تغييرات جدية في السياسة التركية داخلياً وخارجياً أيضاً

رجب طيب اردوغان

تشهد السياسة التركية تغييرات وتحولات مهمة في السياقين الداخلي والخارجي، وتبدو البلد وكأنها تعيش مرحلة جديدة منذ استقالة رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة التكنوقراط علي يلدريم.

اقرأ أيضاً: سوريا.. صوم الجوع والبؤس تحت قاذفات الروس وحصار النظام وما يسمى «حزب الله»

أهم معالم المرحلة الجديدة طبعاً تتمثل طبعاً بالانتقال الفعلي من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وهو ما بدأ نظرياً مع فوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية في صيف العام 2014، ثم عملياً مع عدم إخفاء الرئيس نفوذه أو تأثيره على الحزب الحاكم، وإعلان رئيس الوزراء للحكومة الجديدة من القصر الرئاسي وترؤس أردوغان لأول اجتماع للحكومة الجديدة في القصر الرئاسي أيضاً.

الحكومة أعلنت صراحة أن من أهم مهامها إنجاز هذا الانتقال بالشكل الدستوري والقانوني السليم مع الانتباه إلى أن الحزب أي حزب العدالة والتنمية سيقوم بالعمل أو الجزء الأكبر منه، خاصة بعد تغيير نصف أعضاء اللجنة المركزية كي تكون موالية بالكامل للرئيس وتحت إمرته، حيث شكل الحزب لجان معنية للنزول للشارع وشرح طبيعة النظام المقترح وآلية التغيير بالتوازي مع النشاط في البرلمان لصياغة دستور جديد، وإذا تعذّر الأمر فثمة خطة بديلة جاهزة تتضمن تغيير بنود قليلة من الدستور تحديداً البند الرابع من المادة 101 تحت عنوان “الرئيس المتحزّب” أي إلغاء البنود التي تفرض على الرئيس إلغاء صلاته بالحزب الذي ينتمي إليه.

التحولات السياسية الأخرى لا تقل عن ذلك أهمية على الصعيدين السياسي والخارجي أيضاً، وهو ما تبدى بوضوح أيضاً في البيان الذي ألقاه رئيس الحكومة أمام البرلمان لنيل الثقة، والذي حدّد أولويات ومهام حكومته في المرحلة القادمة. ورغم أن التغيير الحكومي لم يكن كبيراً واقتصر على ثلث أعضاء الوزارة تقريباً إلا أن التغيير السياسي كان نوعياً وواضحاً مع خروج اثنين من أهم أعضاء الحكومة السابقة وممن تولوا حقيبتين من أهم الحقائب والملفات داخلياً وخارجياً – مقصود طبعاً نائب رئيس الوزراء يلتش أكدوغان – الذي تولى ملف عملية السلام الداخلي وفولكان بوزقير الذي تولى ملف التفاوض مع الاتحاد الأوروبي.

في السياق الداخلي أعلن رئيس الحكومة وبوضوح أن من أولويات حكومته مكافحة أو مواجهة إرهاب حزب العمال الكردستاني وجماعة فتح الله غولان، وهو ما ارتبط أيضاً مع خروج أكدوغان عراب عملية التسوية من الحكومة.
هذا يعني طبعاً أن لا عودة إلى عملية التسوية التي باتت من الماضي على عكس بعض التصريحات من قبل بعض أعضاء الحكومة السابقة، وأن الحرب ستمضي بلا هوادة إلى حين كسر حزب العمال، وفرض الاستقرار الأمني في مناطق الجنوب الشرقي، ومن ثم التفكير في آليات أو أشكال جديدة لعملية التسوية بعيداً عن الحزب ورموزه، وبالتأكيد بعيداً عن جناحه السياسي. حزب الشعوب الذي عجز عن تبني موقف مختلف وشجاع وراهن على الخيار العسكري والتحولات الخارجية أكثر مما بنبغي، ودون الأخذ بعين الاعتبار قوة الدولة التركية، كما التجارب التاريخية الكردية في المحيط الإقليمي.
الحرب ضد الكيان الموازي ستستمر هي الأخرى وبنفس العزيمة والإصرار – تأخذ طابع أمني اقتصادي إعلامى، وليس عسكري – كما هو الحال مع البي كا كا، ولا مجال للتهاون أو التقاعس أو حتى اعتبارها منتهية ومحسومة أو مؤجلة، وغير ذات أولوية قياساً إلى التحديات الداخية الخاجية الهائلة التي تواجهها البلد.

الاقتصاد هو الثابت الوحيد في السياسة الداخلية مع التغييرات السياسية الدستورية، وإفقال باب عملية التسوية. ومن هنا كان منطقياً أن يبقى نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الملف الاقتصادي، كما هو الحال مع وزير المالية أيضاً بينما سيواصل يلدريم ومن منصبه الجديد الإشراف على المشاريع النهضوية والتنموية العملاقة في البلد.
التحولات والتغيرات في السياسة الخارجية لا تقل أهمية عن تلك في السياسة الداخلية، وعنوانها الرئيس طي صفحة الاتحاد الأوروبى، ونسيان فكرة الانضمام إليها عملياً، حتى لو استمر الحديث نظرياً عن الأمر مع احتمال جدّي أيضاً لانهيار اتفاق آذار للاجئين، بينما سيكون ثمة انفتاح أكبر باتجاه الشرق سياسياً وجغرافياً روسيا، إيران، الصين، اليابان؛ وبالتأكيد جمهوريات آسيا الوسطى مع مواصلة الانفتاح باتجاه القارة السمراء، والعمل على مضاعفة الحضور التركي فيها وطبعاً حجم التبادل التجاري معها.

