المرجع الديني العلامة السيّد محمد حسن الأمين: أدعو الشيعة إلى أن يكون انتماؤهم الوطني لا الديني هو الأساس

يُعبّر المرجع الشيعي العلامة السيّد محمد حسن الأمين عن اقتناع تام بأن الشيعة ليسوا حزباً لكي تكون لهم هوية وطنية واحدة، ويدعو الشيعة المتفرّقين في أوطان متعددة، كلبنان والعراق وسوريا واليمن، والشيعة في الخليج، إلى أن يكون انتماؤهم الوطني هو الأساسي من دون أن يتخلّوا عن انتمائهم الديني الذي لا يُوجب أن يكونوا فريقاً سياسياً . فالشيعة طائفة، ربما توجد من التناقضات داخلها، ما لا يوجد بين طائفة وأخرى.
ولا يُؤمِن أن هناك «مسألة شيعية» لكن ما يبدو وكأنه مسألة شيعية طائفية، مردّه إلى خلل بنيويّ أصاب المجتمع العربي والإسلامي عندما تمّت تنحية العقل جانباً في تاريخ الحضارة الإسلامية، الأمر الذي أثّرعلى موقف الاجتهاد، فأصبحت المذاهب كأنها قبائل. واتكأت السياسة على واقع الانقسام والتعصّب وتشخيص الهوية أن لا مجال لإحدى الهويات أن تكون حاضرة إلا في إلغاء الآخر. وإعادة تصويب الواقع تكون بالعودة إلى المسائل المحورية والمركزية وفي مقدمها قضية فلسطين والتنمية في المنطقة العربية التي يمكنها أن تشكّل محوراً للوحدة بعيداً عن الهوية الدينية.
هو متيقن أن النظام السوري سيسقط إن قريباً أو بعيداً، وإذا كان هناك احتمال 1٪ في استمراره وبقمع انتفاضة الشعب السوري، فإننا نكون قد دخلنا في مجهول تاريخي كبير لا أحد يستطيع أن يتنبّأ بنتائجه المخيفة. وما يقلقه هو الثمن الذي ستدفعه الطائفة الشيعية، ولبنان عموماً، ثمناً لتدخل «حزب الله» في الحرب السورية. العلامة الأمين يرى أن النجف لم تعد المرجعية الشيعية الكاملة. وهناك تطلعات لأن تشكّل قم المحور المركزي، كما كانت النجف في السابق، ولكنه على قناعة بأن هذا ليس سهلاً، فهناك أمور لا تستطيع أن تغيّرها السياسة. وهناك فارق كبير بين ما أنجزته النجف في التاريخ، وبين ما أنجزته قم، وبالتالي ستبقى النجف هي الواجهة الأهم.
وهنا نص الحديث:
○ سماحة العلامة، في رأيك هل هناك اليوم مسألة شيعية؟
• لا أوافق أن هناك مسألة شيعية ومسألة سنية، أو حتى مسألة إسلامية وأخرى مسيحية. إنّ ما يبدو وكأنه مسألة شيعية طائفية، إنما يتعلق بخلل بنيوي أصاب الجسم العربي والإسلامي بصورة عامة، كأمة واحدة، وكمجتمع واحد. وأسباب ذلك متعددة، ليس أقلّها أن الفكر العربي والإسلامي لم يعد اً قادراً على احتمال مسؤوليات الاجتهاد، ذلك أن هناك مساراً إنحدارياً في تاريخ العرب والمسلمين، بدأ تاريخياً منذ تراجعت مسيرة الاعتراف بالعقل، وتعزيز دوره في الرأي الاجتماعي والفقهي وفي الرأي الذي يتعلق بكل شؤون الحياة، فنشأت الاتجاهات القـدَرية التي تعتبر حياة الإنسان مرهونة بأقدار لا يستطيع هو أن يُغيّر فيها بواسطة العقل، الأمر الذي أثّرعلى موقف الاجتهاد، والتمسّك بما قدّمه السلف الصالح من الاجتهادات، والانقسام وتوزّع الأمة على عدد من الاجتهادات. فداخل السنّة، كان هناك «الأحناف» و «الحنابلة» و «الشافعية»، ولدى الشيعة كان هناك الشيعة «الاثني عشرية» و «الاسماعيلية» و «الكيسانية» وغيرهم. هذا التفكّك، في البداية، كان مظهراً من مظاهر الصحة، ومن مظاهر الاجتهاد، ولكن عندما نحيّنا العقل جانباً في تاريخ الحضارة الإسلامية، أصبحت هذه المذاهب كأنها قبائل داخل الكيان العربي والكيان الإسلامي، تُعبّر عن مرض الانقسام واستبعاد العقل كمصدر للمعرفة.
