شيعيات الغطاء الأسود أم شيعيات أميركا؟

مذكرات امرأة شيعية
كنت أبحث في المكتبة عن رواية اقرأها، فلفتت نظريّ هذه الرواية وعنوانها الجاذب "مذكرات امرأة شيعية" للدكتورة رجاء نعمة... من تكون هذه الشيعية؟ ولماذا خصّت مذهبها بهذا العنوان المثير؟ وهل للشيعيات حياة مختلفة لتكون مدار سيرة ذاتيّة؟

تروي رجاء نعمة سيرة عائلة جنوبية من مدينة صور، عائلة شاهدة من خلال مراحل عيشها على التطور الإجتماعي والسياسي والديني في “جبل عامل” أي جنوب لبنان، بإسلوب السيرة الذاتية التي تنقل وتنقد وتلاحظ، وهو أسلوب أقرب ما يكون الى الدراسات الإجتماعية التي تعتمد المنهج التصويري بحيث يبدو كأن عين الكاتبة كاميرا تصوّر. والصورة تحكي وتحكي وتحكي…

تحكي كاميرا الكاتبة عن الملابس النسائيّة والرجاليّة والعادات والتقاليد والفروقات الدينية بين الطائفتين الأساسيتين في جبل عامل الاسلامية والمسيحية، بفروعهما، التي تنعكس على السلوك الإجتماعي العام.

إضافة الى التمرد الذي بدأ يطل برأسه على جيل يفترض به أنه مطيع وعاقل. نشهد ان شقيق رجاء يهاجر الى أميركا بسبب تعنيف والده له وينتفض، ويواجه مواجهة تُعتبر حينها، أي مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، نافرة في بيئة محافظة تقوم على طاعة الأب والجد والعم…

فالطاعة كانت مطلوبة، والتعرّف كان حياة ذاك الجيل الذي دخل فلسطين ليعمل، ولم تكن المرأة سوى كائن خجول لا يُعارض ولا يُواجه. لكن سلطة والدة الشيعية رجاء كانت قوية جدا.. فما سرّ هذا التناقض في البيئة الجنوبية-المدينية، نوعا ما، نسبة الى هذا الحاضر التعيس؟

في تلك الفترة البعيدة، كانت الحياة تشبه بعضها في مجتمعنا اللبناني المتنوع الثقافات. ولكن اليوم، ومنذ أكثر من ثلاثة عقود اتسعت الهوّة كثيرا لدرجة اننا صرنا أشبه ما نكون بمجتمعات صغيرة بل متناهيّة الصغر، كانتونات، بل “كيبوتسات” يخاف أحدنا الخروج منها لوحده لكونه يشعربغربة شديدة.

والفتاة الجنوبية ايضا مرّت بعدد من المراحل، لكنها لم تتطور إلا شكلا دون أيّ تطور في البنيّة العقليّة والإجتماعيّة التقليدية، وأهمها ان المحرّمات لا تزال هي هي، بل ازدادت وتكاثرت..

أهم هذه المحرّمات هو انعدام الإختلاط بين السنّة والشيعة، وعلى رأس هذا الإختلاط هو الزواج.. الذي كان قد بلغ عدده مؤخرا الى عشرات الآلاف قبيل اغتيال الرئيس الحريري عام 2005، العام التاريخي الذي أعاد قسمة المسلمين بين سنة وشيعة، وفتت عضدهم، وجعلهم يختلفون حول أدنى القضايا والأساسية منها في المنطقة، رغم أن (صور) مدينة عريقة غنيّة بالتنوع الدينيّ والمذهبيّ والحضاري.

مذكرات امرأة شيعيةفالصفة الشيعية اللافتة في عنوان الكتاب ليست منطلقة من نعرة مذهبية بقدر ما هي لعبة تسويقية أتقنت رجاء نعمة استخدامها بعد ان برزت الطائفة الشيعية مؤخرا بشكل لافت جدا على الصعيدين السياسي والعسكري في لبنان، بشكل خاص، بُعيد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، اضافة الى ظهور حركات سياسيّة ذات طابع مذهبيّ وهي التي تربت ونشأت في بيئة مختلطة وجوّ علمانيّ مدنيّ.

تجذب رجاء نعمة القارئ المهتم لروايتها التي هي رواية حول جيل بأكمله بدأ حرّا وانتهى متعصبا.. حول نساء كن لا يدركن سرّ إلتحافهن بالأسود وغطاء رؤوسهن إلا كتقليد موروث، وبتن يُسميّن الغطاء “حجابا”، ويتشددن في لباس الأسود “الغطس”.

إقرأ أيضاً: زينب الطحان: الرواية الجديدة تسعى لخلخلة المفاهيم الراكدة

رجاء نعمةنساء رجاء نعمة متحررات رغم الأجواء التقليدية، مقارنة مع نساء زمن النشر والكتابة، وهن تقليديات رغم الحرية الظاهرة والخارجة عن المألوف. انه تناقض العيش والقص معا. وهنا ميزة الرواية الجميلة والبطيئة في حركة سردها التي يدركها القارئ الجنوبي بسرعة ، مقارنة بالقارئ العربي الذي لن يتفهم التعقيدات الإجتماعية جيدا.

وعلى خطى الكاتبة السياسية دلال البزري التي تناولت الحزبيات في كتابها “أخوات الظل واليقين” يكتمل مشهد الشيعيات، لكن بالطبع هناك شيعيات جديدات، لا حزبيات ولا تقليديات، ننتظر سيَرهن لنتخيل صورَ عيشهن في هذا العصرالمقيت الذي نخوض لججه دون أن نفقهه جيدا.

إقرأ أيضاً: الشاعرة مريم شعيب: الجهاد ليس قتالا فقط.. كل يقاوم على طريقته

شيعيات العصر الحديث نماذج هائلة التنوع، ابتدءا من هيفاء وهبي التي تصرّ على اعلان إعجابها برمز شيعي هو السيد حسن نصرالله، مرورا بالشيعية (اللبنانية الأميركية) ريما فقيه التي تمسّحت لأجل حبيبها، وصولا الى الشيعية المستنيرة كوثر البشرواي، فمن هي التي تمثل الشيعيات؟

السابق
نجاح أمني للجيش اللبناني …والفشل السياسي مستمر
التالي
لهذا السبب لن يحضر أوباما جنازة محمد علي كلاي‏