الإعتراض الشيعي ما عاد رأياً.. بل صار رقماً

علي الأمين
الصوت الشيعي المعترض الذي لا يعترف به حزب الله لم يعد مجرد حالة بل أصبح معادلة راسخة أثبتت فعاليتها وحضورها في الانتخابات البلدية، حزب الله الذي لم يستوعب هذا الصوت ويعمل على تهميشه وشيطنته بنزعته الإلغائية إنّما يساهم أكثر في تحويل الـ"لا" الصادرة عنه لـ"لا" تغييرية.

في خطوة تهدف إلى امتصاص حالة الغضب التي أظهرتها  الإنتخابات البلدية في الجنوب والنبطية، تمنّى الرئيس نبيه بري على محافظي الجنوب والنبطية تأجيل خطوة انتخاب عدد من رؤساء المجالس البلدية ريثما تهدأ النفوس وبعدما أظهرت الوقائع خلافات حادّة داخل المجالس المنتخبة وبينها وبين المواطنين في عشرات البلدات.
ليس خافياً أنّ ما أظهرته نتائج الانتخابات البلدية من حالة اعتراضية على الثنائية الشيعية الحاكمة والمتحكمة في السياسة وفي البلديات، بات واقعاً موجوداً. واستطاعت الحالة الجديدة أن تعبر عن نفسها بقوة في العديد من البلديات.
الرئيس نبيه بري التقط، بحسّه السياسي والشعبي، الرسالة الشعبية ودعا إلى قراءتها، بينما السيد حسن نصرالله حمل دفتر البلديات وأحصى البلدات حيث فاز حزبه بالتحالف مع أمل، ثم قال: انتصرنا. لاسيّما أن نصر الله نجح في مدّ البلديات بمجموعة من الكفاءات العسكرية ومن الطاقات الأمنية المميزة، وهو إلى ذلك نجح في الإتيان بمحازبيه إلى كل ما طالته يداه وبندقية المقاومة من مناصب بلدية واختيارية.
الإعتراض الشعبي مرشّح لأن يكبر وسيكبر في الوسط الشيعي. فقد أصبح من الممكن الحديث عن حالة اعتراضية شيعية ضد الثنائية الشيعية تقارب 40 في المئة، كما أظهرت الانتخابات البلدية. وهذا لم يعد رأياً في المقالات ووسائل التواصل الاجتماعي، بل صار رقماً في صناديق الاقتراع، ورسالة موثقة في الوثائق الرسمية.
ويمكن الحديث من الآن وصاعداً عن رقم يرجح تعاظمه. ليس لأنّ الشيعة باتوا من مشجعي اسرائيل أو من محبي التكفيريين، كما يصف حزب الله كلّ من يخالفه الرأي داخل بيئته الشيعية. بل لأنّ الكثير من المواطنين لمسوا كيف أنّ شهية حزب الله ليست إلى الاستشهاد كما يقول، بل إلى السيطرة على كل موقع قرار أو مركز إداري أو اجتماعي، الناس لمسوا أنّ حزب الله يريد أن يسيطر على البلدية لا بسبب انجاز مشروع تنموي للبلدة أو لاصلاحها، بل لضمان سيطرة المحازبين وتحويل البلديات إلى غطاء مالي وتحويل صندوق البلدية إلى صندوق نفوذ حزبي. وبلدية الغبيري نموذج على هذا الصعيد إذ تحوّلت إلى صندوق تمويل لحزب الله أمنياً وخدماتياً.

الانتخابات البلدية
شهية الإلتهام والمصادرة لدى حزب الله ساهمت في بلورة حالة الاعتراض والتميّز في البيئة الشيعية وهي مرشّحة لأن تظهر بقوة وبشكل أكبر خلال المرحلة المقبلة، فرصيد المقاومة صرفه حزب الله خلال السنوات الاخيرة ولم توفر الحرب في سورية الحجج لحماية هذا الرصيد، قصارى ما سعى إليه حزب الله هو تغذية العصبية والمذهبية وحسّها لدى الطائفة الشيعية لتبرير قتاله دفاعاً عن نظام الأسد.

إقرأ أيضًا: بلديات الجنوب منذ 2004: أكبر سرقة للأرض تحت ظلال «المقاومة» والثنائية
يرى هؤلاء الناس أنّ الحرب السورية لن تنتهي قريباً وهي تستنزف لبنان سياسياً وبشرياً، ولن يكونوا بمنأى عن تداعياتها. فالشرخ الذي تحقق، بفضل المجاهدين والمقاومين، بين الشيعة والسنة في سورية، يشكّل الضربة الاستراتيجية الأهم للعلاقة اللبنانية السورية.
دلالات نتائج الإنتخابات البلدية في البيئة الشيعية عميقة وليست سطحية وهي أظهرت للمرة الأولى أزمة بين حزب الله ومن يفترض أنّهم جمهوره، وهذا من دون أن نشير إلى الوسائل التي استخدمها في هذه الإنتخابات. ببساطة كان يخوض الإنتخابات كسلطة تستخدم سطوة السلاح والمال العام، والتعبئة المذهبية وغير ذلك من وسائل الترهيب والترغيب. في مدينة بعلبك وحدها تمّ صرف مئات آلاف الدولارات ليشتري حزب الله الأصوات أو ليرهبها، وبشكل شبه علني. المشكلة اليوم مع جمهوره بالدرجة الأولى، والمشكلة الثانية تكمن في العلاقة مع حركة أمل التي شعرت كوادرها بأنّ حزب الله يستعجل ابتلاعها.

إقرأ أيضًا: من خلاصات الانتخابات البلدية: «لا» في وجه الأحزاب.. #كلّن
ربما من حسن حظ الساحات الأخرى، السنية والمسيحية والدرزية، وجود شفافية وعدم وجود سلطة إيديولوجية أمنية قادرة على إخفاء أصوات المعترضين عليها. ما جرى في بيروت وطرابلس يظهر أنّ المدينتين فيهما حيوية وقدرة على التغيير. أمّا في محافظتي البقاع والجنوب فظهر صوت شيعي محلي قال “لا” قوية. هذه “لا” يعمل حزب الله كل يوم على أن تكبر بسبب نزعته لإلغاء حتى مؤيديه، فكيف بخصومه؟
لكن في حين بارك السفير السعودي للوزير أشرف ريفي بفوز لائحته في طرابلس، وبارك الرىيس سعد الحريري لخصومه في بيروت، لم يبارك أحد للوائح المستقلة في الجنوب، ولا للخاسرين بنسب عالية جداً في البقاع والجنوب والضاحية.
ألا يستأهل أحد الاعتراف بهؤلاء؟ في الداخل والخارج، وهذا الصمت الصاخب… مريب.

السابق
الحريري: ما من شيء سيعكر العلاقة مع المملكة العربية السعودية
التالي
من يحاسب رامز جلال على التجريح الشخصي؟؟