○ هو فقط بعد حضاري؟
• إلى البُعد الحضاري، هناك الأسباب السياسية، حيث أن المجتمع الإسلامي والعربي ما زالا في تطورهما الزمني بعيدين عن المنجزات الحضارية التي تعاقبت في عصرنا هذا، والأنظمة السياسية التي تحكم المنطقة العربية والمنطقة الإسلامية هي أنظمة ما قبل الحداثة وولادة الدولة الحديثة، وهي أقرب إذاً إلى ما نسمّيه بمجتمع القبائل والإثنيات المتعددة والمتناحرة، في آن واحد. إذاً المشكلة في جوهرها حضارية، والسياسة اتكأت على واقع الانقسام والتعصّب، وعلى واقع تشخيص الهوية بأنه إذا كان فلان شيعياً فليست له هوية أخرى، وإذا كان فلان سنّياً فليست له هوية أخرى، وأنه لا مجال لإحدى هذه الهويات أن تكون حاضرة إلا في إلغاء الآخر. هذه الأسباب التي شكّلت ما يسمى بالظاهرة الطائفية في مجتمعنا العربي والإسلامي، والتي جاءت في ظروف دولية وعالمية ذات مصالح حقيقية في أن يستمر المسار التراجعي على مستوى المنطقة العربية والمنطقة الإسلامية، بالرغم من أن هذه الدول، وأعني بها الولايات المتحدة الأمريكية، أي الغرب عموماً، الغرب الأمريكي والغرب الأوروبي، والذي نحن نقيّمه إيجابياً من حيث التطورات التي حصلت في مجتمعه هو، ولكنه ما زال مسؤولاً بالنظرة إلى المجتمع الشرقي على أنه مجتمع متخلّف، وأن هذا المجتمع لا يمكن أن يفهم معنى الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإلى ما هنالك، وأنه من الأفضل أن يبقى المجتمع منقسماً على نفسه، لكي تكون هناك قدرة على السيطرة عليه والهيمنة عليه، وبكل أسف نحن نستجيب لهذا التحدّي ونطأطِئ رؤوسنا، ونمارس هذا النوع من الصراع الذي لا جدوى منه.

إقرأ أيضًا: السيد محمد حسن الأمين: ظاهرة التطرّف تواجه بـ«الإصلاح الديني»
○ هل يمكن ربط بروز المسألة الشيعية بهذه الحدّة، بظهور الثورة الإيرانية، وبالتالي ما كان يمكن أن يكون جمراً تحت الرماد في مرحلة من المراحل طفى إلى السطح، وأصبح لهذه المسألة محفّزها الديني والسياسي؟
• الشيعة تاريخياً كانوا خارج نطاق المسار الإسلامي السلطوي في العصور السابقة (من العصرالأموي إلى العبّاسي فالمملوكي والعثماني) أي خارج منظومة السلطة التي تحكم البلد. هناك نوع من الشعور لدى كثير من الشيعة بأن ما يستحقونه من أدوار سياسية واجتماعية واقتصادية قد حُرموا منها طيلة هذه الفترات المتعاقبة من الزمن على البلاد الإسلامية. لا أستبعد إطلاقاً أن هذا النمو السريع بالهوية الشيعية، وهذا الانفجار في الهوية الشيعية، قد يكون ساعدت عليه عوامل كثيرة، منها أن النظام العربي الجديد لم يكن نظاماً علمانياً بالمعنى الحقيقي، ولكنه أيضا نظاماً طائفياً، والدول التي نشأت بعد الكيان العثماني هي دول في الظاهر جمهورية، ولكنها كانت لا تزال تستند إلى هذا التراث الطائفي السنّي. طبعاً إيران هي بلد شيعي كبير، وامتلاك زمام السلطة في هذه الدولة الكبيرة قد يكون أحد الأسباب التي عززت أكثر فأكثر الشعور بضرورة بلورة الشخصية الشيعية، حتى لو أدى ذلك إلى نوع من الاحتكاك مع الإخوة السنّة في كثير من المناطق، بالرغم من أن هناك اتجاهاً شيعياً اعتـبَر أن الثورة الإسلامية في إيران يجب أن تكون بداية حقيقية لاستعادة وحدة المسلمين. ولكن العوامل السياسية، سواء أكانت من الأطراف الأخرى أم من إيران نفسها، لم تساعد على ما يمكن أن أسميه ضخّ هذا القدر المطلوب من الدمّ الوحدوي بين المسلمين. وتولدت اتجاهات أعتبرها توسّعية ومسكونة بهاجس السلطة وبهاجس الهيمنة، ولا أنفي أن الإيرانيين أيضاً مصابون بهذا العَـرَض، وهذا ما عطّل إمكانية المسار الوحدوي الذي يهمّ المسلمين جميعاً، فحلّ محله ما نسميه التنازع بين إيران والسعودية، بين الشيعة والسنّة، هذا التنازع السياسي الذي نشهده الآن والذي يأخذ شكلاً مؤسفاً عندما يتحول إلى الحرب والقتل والتدمير ومحاولة إلغاء الآخر، وهو ما نشاهده على أرض الواقع.
