دفاعًا عن القاتل معروف حمية؟!

تجاهلوا العنوان. ليس الأمر بالتأكيد دفاًعا عن رجل قتل فتى بدم بارد٬ ثم أشهر مسؤوليته عن الجريمة٬ وتابع متوعًدا بالمزيد. معروف حمّية هو والُد العسكري اللبناني الشهيد محمد٬ الذي أعدمته جبهة النصرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 برصاصة في الرأس٬ بعدما كانِمن بين العسكريين الذين خطَفتهم في عرسال في أغسطس (آب) من العام نفسه. والفتى المغدور هو ابن الأخ٬ غير الشقيق٬ لمصطفى الحجيري (أبو طاقية)٬ أحد أعيان بلدة عرسال٬ وممن لعبوا دوًرا في المفاوضات بين الدولة اللبنانية وجبهة النصرة٬ لإطلاق سراح بعض الأسرى لدى الجبهة!
قد تبدو المسألة في خطوطها العامة واحدة من قصص الثأر الكثيرة التي تعرفها بعض المناطق اللبنانية٬ والتي لا تزال تحكم شيًئا من علاقات العشائر التي تسكنها! وهي في جانب منها كذلك. فوالد الشهيد حمّية كان لَّوح بالثأر مراًرا لدماء ابنه٬ معتبًرا أّن المسؤول الأول هو «أبو طاقية»٬ على الرغم من توقيف منفذ جريمة إعدام نجله وهو أحد عناصر جبهة النصرة! وحجة حمية تستند إلى أنه في سياق الحرب الأهلية اللبنانية الباردة٬ جرت في بعض الإعلام اللبناني٬ صناعة أسطورة إرهابية من عرسال عامًة ومن أبو طاقية خاصة٬ حتى غدا الرجل هو الزعيم اللبناني الروحي لـ «النصرة»! ذهب الأب المفجوع إلى ما يظنه رأس النبع وشرب من الدم الذي يظنه٬ دم الخطيئة الأساس! لكن المسألة تتجاوز الثأر! حمية الذي مضى في تهديداته بالمزيد من الثأر٬ في مقابل خطاب هادئ لوالد الفتى الحجيري٬ المقتول غيلة٬ فُتحت له قنوات تلفزيونية٬ وأُعطي مساحات من التغطية وأخرى في صدارة نشرات الأخبار «لعقلنة» جريمته وشرح دوافعها وتبرير منطلقاتها! مع ذلك دعونا الآن من الوعظ الإعلامي حيال ما يجوز وما لا يجوز نقله على الهواء! التدقيق في «نص» القاتل المعترف بجريمته٬ معروف حمية٬ يظهر حجم الدمار اللاحق بثقافة «الحق والقوة»٬ في لبنان وعلاقة أصحاب الحقوق والأقوياء والضعفاء بالدولة ومنطقها ومؤسساتها. فهم المسألة من هذه الزاوية سيوقعنا في ارتباك كبير حيال الموقف الأخلاقي من حمية؟ فهل تجوز إدانته؟ أين تنتهي حدود مسؤوليته وأين تبدأ حدود مسؤولية أكبر وأشمل؟ الحقيقة أن «نص» حمية بدا خلاصة كاريكاتيرية لكامل الثقافة التي أرخاها حزب الله على لبنان.

