11 عامًا على استشهاد سمير قصير الذي أخاف المجرم فقتله

لو كان سمير قصير بيننا اليوم، لكتب الكثير الكثير عن الحراك المدني وعن الإنتخابات البلدية ونتائجها، لو قُدّر له أن يبقى على قيد الحياة، لكان شريكاً فاعلاً في تحريك الشباب ودفعهم إلى المعترك السياسي وتشجيعهم على المواجهة وثنيهم عن الإحباط ورفدهم بالأفكار والبرامج وآليات العمل، لكن شاء القدر أن يرحل سمير قصير باكراً، لكن روحه باقية وكتبه موجودة ومقالاته ما زالت تنبض بالحياة والحرية، وكلماته وأحلامه ما زالت صالحة، وما شهدناه من حراك مدني وحراك إنتخابي من ترشيحات ولوائح ومشاركة ومواجهات وخروقات في الإنتخابات البلدية الأخيرة، فيه شيء من روح سمير قصير، من بيروت مدينتي إلى بعلبك مدينتي إلى عرسال وإنتخاباتها التي أثبتت إنتماءها للدولة على عكس ما روجته أبواق وأقلام السوء إلى إنتخابات الجنوب وما شهدته من خروقات وصولاً إلى طرابلس الفيحاء وإنتفاضتها في وجه التحالف الهجين وإنتصار أهلها الطيبين على سياسييها المتلونن والمستهترين بحياة المدينة وبمستقبل أبنائهم.

لم يُقتل سمير قصير قبل ١١ عامًا في ٢ حزيران ٢٠٠٥ لأنه كان صحافيًا معارضًا للنظام السوري فقط أو مدافعًا شرسًا عن القضية الفلسطينية فقط أو كاتبًا لامعًا فقط أو مثقفًا فقط أو أستاذًا جامعيًا فقط أو عروبيًا منفتحًا فقط أو يساريًا ديمقراطيًا فقط أو سياسيًا مخضرمًا فقط، بل قُتل لأنه كان يحمل كل هذه الصفات والألقاب والكفاءات والعلاقات مجتمعة وأكثر، كان سمير قصير صاحب رأي ورؤية، كان له دوره وموقعه في السياسة اللبنانية، كان من صنّاع الرأي العام في لبنان وفي العالم العربي وخاصةً في سوريا وفلسطين، كان سمير قصير عربيًا ثلاثي الأبعاد، فهو اللبناني والسوري والفلسطيني. كان سمير قصير مؤثرًا في بيئته ومحيطه وبين طلابه، لم يُقتل سمير قصير بسبب ماضيه فقط، بل قُتل بسبب حاضره الفاعل ومستقبله الواعد.
سمير قصير هو صاحب الحلم الجميل الذي حاكه بخياله وأنامله وسهر من أجله الليالي، وعندما زهّر ربيع بيروت في ربيع العام ٢٠٠٥، كان يرعاه ويسهر عليه وكأنّه مولوده الذي إنتظره طويلاً، فكان طوال الوقت مشغول به وبتصويبه وتشذيبه وشحذ همم شبابه، كان يتدخّل في كل تفاصيله، لأنّه كان يخاف على المولود من شياطين السياسة اللبنانية، كان شرسًا بالدفاع عن حلمه، كان يريده بأن يكون مطابقًا للحلم الذي صاغه بمخيلته وكتبه ببيان حلمه.

سمير قصير
كان يعلم بأنّ هناك غول طائفي قد يلتهم الحلم المولود، والذي كان لا يزال طري العود، وعندما رأي بأنّ هناك من يريد إزاحة إنتفاضة الإستقلال عن مسارها، دعا لإنتفاضة داخل الإنتفاضة.
وفي ساحة الحرية التي عشقها وأوقد شعلتها وألهب جماهيرها وأقام فيها وتفرّغ لها، عندما سمع بعض الشعارات والأغاني العنصرية ضد الشعب السوري تتسلل إلى الساحة عبر بعض التيارات السياسية الموتورة، حاولت أنّ تشوّه الشعارات الوطنية المرفوعة، إعتلا المنبر، ودافع بشراسة عن الشعب السوري وتحدّى كل العنصريين الذين إعترضوا على خطابه وإنتقدوا دفاعه عن الشعب السوري، هؤلاء العنصريون هم أنفسهم، خرجوا من ساحة الحرية لاحقًا، وإرتموا في أحضان النظام السوري وإستكملوا خطابهم العنصري بحق الشعب السوري.

