58 عاماً على إنشاء الضمان الاجتماعي..أمبراطورية خاوية

عن امبراطورية "الضمان الاجتماعي" نشرت مجلة "شؤون جنوبية" تحقيقًا شرح دور الضمان في مناعة صحة اللبنانيين؟! وما هي سياسة التوظيف فيه؟ وما هو المطلوب منه الآن؟

يروي أحد الأصدقاء أن الرئيس السابق فؤاد شهاب أشار إلى عدم السماح بالمس في ثلاثة مؤسسات هي: الجيش اللبناني الذي يرمز إلى وحدة البلاد، مصرف لبنان الذي يؤمن النقد الموحد لجميع اللبنانيين، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يمثل المساحة المشتركة لنحو 50% من اللبنانيين من خلال التقديمات الاجتماعية.

أولاً في ثمانينات القرن الماضي روّج الكثير من المفكرين الاقتصاديين لسياسة “الليبرالية الحديثة” التي تعتمد مبدأ “فلنجعل من السوق يحدد آليته”. واتخذت الحكومات المتعاقبة بعد الطائف عدداً من التدابير بهذا الاتجاه لتحرير الاقتصاد وانهاء دور الدولة عن طريق خصخصة القطاعات التي تملكها الدولة أو التي لها صفة المنفعة العامة.

وفي محاولة التخلص من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي جرت محاولات عدة منها. أولاً: القرار رقم 16 المسجل في محضر مجلس الوزراء بتاريخ 16/08/1997.

ثانياً: عندما تم طرح انشاء مناطق صناعية حرة “طُرح اعفاء المؤسسات الصناعية في المناطق الحرة من تسجيل عمالها في الضمان الاجتماعي” كما طُرح هذا الموضوع مجدداً في مشروع موازنة 2005 (ادخل تعديل على المادة 9 من قانون الضمان).

ثالثاً: “نشر في جريدة المستقبل العدد 576 تاريخ 8 آذار 2001 بعد خلوة بين الرئيسين بري والحريري ما يلي:

“جرى التوافق في خلوة فقرا في هذا المجال وما يشكل من أفكار للبحث في مجلس الوزراء أن التركيز المباشر سيكون على تقويم وضع شركة “الميدل إيست” من خلال اعفائها من الديون المترتبة عليها للضمان الاجتماعي”. وقد جاء أيضاً في العدد نفسه عن خلوة فقرا :”فقد أفادت معلومات متقاطعة أن البحث تناول وضع الضمان الاجتماعي وكان توافق على اعادة النظر بقانون الضمان بحيث يتم تأسيس ضمانين منفصلين: الضمان الاجتماعي والضمان الصحي”.

وقد أرفق بعد تلك الخلوة بفترة بتصريح من رئيس الحكومة آنذاك: “بأننا ندرس إمكانية اعفاء المؤسسات من الاشتراكات المتأخرة”. وقد جاء هذا التصريح بعد تخفيض الاشتراكات في فرعي المرض والأمومة والتعويضات العائلية من 30% إلى 15% وقد عارض هذا التصريح والموقف أي الاعفاء من الاشتراكات العمال واصحاب الأعمال إلا أن مفعوله أدى إلى تمنع أصحاب الأعمال عن دفع الاشتراكات بانتظار الاعفاء من الاشتراكات المتأخرة، مضافاً إليها عدم دفع الدولة لمستحقات الضمان من الاشتراكات عن عمالها ومساهمتها في الضمان الصحي والبالغة حوالي مليار دولار أميركي، مما ألحق أكبر الضرر بوضع الصندوق الذي يعاني حالياً من عجز كبير في فرعي المرض والأمومة والتعويضات العائلية.

