سكرية يكشف التواطؤ والعبث في ملف الأدوية

يلفت النائب السابق الدكتور إسماعيل سكريّة في حوار أجراه معه وفيق الهواري وأحمد ياسين ونشر في مجلة "شؤون جنوبية" في عددها الأخير، إلى أنه ليس هناك سياسة وطنيّة صحيّة في لبنان، فالقطاع الصحّي عندنا، يسير على معادلة استهلاكيّة، تجاريّة بامتياز، طِبّاً واستشفاءً ودواءً، وهذا ما جعل اللبنانيين، في الدائرة الأخطر من الأذى الصحّي، وهذا ما تظهر تفاصيله في هذا الحوار:

        د. سكريّة، هل هناك سياسة وطنية صحية في لبنان؟

ليس هناك سياسة وطنية صحية في لبنان، تُطَبِّق القانون النّاظم، لحركة القطاع الصحي.

ولقد انطلقت، هذه السياسة، في الخمسينات والستينات، بشكل مقبول، لتواضُع الظروف والإمكانات، والعدد السكاني، والأمراض، وهو تواضع يعني: العرض والطّلب. إلخ.

وبعد الأحداث، أي بعد الحرب، سار القطاع الصحّي، في لبنان، على معادلة استهلاكية بامتياز، تتحكّم بها، كثيراً، الخلفية التجارية، والذهنية التجارية، طِبّاً واستشفاء ودواءً، معادلة تختصر تركيبة النظام الطائفي في لبنان، حيث تتداخل فيها كلّ الطوائف والقوى السياسية (بتختصر النظام فعلاً)، مما أبعدها، أكثر وأكثر، عن القانون، ووضعها في خدمة التجار (تجار الأدوية وما إليهم) والطوائف، وبالرِّعاية السياسية، دائماً – طبعاً-.

لذلك نرى الفاتورة (الصحية) تتزايد، وبسرعة – عاماً بعد عام، الفاتورة الصحية والدوائية. والفاتورة الصحية التي وصلت الأربعة مليارات، في السنة الماضية؛ والدوائية التي وصلت إلى المليار ونصف، في السنة الماضية (في الـ2015). وتجدر الإشارة إلى أن الأمراض تزيد، واستخدام التكنولوجيا يزيد (وهذا مُكلف، ومعظمه غير مبرَّر، أي استخدامه غير مبرَّر (ويجب الانتباه إلى هذه النقطة المهمة جدّاً). وطبعاً مما يرفع الكلفة؛ وقدرات البلد والناس تتراجع، ومن هنا تزيد الكلفة، ويزيد الفساد والسرقات، ومن هنا ندخل في الحديث، عن عالم الدواء.

الأدوية

وبالنسبة للدواء، كذلك هناك غياب سياسة وطنية للدواء، في لبنان. السياسة الوطنية، التي عمادها: وجود مختبر مركزي للرقابة على الدواء، وهذا غير موجود، أولاً. وثانياً، وجود سياسة تسعير عادلة، وثالثاً، لائحة أساس للدواء تعتمدها المؤسسات الضامنة، والدولة طبعاً، ورابعاً: مكننة سوق الدواء في الوزارة (وزارة الصحة)، خامساً: تشديد الرقابة على سير حركة الدواء، استيراداً وتخزيناً، وصولاً لِفَمِ المستهلك.

 

الأسعار المضاعفة

ثم أدوية مسجلة بأضعاف سعرها، نتيجة نسف بند أساسي بقانون استيراد الدواء، يُلزم المستورد، باستحضار شهادة أسعار بلد المنشأ، وهي مسألة نُسِفت منذ زمن بعيد، بحيث أصبحت خاضعة للتّواطؤ ما بين المستورد والمصنع، فقط، وبشكل مباشر، وللإنصاف نُشير إلى أن بعض أسعار العديد من الأدوية قد هبط، وهي الأدوية، التي هي – في الأساس – أسعارها متواضعة، إنما، فإن الأدوية التي “تكوي” أسعارها، المواطن اللبناني، وتكوي “جيبته” (أدوية: الضغط، الأعصاب، الكوليسترول، الدهنيات، الأمراض المزمنة… إلخ) والتي على المريض أن يستخدمها، بشكل دائم ومستمر، فإن أسعارها لم تتزحزح عن تسعيرتها، مع أنها، هي الأدوية الأكثر تداولاً.

 إقرأ أيضًا: الفساد ينخّر سوق الادوية في لبنان

الأدوية الأساس 900

وبالنسبة إلى الـ”لائحة الأساس للدواء”: فإن دول العالم المتقدِّم أو الناجحة، أو سمِّها كما شئت، تعتمد لائحة أساس للدواء، الحاجة الأساس، تعتمدها المؤسسات الضامنة، خارج ما هو في السوق، وهذه اللائحة معدّلها ما بين (800 و850، أو 900 دواء، لا أكثر).

ولقد جرت محاولات عدّة على تطبيقها عندنا في لبنان (في السنوات الـ92 والـ96 والـ2000)، لكن هذه المحاولات فشلت في النهاية. ونحن، في لبنان، لسنا بحاجة إلى أكثر من العدد الذي تضمّه هذه اللائحة، (علماً أن سوق الدواء في لبنان يضمّ أكثر من (6500) نوع من الأدوية، وأكبر برهان على اللائحة الأساس للدواء، هو ما تعتمده مستشفى الجامعة الأميركية (في بيروت)، تتضمن هذه اللائحة، في هذا المستشفى ما يقارب الـ(900) فقط.

 

تعطيل متكرر للأجهزة؟!!