إقرأ أيضًا: جائزة ’سمير قصير’ تكرّم ’الموتى الأحياء’
المجرم الذي قتل سمير قصير صباح ٢ حزيران ٢٠٠٥، كان يعرف بأنّه يهمّ لقيادة سيارته متوجهًا إلى طرابلس لخوض معركة مرشّح حركة اليسار الديمقراطي الياس عطا الله إلى جانب جورج حاوي، وكان سمير قصير يعرف جيدًا أهمية ورمزية فوز الياس عطاالله في وجه المرشح العوني فايز كرم الذي تبين بأنه عميل إسرائيلي في وقت لاحق، هذا الدور لسمير قصير أخاف المجرم وأرعبه، إلى جانب ذلك، المجرم يعرف قدرات سمير قصير وديناميته وإخلاصه ورؤيته، وكان يعرف بأنّ ربيع دمشق الذي نظّر له وكتب عنه سمير قصير آتٍ لا محالة، وكان يخاف من أن تندلع الثورة في سوريا وسمير قصير لا يزال على قيد الحياة، لأن القاتل يعلم علم اليقين بأنّ لدى سمير قصير مخزون ثقافي وسياسي وإعلامي سيضعه بتصرف الثورة السورية، وسيشكل رافدًا كبيرًا للثوّار السوريين، الذي ينبع من ربيع بيروت ويصب في ربيع دمشق، فإستعجل المجرم بإغتياله.
لدى سمير قصير شبكة علاقات كبيرة جدًا تربطه مع الكثير من الشخصيات السورية الديمقراطية واليسارية المعارضة في الداخل والخارج والتي تحمل مشروعًا تغييرًا ديمقراطيًا لسوريا ، وهذا المشروع لو قدّر له أن ينجح في يومٍ من الأيام، سيكون كفيلاً بتأمين ديمقراطية سوريا وإستقلال لبنان. لو قدّر لسمير قصير أن يعيش زمن الثورة السورية، كان سيكرّس كل وقته وجهده وكتاباته لإظهار وجهها الجميل الذي يشبه إشراقة وجهه ووسامة قلمه.

إقرأ أيضًا: سمير قصير… و’الثورتان’!
هذا الوجه الذي يخافه النظام السوري ويرتعب من وجوده. فإغتاله في لبنان وفي سوريا وما زال يغتاله كل يوم، لأن أنظمة الإستبداد ترتاح لوجه داعش المتوحش البشع، لأنه يخفف من بشاعة وجهها أمام شعبها، لكن الشعب يدرك بأن هذان الوجهان القبيحان هما وجهان لعملة واحدة هي الإرهاب.
يُمكن لأي شخص لا يعرف سمير قصير، أن يتعرف إليه من خلال فكره وآرائه وقناعاته ومن خلال كتبه ومقالاته وممارسته السياسة، لكن لا تكتمل معرفة كل أبعاد شخصية سمير قصير، إلاّ من خلال معرفته الشخصية ومحادثته ومناقشته وإلتماس حيويته وشبابه الدائم ومبادراته التي لا تنتهي. أهمية سمير قصير كانت في إقتران قوله بالعمل، لا يكتفي بالتنظّير والكتابة وإلقاء المحاضرات، بل يسبق الناس إلى الميدان، فيشارك ويتفاعل ويناقش ويُقنع ويقتنع. سمير قصير حلمنا الجميل الذي رحل منذ ١١ سنة، وما زلنا منذ ١١ سنة نصارع لكي يبقى حلمه حيّ فينا وينتصر.

السابق
الضاحية الجنوبية: هل تنجو من مستقبلها المخيف؟
التالي
السيد محمد حسن الأمين: الاسلام المدني في تونس مطلوب ونأمل أن ينتشر