رابعاً: نشرت جريدة المستقبل في عددها الصادر بتاريخ 17 آذار 2001 على أربع أعمدة الآتي: “المنتدى العربي للتأمين اختتم أعماله – والتوصيات لاحقاً”. وزارة الاقتصاد تخطط لتوسعة دور التأمين مقابل الحد من دور الضمان الاجتماعي” وإضافة أيضاً في العمود الأول “وأشار فليحان إلى أنه يؤيد توسيع دور شركات التأمين مقابل الحد من دور الضمان الاجتماعي”.

خامساً: عقد اجتماع في وزارة المالية في بداية سنة 2001 بدعوة من الدكتور غازي يوسف وحضره عدد من المستشارين بالاضافة إلى :أنطوان واكيم، رفيق سلامة وأديب بو حبيب وآخرون وقد تحدث وزير المالية آنذاك فؤاد السنيورة وقد جاء في كلمته ما يلي: “أصبح الضمان الاجتماعي حائلاً دون وجود فرص عمل ويشجع على ايجاد عمالة أجنبية – ضرورة حل مشكلة الاشتراكات القديمة والتسويات وترتيب الوضع المستقبلي بخصوص التسويات في نهاية الخدمة – الشيخوخة الاتجاه لايجاد نظام رسملة – التعويض العائلي ضرورة تخفيض الاشتراكات عن اصحاب العمل – ضرورة البحث في امكانية خصخصة الضمان الصحي”.

سادساً: نشرت جريدة المستقبل بتاريخ 29/06/2002 نص المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود وقد جاء فيه ما يلي :”دراسة امكانية خصخصة التقديمات وتحويل الضمان الاجتماعي إلى هيئة رقابة على مؤسسات القطاع الخاص المرخص لها بتقديم الخدمات التي تقدمها حالياً مؤسسة الضمان الاجتماعي إلى المضمون”.

 

 الضمان الاجتماعي

مجلس غير قانوني!!

مجلس الادارة الحالي انتهت ولايته منذ أكثر من عقد، ويومها أصدر وزير العمل آنذاك طراد حمادة قراراً بالتمديد له إلى حين تشكيل مجلس ادارة جديد، لكن اجتهاداً قانونياً تقدم به شكري صادر من هيئة الاستشارات يقول :”اذا انتهت ولاية مجلس الإدارة ولم يشكل بديلاً عنه، يستمر بعمله لعدم جواز فراغ المسؤولية، وعليه أن يقوم بتصريف الأعمال وأن لا يأخذ قرارات أساسية مهمة”.

وهذا يعني أن كل قرارات مجلس الادارة المتعلقة بالموزانة السنوية وقرارات أساسية بتعديل جوانب من التقديمات غير قانونية.

واذا كان هناك من يصف معظم أعضاء مجلس الادارة بصفة معقبي معاملات، فإن قضايا أكثر خطورة يمررها هذا المجلس ليكرسها مستقبلاً على الرغم من عدم قانونيته ومنها افراغ بعض تقديمات الصندوق من مضمونها العملي، فقد اتخذ مجلس الادارة قراراً بعد احتساب الاشتراكات على الاجازة السنوية اذا أخذت نقداً وبالتالي لا يستطيع المستخدم الاستفادة منها عند حساب تعويض نهاية الخدمة.

كما اتخذ قراراً بأن الأعمال الاضافية لا تدخل بصلب الراتب، وبالتالي يستفيد المستخدم منها عند احتساب تعويض نهاية الخدمة إلا بشرط ديمومتها وانتظامها لمدة 3 سنوات على الأقل. كما أن شروط تشكيل مجلس الإدارة وخصوصاً ممثلي الدولة يفتح المجال لأن يكون في أحد المرات رئيس تجمع الصناعيين ممثلاً للدولة في ادارة الضمان.

 

تجاوزات

كما أنه عند اعتراض أحد الأعضاء على ممارسة ما للمدير العام يجري اسكاته عبر خدمة تقدم للعضو المذكور.

