في رواية الذئاب لاتنسى: الأزمة السورية بعيون مفتوحة

إنه عالم غريب، وثري ومدهش، تقدمه الروائية لينا هويان الحسن في عملها الأخير، الصادر حديثاً عن دار الآداب، الذي تحدد ملامحه الأـساسية حادثة مقتل شقيقها “ياسر” خلال الحرب الدموية الدائرة في سوريا والتي طالت عمق البادية السورية، حيث سبق وأن تناولتها لينا هويان الحسن في عملين ادبيين معروفين : “بنات نعش، وسلطانات الرمل”.

في عملها الجديد “الذئاب لاتنسى” تعتمد على المرويات الشفوية للبدو وتربط ربطا شعريا وسرديا بين أسباب عواء الذئب والحزن البشري. حادثة مقتل شقيقها تضع النص في مستوى درامي وشعري رفيع المقام، ويذهب خيط السرد في اتجاهين: الحاضر الحزين والمرير للبادية السورية التي تُركت لتسيطر عليها الجماعات الدينية المتطرفة، والماضي الهادئ والسعيد مشكلا بذلك قطبا سرديا مهما من خلال استعادة ذاكراتية لأحداث شهدتها الكاتبة خلال طفولتها مع شقيقها المتوفي، حيث تطلعنا على قصة الشابة “الأيزيدية” التي هربت من جبل سنجار لأجل الحب قبل ثلاثين سنة، فتقدم الرواية تفاصيلا مهمة عن الحياة الاجتماعية للمجتمع الأيزيدي، عاداته وتقاليده.

شخصية “ونسة الأيزيدية” تتشارك المصير الأليم ذاته لشخصية ” الخاتون عمشة” ابنة شيخ عشيرة كبيرة، تقع في غرام كومندان فرنسي. تطلعنا الرواية على الواقع الأليم الذي يكتنف مجمل حياة “الاناث” على اختلاف انتماءاتهن الدينية، في عالم تتسلط عليه الخرافات والعادات المتخلفة، والنرجسية الذكورية التي ترسخت على حساب إنسانية “المرأة”.

إقرأ أيضًا: «حكايات من قصر منصور» وعن حزب الله… لشريف الحسيني

الرواية، نجت من “الأدلجة”، تناهض كل أشكال العنف والتطرف الديني كذلك الاستبداد السياسي من خلال موقف يميل إلى تأثيم جميع الأطراف المتقاتلة على الأرض السورية، مع حضور قوي للغة لاتجامل “الثورة، والثورات”، وتعري سارقي الثورات، وتكشف عن الطريقة المستفزة التي تعامل بها الضباط المنشقون مع الضباط القدامى مما أدى إلى تعقيدات زادت في تأزيم الوضع الذي راح ضحيته الأبرياء.

في مطلع روايتها تقول هويان الحسن:

( إنَّها وحوش التذكُّر، دفعتني لأقتلها على أرض الكلمات. ملأتُ كلّ هذا الورق لعلّه يشفيني قليلًا من الحزن. قُتِلَ شقيقي ” ياسرا”، خلال الأحداث السوريَّة الأخيرة البائسة، ولأنَّ الذاكرة تتقلّب بين ظلالها كحيوان نائم في ليل الشتاء، حضرت حكايات الماضي مع ياسر، واشتبكت اللُّغة والكلمات على تخوم روايات شخوصها من دم ولحم؛ لكنَّهم، الآن، أرواح بلا أجنحة، غفلة تحطّ على كتفك وتهمس: أكتب.. كتبتُ ومن بين أسنان الماضي استدعيت حكايات كثيرة، من بينها حكايات النساء القتيلات باسم «الشرف»، مدفونات في المغائر الرومانيَّة، التي تشكِّل ملمحًا واضحًا في تضاريس وخارطة البادية السوريَّة الوسطى التي نشأتُ فيها. عندما عرفت الشابّة الجميلة «ونسة الأيزيديَّة»، التي تعبد «تاووسا ملكيّ»، لم أعرف أنِّي سأكون مدوِّنة لحياتها القصيرة. بينما لم يتسنَّ لي قط رؤية الخاتون عمشة، لأنَّها قُتلت قبل زمن طويل من ولادتي، وهنا حاولت رسم ملامحها المحتملة..)

السابق
موظف المستقبل يطلق صرخة: مش عم نقبض… عم يتكالبوا علينا!
التالي
سعد الحريري يتواصل مع متابعيه عبر تويتر ولطرابلس «الحصّة» الكبرى