سبب جريمة حميّة: إحتقار الدولة ونكرانها

الوعي الشيعي المتدين، وحتى في البنى الفقهية التقليدية، لم يهضم فكرة الدولة باعتبارها مرجعية لفضّ أيّ خلاف او نزاع. لأنهّا بنظره لا تملك حقيقة بذاتها. بل الحقيقة في مكان آخر.

اكثر ما يستفز ويقلق في جريمة قتل الشاب حسين الحجيري ابن بلدة عرسال وابن شقيق الشيخ مصطفى الحجيري، هي هذه العلنية التي خرج بها والد الشهيد محمد حمية مؤكدًا أنّه قتل الحجيري وأنّه سيقتل آخرين سماهما بالإسم.

الشهيد محمد حمية الذي قتله تنظيم داعش وأعلن الجيش اللبناني في وقت سابق القبض على من نفّذ الجريمة بالجندي حمية. ولم يكتف والد حمية بقتل الشاب الحجيري، ولا بوضع جثمانه على قبر نجله، بل ذهب إلى ما هو مستفز أكثر، أي الإعلان الصريح والتبجح بتنفيذ الجريمة، ولم يختفِ والد حمية بعد تنفيذ الجريمة ولم ينفِ تورطه ويترك الأمر معلقًا أو يختفي عن الأنظار كالطفار.
يمكن قراءة هذه الجريمة من خلال سياقين، الأوّل يتمثل في ما يتصل بالبنية الإجتماعية التي تنوجد على هامش الدولة، لتشكل هي بذاتها إطار قوة وأمان ذاتي. وفي وضعية ترهّل الدولة تندفع المكونات الإجتماعية المتمثلة بالعشيرة أو العائلة لكي تستعيد قوتها وتصادر مسؤولية الدولة وتتباهى بفعلتها كما حصل أمس مع مقتل الحجيري. وهذا يمثل خطورة هائلة أخلاقيًا وعلى المجتمع وعلى الدولة. تضعف هذه البنى عندما تكون الدولة قوية، وتقوى عندما تضعف الدولة.

حمية والحجيري
السياق الثاني يتمثل في أنّ الوعي الشيعي المتدين، وحتى في البنى الفقهية التقليدية، لم يهضم فكرة الدولة باعتبارها مرجعية لفض أيّ خلاف أو نزاع. لأنّها بنظره لا تملك حقيقة بذاتها. بل الحقيقة في مكان آخر. فوفق ولاية الفقيه التي يتبناها حزب الله لا دولة إلاّ دولة ولي الفقيه. هو أسقط الدولة كمرجعية في نظرة المكون الشيعي. الجهة الوحيدة التي لم تحسم فكرة الدولة ومرجعيتها في لبنان هو حزب الله. فهو خلال كل مراحل نشوئه، وصولاً الى يومنا هذا، تعامل مع فكرة الدولة على أنّها هامش وأنّها أمرٌ طارىء ومفروض وليست هدفًا. وفي ممارساته السياسية دائمًا كانت الدولة إمّا عدوًا أو أنّها ليست المرجعية الصالحة لإدارة المجتمع وشؤون المواطنين. ولم يكن إضعاف الدولة وتهميشها أمرًا مشينًا أو يستحق التوقف عنده. بل ساهم هذا السلوك في ترسيخ الشرخ بين الوعي الشيعي والدولة، كما ساهم هذا السلوك في استعانة المكونات الإجتماعية بنموذج تعاطي حزب الله مع الدولة. لذا لا يجد والد حمية أيّ عيب في التجرؤ والتباهي في الخروج على قواعد القانون والدولة.

إقرأ أيضًا: «جريمة ثأر» عشائرية ردا على «جريمة ارهابية»: أين هي الدولة؟
لعلّ هذه الجريمة تأخذنا إلى هذا المنحى من محاولة تفسير سلوك حمية الوالد. وهذا الإحتفاء بتنفيذ الجريمة في محيطه الاجتماعي والمذهبي. إذ يمكن القول، في سبيل الإضاءة على التعامل مع الدولة كمرجعية، أنّه في سياق الجدل حول العقوبات المالية على حزب الله وما أثارته من إشكالات بين الجهات المصرفية وحزب الله، أنّ الأخير سرّب في وسائل الإعلام أنّه يمكن أن يصدر فتوى دينية شيعية تقاطع المصارف، في سياق تحذير المصارف من تنفيذها العقوبات. علمًا أنّ المصارف ليست هي من يستطيع أن يمنع تطبيق العقوبات. مواجهة هذه الإجراءات بفكرة الفتوى الدينية يكشف هذا الشرخ بين الوعي الديني والدولة ونظمها وآلياتها.
المفارقة أنّ ولاية الفقيه تطابقت مع الدولة في إيران بحيث أنّ مشروع ولاية الفقيه يسخر لصالح الدولة الإيرانية. أمّا في المكون الشيعي العربي، ومنه اللبناني، فلم يحصل التطابق بين ولاية الفقيه والدولة. مشكلة الوعي الشيعي اللبناني الذي يرسخه حزب الله أنّه لم يحسم خيار الدولة كمرجعية فوق كل المرجعيات.

إقرأ أيضًا: قاتل حمية «عدوّ» وقاتل الحجيري «مجرم».. و7 فوارق أخرى
قصة والد الشهيد حمية أحد أهمّ أسبابها تكمن في تعميم ذهنية أنّ الدولة كائن عرفي هامشي، لا يكوّن مرجعية بذاته، بل لدينا مرجعيتنا الدينية ومرجعياتنا الطائفية وبالتالي العشائرية. الدولة في هذا الوعي هي مساحة سلطة ونفوذ لكنها ليست مرجعية، يمكن ان نقاسم الآخرين على مكاسبها لكنها ليست المرجعية.

السابق
بالفيديو.. حمية: يلي بيقتل أبو طاقية بيكون عم يخلص بشرية من جرثومة
التالي
مقدمات نشرات الاخبار التلفزيونية المسائية ليوم الثلاثاء 24-5-2016