ويأخذ مجلس الادارة قرارات تتعارض مع أنظمة الصندوق فالمادة 13 من التعويضات العائلية تنص على الدفع المباشر للمستخدمين، فقد سمح مجلس الادارة بأن يتم الدفع من قبل رب العمل، على أن يتدخل الصندوق عند أية شكوى، وهل يجرؤ عامل أو مستخدم أن يتقدم بشكوى في ظل غياب أية حماية قانونية لديمومة العمل؟

ومن الممارسات التي يلجأ إليها مجلس الادارة هي عقد جلسات متتالية من دون انتاجية وذلك للاستفادة من بدلات الحضور التي تدفع للأعضاء.    

 

“أمبراطور” الضمان

يمكن وصف المدير العام في الصندوق بالامبراطور لسلطته المطلقة على أعمال الصندوق، يعاونه بذلك مدراء عينوا بتكليف منه، وهو يعيَّن بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العمل وإعلام مجلس الادارة. (كما ينص القانون). لكن مجلس الوزراء تجاوز القانون مثلاً عندما عين خليل ماجد مديراً عاماً للضمان ولم يكن مجلس الادارة على علم بذلك. فالمؤسسة التي يتحول أعضاء مجلس الادارة فيها إلى معقبي معاملات ومدراؤها إلى موظفين بالتكليف يصح عندما وصف من يعين مديراً عاماً وفق محاصصة سياسية ليكون امبراطوراً والجميع في خدمته، وخصوصاً أنه من المحظيين لدى جهة سياسية محددة.

 

إقرأ أيضًا: الدواء سِلعَة للنهب الحلال.. والشركات تعترف «نتلاعب بالأسعار»

مكاتب الضمان في المناطق

يضم مركز عاليه مثلاً طابقين، لكن الحاجة لا تزيد عن طابق واحد، وخصوصاً أنه لا يوجد موظفين يكملون الجهاز المطلوب.

وفي حمانا جرى استئجار أحد المراكز، إفادة لشقيق رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، لكن ادارة الضمان لم تجد أحداً قادراً على العمل هناك بالاضافة إلى ندرة المعاملات للمضمونين.

ولا تتجاوز قدرة مركز حاصبيا انجاز معاملة واحدة يومياً، كذلك مركز جزين، وكان يمكن أن يعين في المنطقتين مراسلين لاستلام وتسليم المعاملات، بدلاً من الهدر على مصاريف المراكز المذكورة أعلاه.

ولا يمكن نسيان حادثة شراء مركز للضمان الاجتماعي في زحلة، اعترض بعض أعضاء مجلس الادارة على عملية الشراء وطالب بتكليف خبراء لمعرفة القيمة الحقيقية وخصوصاً أنه راجت أخبار عن علاقة المبنى بأحد المسؤولين الاساسيين في الدولة. سجل المعترضون اعتراضهم، أحد أعضاء اللجنة الفنية رأى في عملية الشراء مخالفة قانونية حوّلها إلى ديوان المحاسبة الذي اتخذ قراراً بتغريم أعضاء مجلس الادارة بأجمعهم. راجع المعترضون على القرار، وخصوصاً أن محاضر الجلسات تثبت أن احدهم اعترض وثانيهم كان في المستشفى وثالثهم كان في أميركا. وقد  جرت لفلفة الموضوع وبُرئ مجلس الادارة وتمت عملية الشراء.

وفي منطقة الجديدة كان للضمان عقاراً يطل مباشرة على الأوتوستراد، أُبدل بعقار بعيد عن الأوتوستراد بموجب صفقة سياسية، كما اشترى الضمان بناء يملكه نجل أحد السياسيين في مدة قياسية لم تتجاوز الثلاثة أيام.

وفي تسعينات القرن الماضي اشترى الصندوق مركز الباشورة كبناء، لكنه لم يرمم حتى الآن، وعندما عين بطرس حرب وزيراً للعمل دعا إلى شراء مراكز قريبة من البناء المذكور، فاتصل به أحدهم يذكره بوجود البناء وضرورة ترميمه إلا أن شيئاً لم يحصل.