○ هل من تعريف للهوية الوطنية للشيعة؟
• الشيعة ليسوا حزباً لكي تكون لهم هوية وطنية واحدة. الشيعة طائفة، ربما توجد من التناقضات في داخل هذه الطائفة بالنسبة إلى الانتماء الوطني ما لا يوجد بين طائفة وطائفة أخرى. خذيني أنا كمثال داخل الشيعة، أنا يعتبرونني كمفكر وعالم، لكنني أواجه وأتناقض تناقضاً كلياً مع كل محاولة من محاولات التركيز على الهوية الشيعية. وهناك كثير من الشيعة ممن يعتقدون أن هذا ليس في مصلحة الشيعة ولا مصلحة الوطن، ولا مصلحة القضية القومية والإسلامية على الإطلاق، وبالتالي لا نستطيع أن نصنّف البشر تصنيفاً يُشبه تصنيف الأشياء والمواد، لا نستطيع.
○ ما تطرحه يمكن أن يتعلّق بالمشهد العام. هناك إشكالية اليوم حول الشيعة العرب، يعني الشيعة العرب هم أبناء هذه الدول العربية التي ينتمون إليها، كيف يمكن حماية نسيجهم الوطني، وكيف يمكن إبراز هويتهم الوطنية على تلك المذهبية التي تطفو إلى السطح بمشروع سياسي مغلّف بالدين؟
• هذا أمر بالغ الأهمية وبالغ التعقيد في آن واحد، لست مؤمناً بأن الشيعة المتفرّقين في أوطان متعددة، كلبنان والعراق وسوريا واليمن، والشيعة في الخليج… الكويت والبحرين… إلى آخره، يجب أن يكون لهم اتجاه سياسي موحّد، أؤمن بأن كل شيعي في أي قطر عربي من هذه الأقطار هو جزء من هذا القطر، بمعنى أن الشيعي في البحرين يجب أن يكون جزءاً من حركة وطنية شاملة، ويجب أن يكون جزءاً من البنية البحرينية. في لبنان أيضاً أؤمن بأن الشيعة لا يجوز أن تكون لهم هوية خاصة سياسية تربطهم مع شيعة آخرين في القطيف. أدعو شيعة المملكة العربية السعودية، أن يكونوا سعوديين بمعنى أن ينتموا إلى وطنهم، وأن يكون انتماؤهم الوطني هو الانتماء الأساسي من دون أن يتخلّوا عن انتمائهم الديني، والدين نفسه لا يُوجب على الشيعة أن يكونوا فريقاً سياسياً موحداً بينما هم ينتمون إلى أوطان مختلفة جداً. والحكمة تقتضي أن تتصرّف كل جماعة شيعية وفق المعطيات التي تعيشها داخل وطنها.
○ ولكن المراقب يرى أن هناك الحشد الشعبي في العراق، والحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان، وهناك ظواهر متعددة تنمو، كلها ترتبط بمشروع سياسي وتقدّم الهوية الشيعية على الوطنية.
• لأن طبيعة الصراع القائم في المنطقة، منحرفة عن وجهتها الصحيحة، وجهتها الصحيحة أمران، الأول: هو القضية المركزية الأساسية التي هي القضية الفلسطينية.
