هدية «المقاومة» لنتنياهو

في واقعة شديدة الرمزية والدلالة، أهدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دبابةً كان قد غنمها الجيش السوري من الجيش الإسرائيلي في لبنان في العام 1982. جرى ذلك في وقتٍ يستمر فيه حزب الله في القتال في سوريا إلى جانب الجيش الروسي، ومن المفترض أن نُصدّق الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بأن فعل القتال في سوريا هو فعل “مقاوم”!.

ألا يقتضي ما جرى توضيحاً حفظاً لماء وجه “المقاومة”؟ فالمعادلة هنا هي أن الحليف أهدى العدو دبابة عزيزة على قلب “الممانعة”، ذاك أنها غنيمة حرب نادرة، ثم إن “المقاومة” إذ تقاتل في سوريا تفعل ذلك وهي مستمرة بوصفها “مقاومة”. ألّا يبدو هذا غريباً بعض الشيء؟ فالموقع الروسي في المعادلة السورية منسجم أشد الانسجام مع الموقع الإسرائيلي، وهو منسجم أيضاً أشد الانسجام مع موقع “المقاومة”! وهذه معادلة تقتضي التوضيح، لمن يصدقون “خطاب المقاومة” على الأقل.

الوقائع التي حفت بخبر إهداء بوتين الدبابة لنتنياهو مهينة لهذا الخطاب، وقبول ما جرى بوصفه جزءاً عادياً من طبيعة الأشياء ينطوي على استخفاف بعقول مُصدقي الخطاب.

لكن يبدو أن الصمت الذي قابلت به الممانعة واقعة الهدية الروسية هو جزء من صمت أوسع حول المهمة في سوريا. فهناك تجري حرب لا مكان فيها لمخاطبة العقول. المهمة شديدة الوضوح ولا تحتمل التمسك بقيم أو بقناعات. المهمة هناك تقتضي فعالية، والفعالية لا تأبه للعقول.

اقرأ ايضًا: الضاحية الجنوبية: هل تنجو من مستقبلها المخيف؟

قبل واقعة الدبابة جرت واقعة أخرى أضيق، ولكنها أكثر دلالة حيال الصمت المضروب حول المهمة في سوريا. فقد أقدم “مقاوم” من سرايا حزب الله على قتل مواطن لبناني غيلة في العاصمة بيروت. كُشف إسم القاتل ونُشرت صور له مرتدياً زي حزب الله وصور أخرى له في سوريا، وتسجيلات صوتية يُردد فيها عبارات الولاء للحزب. وساد صمت هائل حول فعلة هذا المقاتل. لقد هرب في أعقاب جريمته إلى سوريا بحسب قوى الأمن اللبناني. الأمر لم يتطلب اعتذاراً من الحزب، ولم يتطلب توضيحاً على رغم أن الصور التي نُشرت من المفترض أن تُمثل إدانة ليس للجريمة وحسب إنما أيضاً لطبيعة المهمة في سوريا، وأي رغبة في الدفاع عن هذه المهمة تقتضي أكثر من توضيح، وتقتضي اعتذاراً. فللقاتل صور يبدو فيها على جبهات الحزب في سوريا، وفراره إلى سوريا ينطوي أيضاً على احتمال معاودته الالتحاق بهذه الجبهات.

هنا تماماً تكمن الفكرة، أي في أننا لم نعد في مرحلة مخاطبة العقول أو الرغبة في الإقناع. فليلاحق القاتل، ولكن أن نطرح على أنفسنا مهمة التنصل من فعلته أو مراجعة مدى مسؤوليتنا عنها، فهذا ما لن يُقدم عليه حزب الله.

وبهذا المعنى يمكن أيضاً أن لا تشكل هدية بوتين نتنياهو الدبابة الغنيمة ما يُمكن أن يخدش شعور “المقاومة”، فلطالما أطلقنا على حروبنا الأهلية أسماء من هذا القبيل، ولم نتعرض يوماً للمساءلة.

(NOW.)

السابق
ما هو المقطع الذي أخفته الخارجية الأميركية عن الصحافيين في شأن إيران ؟
التالي
«المستقبل» يتواصل مع ريفي