سؤال مرعب في الراهن العراقي والسوري: ماذا بعد داعش؟

الحروب المنطلقة من خلفيات مذهبية لن تتوقف، وداعش فقد عامل الجذب والاستقطاب. المنطقة أمام تطوّر جديد وتنظيمات غير إرهابية هذه المرة بعناوين مذهبية تعبئ لاستمرار هذه الحروب.

العنوان المذهبي يبقى حاضرًا في المواجهات الجارية على مستوى المنطقة، لكنّه لم يشكّل حتى الآن صلب المعركة الجارية في العراق أو سورية. إيران تستخدم في هذه المواجهة كل العدّة المذهبية سواء في التعبئة أو في العناوين المقدسة المعتمدة في هذه المواجهة، من “زينب لن تسبى مرتين”، وخطاب استقطاب المقاتلين، من أفغانستان إلى باكستان، فالعراق إلى سورية. كلّها أدوات الخطاب المذهبية بشكل صريح. في المقابل تلقي السعودية بكلِّ ثقلها في هذه المواجهة، وهي تستثمر في حالة الغضب السنّي في سورية والعراق. 
في المقابل، إذا كانت العناوين المذهبية هي من أدوات المواجهة وليست جوهر المعركة الجارية، ببقى الموضوع السنّي الشيعي على هامش الحسابات الأميركية والروسية في سورية. وإن كان يتم توظيفه من قبل الطرفين. لكن ليس إلى الحدّ الذي تتحول معه سورية الأسد إلى كتلة علوية – شيعية ولا أن تتحوّل الكتلة السنية إلى قوّة متماسكة. إذ تعتبره الإدارة الأميركية خطرًا على الولايات المتحدة نفسها. 
لكن مشكلة العنصر السنّي – الشيعي لم تنتهِ فصولاً بعد. وبات يطرح مخاوف ليس في المجتمعات التي تتشظى على إيقاعه، بل حتى في الدوائر الغربية التي بدأت تبحث عن إجابة: ماذا بعد داعش؟ داعش

ثمّة قناعة تتشكل لدى دوائر القرار الغربية والمؤثرة أنّ تنظيم داعش باتت نهايته وشيكة. وسط تجفيف نجح إلى حدٍّ بعيدٍ لمنابع التمويل. ولم يعد التنظيم قادرًا على التبشير بمشروع الخلافة خارج الحدود. 
والخوف يكمن في الساحة العراقية أكثر من سورية، باعتبار أنّ هناك كتلتين مجتمعتين كبيرتين في العراق تشكلتا على أساس مذهبي، بسبب الشرخ الذي أصاب البنية المجتمعية. السؤال الذي لا تملك الحكومة العراقية جوابًا عليه هو: ماذا بعد الإنتهاء من داعش؟ الثابت أنّ البنية الحاكمة في العراق، وضعف مشروع الدولة، يشكلان عنصرين ممهدين إمّا لحرب أهلية أو لتقسيم العراق. فالأميركيون أخفقوا في إنتاج نظام ودولة متماسكين في العراق. وساهم الدخول الإيراني إلى العراق في تعميق هذا الشرخ بين المكونات العراقية. بعدما استثمره في تثبيت موقعه ودوره. 

إقرأ أيضًا: محاربة داعش وتوظيفه في تسويات سورية والعراق
بحكم التفاهم الاميركي- الروسي في سورية أمكن وضع خطوط لإدارة القتال، وأمكن التحكم إلى حدّ ما بمختلف أطراف الصراع. علمًا أنّ ما يزيد القلق من دخول العراق في مرحلة خطيرة من الصراع، أنّ 70 في المئة من عناصر داعش في العراق هم من العراقيين. أمّا في سورية فالمعادلة معاكسة تمامًا. فإلى كون هذا التنظيم متواضع قياسًا إلى قوته في العراق، فإنّ السوريين لا يشكلون نسبة 30 في المئة من عديد عناصره في سورية. 
الإطمئنان الغربي لنهاية قريبة لتنظيم داعش هي نهاية لمشروع عابر للحدود. مشروع فقد جاذبيته وقدرته على استقطاب مناصرين في كل العالم، وفقد الكثير من عناصر الدعم الاستخباري. ليبدأ عنصر جديد بالظهور في المشهد العراقي. فقد بدأت عناصره بالتشكّل من الذخيرة المذهبية المختزنة. 
فعملية القضاء على داعش لم تزل عملية عسكرية. ومن خلال الحشد الشعبي العراقي، وعبر التدخل الإيراني الإستعراضي، ومن خلال ارتفاع وتيرة الخطاب المذهبي، وما يرافقه من جرائم تزيد من التشظي المجتمعي… يشكل العنوان المذهبي شروط الانفجار المذهبي. لكن هذه المرة بعناوين عراقية داخلية متخففة من الشعارات العابرة للحدود إلى شعارات الانغلاق والقوقعة. 

إقرأ أيضًا: هذا ما يعتمد عليه «داعش» لتوزيع نشاطه في لبنان..
ولأنّ شروط التقسيم ليست متيسرة كما شروط إعادة الوحدة المجتمعية في العراق، فإنّ خيار استمرار أشكال من الحرب المذهبية سيجد له مقومات حضور ودعم واستمرارية. وهذا لأنّ قيام دول على أساس الهوية المذهبية والدينية غير ممكن لأنّه غير قابل للإستمرارية لا في العراق ولا حتى في سورية. 
علمًا أنّ بنية المذاهب الإسلامية قامت على القطيعة والعزلة وعدم التواصل مع المذاهب الإسلامية الأخرى. وتعيش في حقيقة على قياسها. أمّا ثقافة الأمّة، بمعنى الهوية الجامعة لكل المسلمين، فلم تنوجد على المستوى السياسي ولا على المستوى الثقافي، في بنى مذهبية أنتجت مكوّنات اجتماعية على قطيعة مع غيرها من المسلمين. هذه أدوات المواجهة وخطابها المرشح لأن يغرق أكثر في حرب مذهبية لن يكون بقاء داعش شرطًا لاستمرارها بل ستكون نهاية داعش بداية تفجرها على المستوى الوطني والمحلي. 

السابق
الحريري يرد على وليد جنبلاط..
التالي
المجلس الاسلامي الشيعي يعلن أوّل أيام شهر رمضان المبارك..