وحول “مكننة سوق الدواء” في وزارة الصحة، فإن أول دولة عربية، حاولت تنظيم الصحة العامة، واستخدمت فيها مكننة، هي الدولة اللبنانية، وكان ذلك في سنة 1989، لكن ما حصل، هو أن بعد تركيب وتشغيل الكمبيوترات في الوزارة، وبعد تدريب الشباب عليها، من أجل أن يستخدمونها، عُطِّلت تلك الكمبيوترات، وأُعيدت هذه التجربة سنة 1996، وتم تدريب مجموعة من الصيادلة والإداريين، من أجل أن تُطبّق لامركزياً في المحافظات اللبنانية، لكن كذلك، عُطّلت الأجهزة، وبِيعت المعلومات لنقابة المستوردين: (للتجار وسواهم).

وعن تشديد الرقابة على سير حركة الدواء، فلا يوجد رقابة، غياب الرقابة العلمية، بغياب المختبر، والرقابة الإدارية (التفتيش المركزي) غير فاعل.

 

فلتان بسبب تغييب المختبر

·        في السوق اللبنانية للأدوية، هناك أدوية، غير ذات فعالية أي أن فعالية الدواء عندنا هي في هبوط….

هنا نعود للحديث عن المختبر: فبغياب المختبر، انفتح السوق على فلتانٍ بالنسبة لنوعية الأدوية من: جيِّد ومقلِّد، ومُجتزأ الفاعلية، ومجهول المصدر، ومزوّر… خليط من كل شيء…

·        وماذا عن المتمِّمات الغذائية؟

خمسة آلاف متمِّم غذائي عندنا، والمتمِّمات الغذائية، التي صدر مرسوم بها، يحمل الرقم (11.710)، في عهد أحدهم، قد حرر هذا المرسوم المتمِّمات والأعشاب، من سلطة القانون. وشُكلت لجنة مشتركة ما بين وزارتي “الصحة” و”الاقتصاد”، لتنظيم سوق المتمِّمات الغذائية، ونتيجة ذلك التنظيم – ارتفع العدد – وقتها – من (1200) إلى (5000).

 

الوصفة الصحية… سياسية

        وادوية الجينيريك، التي هي، تختلف عن الأدوية الأصلية، بنسب معيّنة؟

هي أرخص بالسِّعر فقط، لكن تركيبها، هو نفسه، تركيب الدواء الأصلي، وهذه أيضاً مشكلة، عائدة إلى غياب المختبر، وهنا ألفت إلى أن وقوفي، منذ البداية ضد “الوصفة الطبية”، سببه هو أنها لا تتوافر مع دواء الجينيريك، في ظل غياب المختبر، فالوصفة الطبية، في هذه الحالة، هي مجرد شعار سياسي، وأنا ضد تحويل موضوع علمي إنسانيّ إلى شعار سياسي. فأنا أول من نادى بالجينيريك في عامي 1977 و1978، في مجلس النواب، لكن دائماً كنت أضع مائة خط تحت عبارة “ضرورة وجود مختبر”، وجاءت التجربة/ تجربتي، وبرهنت هذا الشيء، فبغياب مختبر، فإن “جينيريك” تحوّل إلى شعار سياسي جميل، والدّفع الأخير باتجاهه، يخدم مصلحة معينة، ومصنعاً محدداً، يعرفه كل الناس.

 

مع الوزير… ولكن

 .    د. إسماعيل، ما يحصل حالياً، من حملة صحية (يقوم بها وزير الصحة)، ما هو رأيك فيها؟

هذا عمل جيد، وأنا أيّدته مراراً، لكن، دائماً كان لي، تكملة في الحديث عنه، منذ البداية، فعلينا أن لا نلحق النتيجة، ونترك أسبابها، ولقد صرَّحتُ، مرة (في المجلس الغذائي) حول هذا الأمر، إذ قلت في تصريحي ذاك، لوزير الصحة: نشدّ على يدك، ولكن نتمنى أن يدخل التحقيق إلى وزارة الصحة، حيث هناك، “لجنة وطنية لسلامة الغذاء”، وهي، ومنذ خمس سنوات، تقبض معاشات، ولم تجتمع، ولا مرّة.

إقرأ أيضًا: الدواء سِلعَة للنهب الحلال.. والشركات تعترف «نتلاعب بالأسعار»

إن الحملة التي قام بها وزير الصحة، هي أمر جيد، لكن في موضوع الدواء تم التركيز على تشجيع “الجينيريك” من خلال الوصفة الطبية، وهذا لا يسمى إصلاحاً دوائياً، ومع تأييدي لبعض الخطوات التي قام بها الوزير مشكوراً، لكنه لم يلتفت إلى أسس مشكلة السياسة الصحية التي هي عنوان لقائنا. كموضوع المستشفيات، والسقف المالي، والرقابة على المستشفيات وفواتيرها، ولا قضايا الدواء والمختبر، والنوعية، وما إلى ذلك..

·        وماذا عن المكتب الوطني للدواء؟

الله يرحمو، وعظّم الله أجركم!

·        هل تريد أن تضيف شيئاً في ختام هذا اللقاء؟

خلاصة قولي، هنا، هناك شكلان من الأذى يطال اللبنانيين: أذى مادي، وأذى صحي، والأذى الصحي هو الأخطر (من أدوية مجهولة التّركيب والفاعلية، وهذه هي المصيبة)، وأقول: ليس هناك أمن دوائي في لبنان. صحة اللبناني مكشوفة.

السابق
جمهور المستقبل يترقب: هل يطلق الحريري غدا مبادرة تجاه أشرف ريفي؟
التالي
لا اعتدال على حساب الكرامة