 

لكنها كاريكاتيرية قاتلة ومدمرة.كما أن حزب الله أطلق الرجل على «عمليته» اسًما هو عملية «تحقيق الوعد»٬ مشابًها بذلك عملية «الوعد الصادق»٬ التي نفذها حزب الله قبل حرب عام2006 لكن قبل الشكل٬ برر حمية عمليته وفق مسوغات حزب الله نفسها التي أتاحت له «التعايش» مع الدولة والعيش فيها في آن مًعا. فهو يقول: «لا أعتدي على أحد٬ ولا على أي مظلوم. إلا أنني حرصُت على أخِذ حّقي من مكانه الأساسي٬ أيِمن أبو طاقية». فهو صاحب حق٬ وهو الجهة التي تحدد المعتدين وتقرر العقاب وتنفذه٬ تماًما كما يحدد حزب الله المخاطر التي تتهدد لبنان ووحده يقرر كيفية المواجهة وقرارها وتوقيتها ورقعتها وأثمانها ويفرض الأمر برمته على البقية. وحمية٬ يتلطى لتبرير جريمته٬ تماًما كما حزب الله٬ خلف آيديولوجية «الدولة الضعيفة». يقول: “لو القانون أخذ لي حّقي٬ لم أكن لأجَبر على الوصول لاتخاذ هذه الخطوة (…) عن أي قانون تتحّدثون؟».

اقرأ ايضًا: أهل عرسال يسألون: هل سيتجرأ الجيش ويعتقل معروف حمية؟

كما أن الدولة الضعيفة كانت ولا تزال ذريعة حزب الله لسلاحه ودوره في حروب الإقليم كلها٬ كذلك حمية٬ يستل من هذه الثقافة٬ ما يبرر جريمته: الدولة الضعيفة نفسها والقانون القاصر عن تحصيل الحقوق!أما ذروة الكاريكاتيرية التي يمثلها «نص» حمية٬ بوصفه الانحدار الساحق لثقافة حزب الله٬ فتوجزه العبارة التالية: “لن أسلَّم نفسي٬ أنا بأمر الدولة. أنا تحت القانون ولن أسلّم نفسي»! القاتل المعترف علًنا بجريمته٬ والمتوعد بالمزيد منها٬ والمشيع لأحط أنواع مشاعر الابتهاج بالقتل٬ لا يرى تناقًضا بين كونه «بأمر الدولة» وبين رفضه الخضوع لمنطقها ومنطق قانونها ومؤسساتها الأمنية والقضائية والتي توجب توقيفه فوًرا! كيف يرى ذلك٬ سليل ثقافة عنوانها أن حزب الله جزء من الدولة ومؤسساتها كاملة٬ ومع ذلك يجاهر أنه لن يسلم متهمين بقتل رئيس وزراء «ولا بعد 300 سنة».

أين الفارق بين حمية وحزب الله؟ ألا يتصرف حزب الله على قاعدة أنه «بأمر الدولة»٬ وشريك فيها وفي مؤسساتها وله نواب يحاسبون ويشكلون لجان استماع ويطالبون بتنفيذ القوانين في هذا الملف أو ذاك٬ وفي الوقت نفسه٬ كما حمية٬ يرفضون تسليم أنفسهم للقضاء متى وجب التسليم!! عودوا إلى العنوان الآن: دفاًعا عن القاتل معروف حمية؟! ليس حمية هو المذنب. كلنا مذنبون. ومستمرون بالذنب لأننا نقبل أن نستمر بكذبة «التعايش» و«التطبيع» مع حزب الله وثقافته التي لا يمكن لها إلا أن تفرخ حمية٬ بل «حميات» بيننا. ولأننا كما حمية نشعر بضعف الدولة وترهل مؤسساتها٬ نلجأ٬ كل على طريقته٬ إلى منطق الثأر المباشر أو غير المباشر. ومثل حميةُيخرج هذا الواقع المتوحش أسوأ ما فينا. اغتبط حمية لقتل من يعتبره مسؤولاً عن جرحه. ألم نغتبط حين أذيع خبر مقتل مصطفى بدر الدين المسؤول عن كثير من جراحنا؟ نحن حمية. وحمية نحن. السرطان هو استمرار التعايش مع حزب الله!

(الشرق الاوسط)

السابق
هذه تفاصيل حادثة وفاة سجين في «رومية»
التالي
مبادرة فرنسية لفلسطين… ماذا تعلّمنا من التجربة؟