خطاب أسيوط.. الورقة الفلسطينية وطبائع الاستبداد

حمل خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في مدينة أسيوط الأسبوع الماضي في طياته دلالات ومعاني عدة تتعلق بطبائع الاستبداد التقليدية المتمثلة بالهرب من أزمات الداخل نحو الخارج والبحث لديه عن الشرعية الداخلية المفقودة والمتاجرة أو السمسرة التقليدية بالقضية الفلسطينية من قبل الأنظمة الفاشلة والمأزومة لخدمة مصالحها الضيقة.

اقرأ أيضاً: في الفلوجة سينتصر سليماني وسيتمدد «داعش».. وسننكفئ

الخطاب استمر لأكثر من ثلث ساعة خصص ثلثه فقط للشأن الداخلي، بينما خصص الثلثين للملف الفلسطيني الإسرائيلي، وطرح مبادرة شكلية تتعلق باتفاقية كامب ديفيد وتطلب من الإسرائليين والفلسطينيين الاحتذاء بها لتغيير وجه المنطقة، ولكن بعد التكاتف أو المصالحة، وتوحد الأحزاب الإسرائيلية حول هدف التسوية، كما إنهاء الفصائل الفلسطينية لانقساماتها من أجل الهدف عينه.

خطاب السيسي المتغني باتفاق كامب ديفيد وفوائده الاستراتيجية جاء متطابقاً في الجوهر مع خطاب السادات بتصوير الاتفاق مصلحة بل وحاجة مصرية، وحتى عربية، بينما جاء من حيث الشكل أقرب إلى خطاب مبارك المبتذل الساذج الركيك والديماغوجي.

التودد المبالغ فيه لإسرائيل هدف إلى نيل دعمها ليس فقط في حرب النظام المجنونة في سيناء، التي يستغلها لتبرير وتمعيق قبضته الامنية وقمعه المنهجي للحريات العامة، وإنما لصد موجة الانتقاد الدولية المتعاظمة ضده والدفاع عنه في الغرب خاصة في واشنطن وتحديدا في الكونغرس ومواصلة تحويل الميزانيات والمساعدات العسكرية له بحجة مكافحته وتصديه للإرهاب.

الجيش المصري

أما في فحوى الخطاب الفلسطيني الإسرائيلي، فقد جاء عاما ضبابيا غامضا يساوي بين الجلاد والضحية، لم يتحدث عن أسس وثوابت التسوية، حتى بحدها الأدنى المقبول فلسطينياً مثل الدولة السيدة المستقلة ضمن حدود حزيران يونيو 1967 عاصمتها القدس مع حل عادل لقضية اللاجئين وفق القرار الاممي رقم 194 وهو ساوى بين المبادرة العربية المكتملة الأركان-على علاتها- والمبادرة الفرنسية الغامضة والضبابية، وقدم الضمانات الامنية للطرف الأقوى على حساب الطرف الضعيف وبدا في مخاطبته أو حديثه للجمهور الإسرائيلي متزلفاً مستجدياً ومتجاهلاً للتغيرات العاصفة به نحو اليمين التطرف وحتى الفاشية حسب اعتراف كثيرين في الدولة العبرية بما فيهم عسكريون كبار مثل إهود باراك موشيه يعلون ويائير غولان.

الى ذلك بدا الحديث عن المصالحة في الجانب الفلسطيني شكلي تجميلي اقحم فقط للتغطية على الجوهر، والبعد الإسرائيلي للخطاب الذي لم يتضمن خطوات عملية أو جدول زمني أو حتى دعوة فورية لحركتي فتح وحماس للقاهرة للحوار من اجل انهاء الانقسام، ولا استعداد جدّي لاستئناف القاهرة وساطتها، ليس فقط تجاه المصالحة الفلسطينية، وإنما ايضاًفيما يخص استحقاقات التهدئة بين المقاومة واسرائيل، وفق التفاهمات التي أفضت إلى وقف حرب غزة الأخيرة صيف العام 2014، لو من باب الانسجام مع الهدف المعلن وخلق ظروف مؤاتية وهادئة لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائلية المباشرة.