 

وفي المتن الشمالي

وفي احد المرات اقترح اقامة مركز للضمان في المتن الشمالي، ومن الطبيعي أن يكون المركز في بكفيا التي تشكل حلقة وصل بين قرى وبلدات القضاء، لكن المكتب أقيم في بتغرين (يومها كان رتيب صليبا مديراً عاماً لوزارة العمل). وأقيم مكتب بشري بالقرب من محطة بنزين حيث يعمل مدير المكتب.

ومن مظاهر الهدر التي يمكن رصدها، استئجار مولدات كهربائية للمراكز بدلاً من شرائها، ونعطي مثلاً :”في مركز بئر حسن يدفع الضمان مبلغ مليوني ل.ل. شهرياً بدل استئجار للمولد منذ عشرة سنوات، في حين أن مبلغ الاستئجار يتيح للضمان شراء المولدات بعد ثلاثة أعوام من استخدامها.

 

سياسة التوظيف

كان التوظيف في الصندوق يتم استناداً لدورات وامتحانات تجريها لجنة للتوظيف يعينها مجلس الادارة. لكن بسبب النزاعات السياسية أنيط هذا الدور بمجلس الخدمة المدنية. ففي مشروع موازنة 2004 (السنيورة) نص على خضوع توظيفات الصندوق لمجلس الخدمة المدنية، واذا كان مشروع الموازنة هو لعام واحد، وفي ذلك خرق لنظام الضمان الاجتماعي، فإن خضوع الامتحانات لمجلس الخدمة المدنية بات سائداً. لكن ذلك لا يغير من نتائج الامتحانات ومن تدخلات السياسيين.

 

“عين الضمان” الساهرة

جهاز التفتيش هو عين الضمان، من يأتي بالواردات ومن غير المسموح أن يعاني من نقص في عدده وقد جرت مباراة لاستكمال عدده، ألغيت المباراة لأن النتائج لم تأت بالمحاصصة كما يريدها السياسيون.

إقرأ أيضًا: سكرية يكشف التواطؤ والعبث في ملف الأدوية

وبدلاً من دعم وتقوية جهاز التفتيش، يجري تقوية التفتيش المعاكس الذي يحاول التقليل من مبالغ التكليف التي يقترحها المفتش الأول. وخير مثال ما حصل مع شركة MEA حيث خفض التفتيش المعاكس من المبالغ المطلوبة مليارات من الليرات اللبنانية. كما يقف التفتيش عاجزاً أمام حالات تظهر جلياً أمام المواطنين. أحد المقاهي المشهورة والتي يعمل فيها أكثر من 30 مستخدماً، صرحت عن أجير واحد، وتتداول الأخبار عن نحو 34 ألف منتسب إلى الضمان تقدمت بأسمائهم شركات وهمية، ولم يبادر التفتيش إلى التدقيق بأوضاع الشركات، ونوع عملها وأماكن وجودها، وتقول المصادر أنها تتبع لطرف سياسي بارز نسب جهازه ومناصريه إلى الضمان، يدفع عنهم الاشتراكات التي يخصمها من مبالغ التعويضات العائلية مما يؤمن له وفراً مالياً بالاضافة إلى تقديم الضمانات الصحية ولعائلية لهم وتشغيل مؤسساته الصحية.

البرمجة:

على الرغم من وجود مبرمجي حاسوب في ملاك الضمان الاجتماعي، فإن هؤلاء جرى تحويلهم إلى موظفين عاديين ووزعوا على المراكز، وتم التعاقد مع شركة برمجة محسوبة على طرف سياسي فاعل.

السابق
هاشم السلمان ضحية حزب الله الإيراني… والشهيد حيٌّ في قلوب الناشطين
التالي
مسلسل «مش أنا» …مش نحنا.. ومش لبناني كمان!!