تركيا

تؤمن أنقرة أن ما قاله رئيس الوزراء البريطاني صحيحاً حتى لو تضمن بعض المبالغة، وأن الأمر قد يستغرق مائة عام من التفاوض للانضمام للاتحاد الأوروبي، والحكومة الجديدة ستتشدّد بالتأكيد، في تطبيّق اتفاق اللاجئين، وستصر على رفع التأشيرة عن المواطنين الأتراك بنهاية حزيران، وربما مع تأجيل لبضعة شهور، وإن لم يحدث فلن تلتزم تركيا بما عليها، ولن تمضي قدماً وكان شيئا لم يكن، وكما يعتقد الرئيس أردوغان فإن بروكسل بجاجة إلى أنقرة أكثر من حاجة الأخيرة إليها على الأقل، فإن الحاجة متبادلة ومتساوية، وإذا لجأت الأولى إلى التشدد والمماطلة فإن الثانية لن تنتظرها للأبد.
الرئيس أردوغان أعطى التعليمات كذلك لتحسين العلاقات مع روسيا وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل إسقاط الطائرة الروسية في تشرين ثاني/نوفمبر القادم، وهنا تم تلقّف تصريح الرئيس الروسي بوتين في أثينا الذي ردّ عليه الرئيس اردوغان كما نائب رئيس الوزراء قورتولموش بإيجابية، وجاري العمل الآن على التخريجة المناسبة للطرفين للخروج من نفق الطائرة وأزمتها، وأنقرة مقتنعة أن المصالح تقتضي التقارب مع موسكو في ظل ابتعاد الأولى شرقاً عن أوروبا، وشعور الثانية أن الغرب مستمر في محاصرتها والتضييق عليها، وأن تركيا تنأى بنفسها عن هذه السياسة تماماً كما فعلت في مسألة العقوبات الغربية ضد روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية.
أمر مماثل سيجري مع إيران خاصة مع الزيارة الأخيرة للرئيس روحاني شهر نيسان الماضى وسيجري العمل على تقوية العلاقات الاقتصادية وتغليب المصالح المشتركة على الخلافات السياسية لرفع مستوى التبادل التجاري إلى ثلاثين مليار دولار، خاصة مع حاجة طهران الشديدة إلى الخبرات والشركات التركية ورغبة أنقرة في اجتذاب مزيد من السياح الإيرانيين إليها.

في السياسة الخارجية أيضاً سيتم المضي قدماً في مفاوضات التطبيع مع إسرائيل، وكما أقر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتن ياهو فإن العلاقات لن تعود إلى ما كانت عليه قبل عشر سنوات، ولكن ستكون عودة للسفراء واتفاقات في مجالات الطاقة والغاز، والأهم أنه سيتم نسيان فكرة التحالف الثلاثي – الإسرائيلي اليوناني القبرصي ضد تركيا – ولا ينفصل الأمر طبعاً عن الاستقطابات الجديدة في المنطقة لمواجهة التحالف الواضح وحتى العلني بين طهران وواشنطن أو الشيطان الأكبر سابقاً.
التحولات السابقة ستترك أثراً بالتأكيد على السياسة التركية في سورية والعداء سيستمر بالتأكيد ضد الجناح السوري لحزب العمال أي بي ي دي وسترفض أنقرة الانخراط الفعلي في أي حرب ضد داعش، خاصة في شقها البرّي إلا بشروطها المتمثلة بالابتعاد الأمريكي عن بي يي دي، وإبقاء فكرة المنطقة الآمنة على الطاولة ولو نظرياً، وضمان عدم كسر المعارضة المعتدلة أو إقامة كيان كردي ممتد ومتواصل على حدودها، وهي تفهم طبعاً أن لا حل قبل الانتخابات الأمريكية وتولّي إدارة جديدة ستتبنى حتماً مقاربة مختلفة تجاه الملف السوري، وقد تفهم أن لا مجال للتضحية بحليف مهم واستراتيجي كأنقرة من أجل جماعة أو جماعات إرهابية لا تختلف جوهرياً عن داعش، وتتماهى مع نظام الأسد بوصفه جذر ولبّ المشكلة، ولا يمكن أن يكون جزء من أي حلّ عادل ومستدام.

الانفتاح باتجاه العرب سيكون بالتأكيد جزءاً من التوجه شرقاً، وحتى جنوباً كما هو الحال في الحالة الإفريقية مثلاً وبينما سيستمر الانفتاح باتجاه الخليج العربي ستطوي فكرة التسوية مع مصر، ولكن لن يكون تصعيد أو سجال سياسي كبير ومستمر، مع تأكيد أنقرة على موقفها كلما سنحت لها الفرصة تجاه الوضع في مصر، حيث المطالبة بالإفراج عن المعتقلين وإعادة إطلاق الحريات على أنواعها بما فيها العمل السياسي طبعاً وبالتأكيد لن تكون صفقات أو تفاهمات تتعلق بالمعارضين المصريين المقيمين في تركيا.
يحب الرئيس أردوغان وقادة أتراك آخرين استخدام وصف تركيا الجديدة الناهضة والمتطورة اقتصادياً وعلمياً والمنفتحة على محيطها الجيوسياسي، العضو في حلف الناتو ولكن دون استجداء الانضمام الى الاتحاد الأوربي أقله على المدى المنظور.

(اورينت)

السابق
بالفيديو.. زين العمر لم يتحمّل خسارة الحكمة وهذا ما سوف يفعله بالمنارة
التالي
«الطلاق».. علناً!