○ هذه هي «الشمّاعة»؟
• أنا أتكلم عن الواقع، هم «عملوها شمّاعة» الاتجاه الأوّل المتمثل في القضية الفلسطينية ربما هو المهم، والأهم هو خوض معركة تنمية في المنطقة العربية، هذه هي المسائل المحورية والمركزية التي يمكنها أن تشكّل محوراً لوحدة هذه الطوائف. فعندما تُستبعد هذه الأمور وتصبح هامشية، ماذا يبقى؟ تبقى الهوية الدينية، مع الأسف، فيقوم الصراع على أساس من هذه الهوية الدينية. أنتِ تلاحظين أن هذا نقد قاس لكنه موضوعي. المصلحة هي أن يكون هناك التفاف وتضامن حول المسائل الجوهرية التي تعني الجميع، فإذا أهملنا هذه المسائل المحورية، قضية فلسطين، وقضية التنمية، وقضية الديمقراطية، وقضية حقوق الإنسان، وقضية العدالة الاجتماعية، سنصبح طائفيين، سنصبح غرائزيين. الانتماء الطائفي، هو إلى حد كبير، انتماء غرائزي، بينما الانتماء الوطني والانتماء الوحدوي هو انتماء عقلي، فعندما تنفجر الغرائز تشمل عدداً كبيراً من الناس، فتبدو لهم القضية، قضية انتصار طائفة وقضية هزيمة طائفة، وقضية السيطرة هنا ومنع السيطرة هناك، هذا الذي يحصل مع الأسف.

إقرأ أيضاً: السيّد محمد حسن الأمين: المذاهب المنغلقة تعني انحسار الإبداع لحساب الاتّباع
○ في رأيك كيف يمكن إعادة تصويب البوصلة، وكيف الخروج من هذا المأزق؟ هناك مَن يعتبر أن تقدّم الهوية الشيعية، بحيث أضحى هناك مشروع شيعي في المنطقة تقوده إيران، سياسياً ودينياً؟
• المجتمع العربي والإسلامي ذو كيانات سياسية متعددة، ولدى أكثر هذه الكيانات، وخاصة القوية منها، طموحات قد تُغلّف بالطائفية وبالدين، ولكنها طموحات في جوهرها سياسية، وإيران هي واحدة من هذه الدول التي لا تختلف في طموحاتها عن الآخرين، فهي ترفع شعار أو لواء الشيعة في حروبها، مثلاً وجود إيران في سوريا الآن. أنا شيعي أكثر من الإيرانيين وقبل الإيرانيين، نحن الذين «عملوا» الإيرانيين شيعة، علماء جبل عامل، أنا عندي شعور بأن ما تقوم به إيران في سوريا، أي مساندة النظام الديكتاتوري، يتنافى كلياً مع المبادئ والمفاهيم التي يتضمنها التشيّع كتـيّار يبحث أو يدأب باتجاه تحقيق العدالة والمساواة بين الناس وبين الشعوب، وبالتالي ما يجري هو صراعات سياسية في الواقع، وليس صراعات دينية.
○ هل سماحتكم مِن المراهنين على أن النظام السوري سيسقط؟
• النظام سيسقط إن قريباً أو بعيداً. وإذا كان هناك احتمال واحد في المئة أن هذا النظام سيستمر، وأن انتفاضة الشعب السوري سوف يتم قمعها نهائياً، فإننا نكون دخلنا في مجهول تاريخي كبير لا أحد يستطيع أن يتنبأ بنتائجه المخيفة. سقوط النظام حتميّ لأن بقاءه عكس حركة التاريخ والطبيعة، هذا النظام يُدافع اليوم عن نفسه كي يبقى أكبر مدة ممكنة لكنه سيسقط بالتأكيد.
هناك نوع من التوافق الضمني بين روسيا وأمريكا، لمصالح معينة، على نصرة هذا النظام بهذه الوسائل الهمجية التي تنتج بالضرورة فرقاء هُم مَن نسمّيهم بالإرهابيين أو ما يسمى بالمتطرفين، أو الإسلاميين الأصوليين. تلك الهمجية تُنتج همجية، وهذا يؤثر على الإسراع في نمو المعارضة وانتصارها، إنه يضع عراقيل في وجه هذه المعارضة، ولكن حتى الآن أنا ألاحظ أن هناك صموداً حقيقياً لا تزال معارضة الشعب السوري تمارسه، وأنها مطالبة بطول النفَس والصمود أكثر وأكثر.
