لبنان بين أميركا وحزب إيران

عبّرت تصريحات المسؤولين اللبنانيين وزائرهم المسؤول في وزارة الخزانة الاميركية عن “مبادئ عامة” لا خلاف مبدئياً عليها، طالما أنهم يتحدّثون عن أمر “بين دولتين” وعن تشريعات متلاقية بينهما لمكافحة تبييض الأموال والارهاب. فلا مشكلة اذاً، ولا داعي للضجة التي أثارها “حزب الله” واستحثّ فيها الحكومة والقوى السياسية لمواجهة الاجراءات الاميركية، متذكّراً “السيادة الوطنية” وواجب الدفاع عنها بعدما تجاوزها ولا يزال مصرّاً على العبث بها. لكن التشريعات اللبنانية المعنية لا تشير الى أي حزب، فيما يحدّد التشريع الاميركي الخاص هدفه بوقف تمويل “حزب الله”، أي أنه قانون سياسي يستخدم سيطرة اميركا على النظام المالي العالمي لتحقيق هدفه. هل يقف “لوبي اسرائيل” في الكونغرس وراءه، أم اللوبي المعادي لايران، أم اللوبي المعادي للنظام السوري؟
المؤكّد أنها جميعاً وراء هذا القانون، والجديد فيه تركيزه على “حزب الله” الذي يعتمد نظاما دمشق وطهران على قتاليته في سوريا، فيما هو يقدّم دوره هناك بأنه لـ “محاربة الارهاب”!.. ما يعني أنه وداعمَيه (الواقعَين أيضاً تحت عقوبات دولية) وحدهم في تصديق هذا الإدعاء. فهذا “الحزب” لم يتعرّض لأي اجراءات مالية حين حارب اسرائيل لتحرير الجنوب وواصل محاربتها بعد تحريره، لكنه يواجه اليوم هذه الاجراءات بسبب مغامراته خارج الحدود اللبنانية وخسارته تغطية سياسية عربية واسلامية ودعم معنوي من جانب رأي عام محلي واقليمي. ولا شك في أن ظروف تطبيق الاجراءات المالية الاميركية فاجأت “الحزب” الذي كان يأمل في أن يستفيد من “ايجابيات” التقارب الاميركي – الايراني كما يمكن لمسها في مراعاة واشنطن لمصالح ايران في سوريا والعراق، وحتى في كواليس المفاوضات اليمنية، فضلاً عن مقاربة اميركية “ناعمة” ومسايرة لدور “الحزب” في منع الانتخابات الرئاسية اللبنانية وتعطيل الدولة وتهميش الجيش والمؤسسات.

اقرأ ايضًا: ممرات آمنة للجثث
لذلك تمثّل الاجراءات الاميركية نمطاً من التحجيم الذي كان “الحزب” يخشاه كلما تصاعد الحديث عن “تطبيع” ما بين اميركا وايران، وتكمن خطورتها في أنها بدأت وسط غموض في الاتجاه نحو هذا “التطبيع” وقبل اتضاح خريطة المصالح في التسويات الاقليمية. والأهم أنها تضربه وهو في أوج اقتناعه بأنه أصبح “الدولة” في لبنان، بل انه هو من خدم ايران بوضع لبنان دولة وشعباً على طاولة المساومات الدولية ولا يمكن أن يُكافأ بأقل من الفوز بالحكم في لبنان، فإذا به الآن ملزم بالخروج من النظام المالي للدولة التي يريد الاستيلاء عليها.
دافع المسؤولون اللبنانيون عن تمثيل “حزب الله” شريحة واسعة من المجتمع اللبناني وعن وجوده في الحكومة والبرلمان والبلديات، محذّرين الجانب الاميركي من حمل “الدولة” على الاقتصاص من هذه الشريحة. وبمعزل عن رأي الاميركيين في هذه الحجج، يصح التساؤل اللبناني أولاً: لماذا ذهب “الحزب” في تغوّله الى حدّ الاقتصاص من الدولة نفسها ومن شرائح المجتمع كافةً؟

(النهار)

السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الأربعاء في 1 حزيران 2016
التالي
أين صبّت أصوات الاسلاميين في طرابلس؟