كالعادة فإن الخطاب السيئ شكلاً ومضموناً لم يعبر عن الحقيقة كاملة، التى تكفّلت الصخافة الإسرائيلية بكشفها فيما بعد، وهو جاء متسقاً مع جهود مبعوث اللجنة الرباعية السابق توني بلير ورئيس الوزراء الاسرائيلي نتن ياهو من أجل توسيع الحكومة، وضم زعيم المعارضة الاسرائيلية اسحق هيرتزوغ اليها تمهيداً للعودة للمفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية، وبما يقطع الطريق على المبادرة الفرنسية الوليدة، أي أن الخطاب سعى لخدمة نتن ياهو في الشقين الداخلي والخارجي توسيع ائتلافه الحكومي الهش وغير المستقر، والتخلص من الإزعاج الفرنسي الدولي لصالح المفاوضات المباشرة التي ستتولى القاهرة الوساطة فيها عبر لقاء ثلاثي يتم التحضير له ويجمع السيسي مع نتن ياهو وعباس ويتم التحضير له الان كما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت أمس الثلاثاء.

نتن ياهو رغمه تورطه في نسج المؤامرة الألعوبة السياسية والاعلامية الا انه وجه صفعة مدوية للسيسي وبلير مع إفشال مفاوضات ضم هيرتزوغ للحكومة، وفتح الباب أمام المتطرف افيغدور ليبرمان بدلاً منه، كوزير للدفاع علما ان اليميني المتطرف الذي دعا ذات يوم لقصف سد أسوان لا يؤمن بالمفاوضات مع عباس ويسعى لاسقاطه ، ولا يؤمن ايضا بالتهدئة مع حماس و يريد القضاء عليهما أي عباس وحماس معا بكل الوسائل ومن ثم تنصيب بديل قد يكون صديقه المدعوم مصرياً ايضاً محمد دحلان، على ان يتم التفكير بالتسوية التي يريدها إقليمية مع الدول العربية فيما بعد وبعد اخضاع الارادة الفلسطينية وفرض ما يشبه الاستسلام عليها.

المفاجأة أو شبه المفاجأة ربما أن الدعم للسيسي ومبادرته المزعومة جاء من حركة الجهاد الاسلامي التي توجه وفد منها للقاهرة بعد ساعات على خطاب اسيوط المريب تماما كما كان الحال العام الماضي بعد قرار المحكمة المصرية باعتبار حماس حركة إرهابية، زيارة الجهاد الحالية رتبها النظام للإيحاء أن ثمة فرصة ومبادرة جدية للمصالحة، وكما الزيارة الماضية نثر مسؤول من الجهاد وعود وردية زائفة-كما وعود فتح المعبر العام الماضى- عن توجيه دعوة لوفدي حماس وفتح للمجيء قبل نهاية الشهر الحالي للقاهرة، التي ستسأنف وساطتها من أجل إنهاء الانقسام وتطبيق تفاهمات واتفاقات المصالحة وهو الامر غير الواقعي وغير الصحيح طبعاً والذي نفاه مسؤول فتحاوي رفيع للقدس العربي أول أمس الاثنين مؤكدا على أن خلافات القاهرة مع حماس ما زالت على حالها، مع الانتباه كذلك إلى أن سياق المصالحة الأسيوطى المزعوم يتعلق بتهيئةالظروف أمام المفاوضات والتسوية وليس من اجل ترتيب البيت الوطني الفلسطيني الداخلي وإدارة موحدة ومصممة وعنيدة للصراع مع إسرائيل بعدما باتت التسوية معها أقرب الى الوهم والسراب.

قبل ذلك وبعده فان النظام الفاقد للشرعية في الداخل والمستمر في القمع والتنكيل بمعارضيه ليس في وضع اخلاقي او سياسي يسمح له بالوساطة بين الفلسطينيين أو بينهم وبين دولة الاحتلال، وجل ما يفعله هو تلميع نفسه والسعى للحصول على مكاسب سياسية ومادية، عبر اقحام نفسه في دهاليز السياسة الداخلية الاسرائلية في ابشع صورها، وخدمة نتنياهو الساعي لتصفية المبادرة الفرنسية وإفراغها من محتواها، واستئناف الثرثرة مع السلطة الفلسطينية لاستهلاك الوقت والحفاظ على الوضع السياسي الراهن لأبعد مدى زمني ممكن، مع خلق مزيد من الوقائع الاستيطانية على الارض للقضاء نهائياً على حل الدولتين الذي هو عموما في حالة موت سريري ومنذ سنوات طويلة ومحاولات التنفس الاصطناعي العربية و الدولية لاداعي ولا جدوى لها أصلا.

(عربي21)

السابق
باسيل يرد على فرنجية: تبني على أخبار غلط
التالي
«حزب الله» يتقاضون رواتبهم نقًدا.. والاعتماد على المسيحيين!