○ الكل يتحدث عن أخطار ستنجم عن تدخل «حزب الله» في الحرب السورية على الطائفة الشيعية وعلى لبنان، هل يمكن أن نتلمس للمستقبل هذه الأخطار؟
• أنا أعتقد أن من الأفضل أن يشعر المواطن السوري، إلى أي طائفة انتمى، أن اللبنانيين على الأقل لم يساعدوا عليه بالتعاون مع النظام السياسي في سوريا، هذا أقل ما يطلبه السوريون، مع أن مِن حقهم أن يطالبوا اللبنانيين بأن يكونوا إلى جانب الشعب السوري، فهل إذا سقط النظام وقام نظام جديد في سوريا سوف يتجاهل الدور السلبي الذي لعبه اللبنانيون أو بعض اللبنانيين؟ هناك ما يقارب 80٪ من اللبنانيين ضد أن يشارك «حزب الله» في الحرب في سوريا، ولكن لا يستطيع اللبنانيون أن يمنعوه. ولكن مع ذلك، فهم سيتحملون مسؤولية تجاه الأوضاع التي سوف تستجدّ في سوريا، وهذه النتائج ليست في مصلحة لبنان الذي هو مُطوّق من سوريا وإسرائيل والبحر، فسوريا تُعتبر معبراً حيوياً للبنان وعلاقتها معه حيوية.
○ أين دور المرجعية الدينية مما يجري في العراق؟
• المرجعية تحاول أن تلعب دوراً إيجابياً جداً، ولكن أعتقد أن تأثير هذا الدور محدود رغم الهيبة الشكلية والهيبة الدينية للمرجعية. النجف في عهد صدام حسين تم إضعافها كثيراً. ولكن بعد زوال النظام السابق، وقيام هذا النظام استعادت الشيء الكثير من مهابتها ودورها إلى حد بعيد، لكن في الوقت نفسه أيضاً، لم تعد المرجعية الشيعية الكاملة.
○ بسبب العامل الإيراني؟ وهل هناك تنافس أم صراع مع قم؟
• نستطيع القول إن هناك تنافساً. أحياناً ترتفع درجة التنافس فتؤدي إلى الصراع وأحياناً لا.
○ البعض يعتبر أن هناك توجهاً إيرانياً لإضعاف النجف بحيث تصبح قم هي المرجعية التي قد تكون الوحيدة؟
• أنا أعتقد ذلك، ولكنه صعب وليس سهلاً. هناك تطلعات لأن تشكّل قم المحور المركزي، كما كانت النجف في السابق، لكن هناك أموراً لا تستطيع أن تغيّرها السياسة، يعني جامعة النجف العريقة التي عمرها 1050 سنة وربما أكثر، ليس من السهل اقتلاعها، وأنا ألاحظ أنه حتى الإيرانيين قسم منهم يأتي إلى النجف للدراسة، النجف تحميها هذه العراقة ومشهد الإمام علي بن أبي طالب فيها.
○ كيف يمكن أن تستعيد دورها؟
• الآن هناك محاولات كثيرة، يعني استعادة الحوزة للطلاب والأساتذة وغيرهم، وأنا أميل لأن تبقى النجف هي القاعدة، لأن قم مهما كانت مهمة وفيها إمكانيات ضخمة، ولكن في الوقت نفسه هناك فارق كبير بين ما أنجزته النجف في التاريخ، وبين ما أنجزته قم، وبالتالي ستبقى النجف هي الواجهة الأهم، خاصة وأن الشيعة هم بحاجة إلى مركز ديني غير واقع تحت تأثير السلطة مباشرة، الآن النجف ليست واقعة تحت تأثير السلطة، بينما قم بإمكاننا أن نعتبر أن السلطة تؤثر عليها أكثر، وأنا أفضل أن تكون لدينا مرجعية شيعية غير متأثرة بالسلطة، أن تبقى مهابة من قبل السلطة، وهذا لا ينطبق إلا على النجف.
○ هل أنت متفائل بمستقبل دور المرجعية؟
• كان لي في العراق قبل نحو شهر لقاء مع السيّد السيستاني، المرجع الأساسي للشيعة في العراق، وسألته عن المتاعب التي يواجهها، فشكى من الفساد، وكان أخذ موقفاً غاضباً من السياسيين كلهم، ويرفض استقبالهم، ويرفض إعطاءهم مواعيد، وكأنه في اتجاه أن يُعلن فساد الطبقة السياسية. كنت مرتاحاً إلى أن هـــذا الرجل يمـــلك المعـــطيات الصعبة التي تعترضه في سبيل دور توحيدي للعراق.

السابق
علي الأمين لـ«مدار اليوم»: الوقوف إلى جانب الثورة السورية في لبنان مكلف
التالي
في طرابلس تتنافس 4 لوائح تعرفها؟