادوا وقالوا لي: “والله كان الحق معك ويا ليتنا سمعنا منك!”.

على كل حال، من يقتل نصف مليون ويهجّـر 5 ملايين من شعبه، نعم: يكذب على الملك عبد الله ورؤساء أميركا وفرنسا ومصر وتركيا وأمير قطر … دون أن يرف له جفن! هل الأمر صعب؟

وأنا المسؤول عن كشف مناورات حزب الله مع المبادرة القطرية التركية والورقة التي كتبها في بيروت وزير خارجية قطر ووزير خارجية تركيا والأمين العام للجامعة العربية، عندما رفضنا شروط حزب الله وحلفائه وغادر الوفد الثلاثي بيروت متأكدا أن التعليمة الإيرانية السورية وصلت للحزب بنسف المبادرة بعد الانقلاب على حكومتي أثناء وجودي في واشنطن بطريقة غير مسبوقة في تاريخ لبنان.

هل تذكرون كل ذلك؟ هل تذكرون أنني مسؤول عن معالجة الجرح تلو الجرح؟ والانقسام تلو الانقسام؟ والتهديد تلو التهديد؟ وإصراري في كل المراحل بالعض على الجرح وكتم الألم في الصّدر واعتماد سياسة تدوير الزوايا وفتح النوافذ في الجدران المسدودة حتى لا يسقط لبنان في المجهول ولا نقع جميعا في بحر الفتنة الذي تتلاطم فيه أمواج الغرائز من مختلف الأقطار الإسلامية؟

أنا مسؤول، بل أنا مذنب، إذا شاء البعض أن يعتبر ذلك ذنبا، في أنني سعيت وما زلت وسأبقى أسعى لحماية لبنان من الجنون الذي يشارك فيه الآخرون.

أنا مسؤول عن قرار الغياب لمدة 4 سنوات لأسباب ليست خافية على أحد وعن نتائج إدارة الشأن السياسي بالواسطة والمراسلة.

وأنا هنا لأقول: ثمن الغياب عن بيروت كان باهظا جدا، ولكن على القاصي والداني أن يتأكّد أنّ وجودي معكم في بيروت لن ينكسر بعد اليوم، وأنّ الخطر الذي يسعى نحوي منذ سنوات سأسعى إليه ولن أخشاه، مهما تعدّدت وجوه الشر والجريمة، متوكلا على الله سبحانه وتعالى وعلى حمى التيار الذي له في قائمة شهداء 14 آذار، لائحة شرف محفورة في وجدان كل منّا. لائحة يتقدمها حبيب بيروت وكل لبنان رفيق الحريري ومعه باسل فليحان ويحيى العرب وطلال ناصر، ومازن الذهبي وزياد طرّاف وعمر المصري ومحمد درويش ومحمد غلاييني ووليد عيدو وخالد عيدو، ووسام الحسن ووسام عيد ومحمد شطح وشهداء اليوم المشؤوم 7 أيار.

الدماء التي سالت هي دماؤنا. نحن أمناء عليها وعلى تضحيات كل شهداء 14 آذار إلى يوم القيامة، ومن غير المسموح لأي كان أن يضع دماء هذه النّخبة من شهداء لبنان في سجل النسيان، أو تسطير بيانات براءة للقتلة المجرمين، كما أنه من غير المقبول استخدام الشهداء في المزايدات الرخيصة وشعارات الابتزاز السياسي.

أنا المسؤول عن قرار أن لا مساومة، لا في المواقف السياسية ولا في الحوارات الداخلية على الثوابت التالية: حماية لبنان، حماية الشرعية في لبنان، حماية العيش المشترك والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين، حماية الاعتدال الإسلامي في مواجهة الإرهاب والتطرّف، حماية عروبة لبنان وعلاقاته مع أشقائه، حماية الساحة الإسلامية من الفتنة ودعوات التحريض والتعصّب، حماية ثوابت انتفاضة الاستقلال وقيم العبور إلى الدولة، رفض الخضوع لهيمنة السلاح غير الشرعي والتمسّك بحصرية السلاح والسلطة في يد الدولة ومؤسساتها.

أنا المسؤول، من وحي هذه الثوابت، أنني دعوت من أمام المحكمة الدولية في لاهاي إلى فتح ثغرة في الجدار الحكومي وبادرت إلى الحوار مع العماد ميشال عون متجاوزا

الإساءات والحملات والاتهامات ولغاية واحدة، نقرؤها دائما في كتاب رفيق الحريري: إيجاد مخرج لمأزق المؤسسات الدستورية والشرعية.

أنا المسؤول إنني أردت للحوار مع حزب الله أن يشكل مفتاحا للأبواب الموصدة في وجه رئاسة الجمهورية، وتجاوبت مع دعوات صادقة في هذا المجال صدرت عن الرئيس نبيه بري والأخ وليد جنبلاط، للتعاون على ضبط الإحتقان المذهبي المتصاعد، ووقف مسلسل النزاعات المسلّحة في طرابلس وقطع الطريق على مخطط النظام السوري في تفريخ خطوط التّماس العسكرية من باب التبانة وجبل محسن إلى الطريق الجديدة والضاحية.

أخلاقنا، مدرستنا، مسؤولياتنا الوطنية، خوفنا على البلد وأهلنا، فرضت علينا كل هذه الأمور.

أنا المسؤول عن كل شيء قمنا به لملء الفراغ من أول لحظة: سرنا بالمرشحين الحلفاء حتى النهاية، نحن أول من رشّح الدكتور سمير جعجع، تذكرون وقتها على تويتر، وقامت القيامة! ونحن أول من حاول أن يسمّي الرئيس أمين الجميل عندما تأكّد الدكتور جعجع أن وصوله مستحيل.

كتلة المستقبل قامت بواجبها الدستوري وحضرت كل جلسة، وبقينا ندور في الفراغ، أسبوعا بعد أسبوع، وشهرا بعد شهر، وبتنا نقول الآن: سنة بعد سنة!

وعندما أقفلت الأبواب في وجه كل الحلفاء وفي وجه كل اسم توافقي، وأقفلت في وجه كل شيء إلا الفراغ، نعم، أنا المسؤول… أنا المسؤول عن فتح باب جديد: أيّدنا ترشيح الوزير سليمان فرنجية، من ضمن لائحة بكركي، وصحيح، بعكس المزاج الشعبي لتيار المستقبل! فقط لكي نكسر الحلقة المفرغة، وصحيح، من دون نتيجة حتى الآن.

اصطدمنا بردات فعل أصدقاء، وحلفاء وخصوم وبقي الفراغ وبقيت المخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية تتراكم أمام كل اللبنانيين، دون أن يقدم أحد من الأحزاب والقيادات مفتاح الحل!

هل وصلنا إلى الطريق المسدود؟ قد يبدو ذلك للكثيرين، لكنني لا أعترف بوجود طرق مسدودة إذا كان الأمر يتعلّق بمصلحة لبنان، وبقضية الدفاع عن المؤسسات الشرعية.

لقد اخترت وآمنت بهذا المسار، مسار سياسي ووطني، له ما له وعليه ما عليه.

رفيقاتي ورفاقي في تيار المستقبل،

إخوتي، أحبائي، وأصدقائي:

نصل إلى الانتخابات البلدية، وهنا بيت القصيد، وبيت المستقبل الذي أصابته شظايا النتائج ولم ينج من سيل الحملات والمقالات والتمنيات بكسر شوكة آل الحريري، ورهان الشامتين بتصدّع جدران البيت وانهياره على رؤوس أصحابه. لقاء اليوم، أول إشارة، لمن يريد أن يسمع ويرى ويكتب ويحلل أنّ بيت المستقبل ثابت الأركان والأساسات وأنّ تيار رفيق الحريري، يستحيل أن يسقط لا بالضربة القاضية ولا بالنقاط!!!.

نحن ثابتون في أرضنا، ثبات الإيمان بكم والثقة بوفاء شعبنا. ولن تثنينا عن مواصلة المسيرة أيّ تحديات. تيار المستقبل وُجد ليكون في مستوى أحلام رفيق الحريري، أمينا على هذه الأحلام ومدافعا عنها، ولن نعطي أيّا كان فرصة لتزوير مسيرة رفيق الحريري والتلاعب فيها.

لقد واجهنا عواصف سياسية عاتية ومحاولات اغتيال سياسي من الداخل والخارج وبقي تيار المستقبل الرقم الصعب في الحياة السياسية اللبنانية. ثقوا تماما أنّ هذا التيار، لن يتأثّر بعواصف الفناجين وسيبقى صامدا في وجه الريح يمسك قراره بيده، ولا يتأخّر عن حماية لبنان.

عشتم، وعاش لبنان.

السابق
جواد نصرالله خارج تويتر من جديد..
التالي
نهاية مرحلة