«حزب الله» ينسحب من ريف حلب الجنوبي ويعيد انتشاره في سورية

بدأت سورية تسير على سكة الحل السياسي، وبدأ العدّ العكسي لسنوات الحرب التي مرّت فيها، ليدخل التفاهم الروسي – الاميركي «من النافذة» ويمشي على خطاه الرئيس السوري بشار الأسد وكذلك ايران، ليبدأ «حزب الله» اللبناني بإعادة انتشاره في سورية، وسحب أجزاء من القوات المقاتلة من حلب، وأريافها، وبعض المناطق التي لم يعد يعتبرها أساسية أو تشكل السبب الرئيسي لوجوده العسكري هناك.

وتُعتبر خطوة «حزب الله» هذه تاريخية في الحرب السورية، بعدما كان تدخُّله المباشر أثار حفيظة دول المنطقة الداعمة للمعارضة السورية بمختلف أطيافها والتي تتهمه بأنه هو مَن أفشل إسقاط الأسد عسكرياً منذ العام 2013، حين كانت «جبهة النصرة» وحلفاؤها وصلوا الى قلب دمشق وبالتحديد الى ساحة العباسيين – فقلَبَ المعادلة وأخذ الحدود السورية – اللبنانية والمناطق المحيطة والمشرفة عليها وأوقف تقدم المعارضة في حمص وحماة ودمشق والغوطة وأرياف اللاذقية.

ويقول قيادي في غرفة العمليات المشتركة في دمشق لـ «الراي» ان «حزب الله»، الذي يعيد انتشاره في سورية، قرّر البقاء في المدن الرئيسية مثل دمشق ومحيطها وحمص وحماة ودرعا وسحْب قواته التي لم تأت الى سورية لتدخل في عملية السلام الاميركية – الروسية، بل لتستعيد الأرض وتوقف زحف من اسماهم «التكفيريين» (جبهة النصرة، احرار الشام، جند الاقصى، جيش المهاجرين والانصار، داعش، وغيرها).

ويؤكد القيادي ان «حزب الله سيبقى في سورية، إلا انه لن يقاتل في أي منطقة لاستعادة قرية أو طريق أو إرجاع شوارع فَقَدها النظام السوري، لان كل هذا يصبّ في مصلحة تحسين ظروف المفاوضات الدائرة في جنيف بين أطراف المعارضة ودمشق»، موضحاً ان «الحزب لا يريد خسارة أي فرد من أفراده في هذه المعارك التي لم تعد استراتيجية. فاذا أرادتْ أميركا وروسيا ان تقاتلا داعش فلتتفضلا وتتحمّلا وتنفّذا الهدف من خلال حركتهما السياسية والعسكرية، اذ ان حزب الله سيبقى في سورية فقط ليدافع عن نقاط استراتيجية يراها هو مفيدة ومهمّة له، ولن يدخل في عمليات كرّ وفرّ لا جدوى منها، ولهذا السبب فانه لم يسقط أي مقاتل منذ أكثر من اسبوعين، وقبل معركة خان طومان في ريف حلب الجنوبي، لان حزب الله لم يكن حاضراً ولن يكون موجوداً هناك ما دامت الاطراف الرئيسية – ومعها ايران – موافِقة على التفاهم الروسي – الأميركي الذي يقضي بالثبات في وقف اطلاق النار في سورية، والذي تحترمه كل الاطراف في الجنوب والجنوب الشرقي والوسط السوري، ولا يُخرق سوى في جبهات ارياف حلب الجنوبية، وبعض الجيوب الشمالية، والتي تعتبرها الدول المنخرطة في الاتفاق السياسي غير ذات اهمية. وسيتوجه الجميع، بمَن فيهم المعارضة السورية، للخلاص من داعش بالدرجة الأولى في المناطق السورية الشرقية والشمالية الشرقية ويبدأ تضييق الخناق على جبهة النصرة شيئاً فشيئاً».

ويعتبر القيادي ان «اميركا وروسيا اتّفقتا على وقف الأعمال العدائية وان تتكفل اميركا بتأليب الشارع السوري المعارض ضد جبهة النصرة بالتفاهم مع الدول الداعمة للتنظيمات السورية المعارِضة، ليبدأ نوع من الانتفاضة داخل الشارع السوري ضد النصرة، تماماً كما حصل في الأشهر الماضية بين النصرة والفرقة 13، على ان تضمن روسيا عدم ضرب النظام لأي طرف من المعارضة، بما فيها احرار الشام والتنظيمات التي تعتبرها موسكو في صف واحد مع النصرة، وان تلتزم ايران بعدم المبادرة الى الهجوم في أي منطقة سورية بل فقط بالدفاع».

ويؤكد ان اميركا تضغط على روسيا كي تجبر الأسد على عدم قصف مناطق المعارِضة الخارجة عن سيطرة داعش، «الا ان موسكو تطلب من واشنطن فرض انفصال النصرة عن المعارضة لضمان عدم استهداف الجميع. فروسيا تعلم ان اميركا تعاني مشكلة إبعاد المعارضة المسلحة عن النصرة، ولكنها اقتنعت ان واشنطن تستطيع ان تضغط على الداعم الاقليمي – العربي كي يفرض الابتعاد التدريجي عن النصرة». لكنه يستدرك بأن «المسألة اكثر تعقيداً من ذلك. فجبهة النصرة استطاعت دخول عقول وقلوب جزء كبير من المجتمع السوري وفضّلت كل التنظيمات والاحزاب على نفسها وحاولت قدر المستطاع مسايرة الشارع السوري، وكان عناصرها في المقدمة في كل هجوم أو دفاع ولم تأخذ المال المباشر من أي دولة أرادت فرض سيطرتها عليها، بل ان استمراريتها تنبع من دعم القاعدة خارج سورية ومن التبرعات التي تأتي من دول المنطقة والضرائب التي تفرضها داخل سورية والغنائم التي تستولي عليها، وهو ما يجعل قرارها أكثر استقلالية من أي تنظيم سوري معارض دون استثناء. لكن اميركا تعتمد على الوسط السوري السهل التحريك وتنظيمات أخرى تتسلم الأموال من الراعي الذي يملك حق الاستمرارية لعدد لا يستهان به من هؤلاء. وكذلك تعتمد اميركا على قوة انتشار جيش الاسلام في الغوطة وشمال دمشق والذي يخوض حرباً ضروساً منذ اسابيع ضد جيش الفسطاط الذي يضم جبهة النصرة وكذلك ضد فيلق الرحمن، من دون ان يكون احرار الشام جزءاً من المعركة الدائرة، بما يساعد اميركا على فرْض منطقة هادئة شمال دمشق، تماماً كما فرض الاردن منطقة هادئة في جنوب سورية. علماً ان روسيا اعتبرت ان التهدئة الحالية أهمّ من ان تخرقها بعض المعارك الدائرة في جنوب حلب وهي تريد التوصل الى اتفاق طويل مع الولايات المتحدة ما دام رئيسها باراك اوباما في السلطة في الاشهر السبعة المقبلة، والا فان العودة الى الحرب خيار محتمل».
إقرأ أيضًا: مصادر معارضة: قرار إيراني بوقف إرسال مقاتلين لسوريا والعراق
وكشفت مصادر على بيّنة من الوقائع في سورية ان ايران وافقت على انسحاب «حزب الله» من سهل الغاب ومن محيط حلب، وقد تَقرر ذلك في بداية الشهر الجاري عندما أعلنت روسيا – من جهة واحدة – التزامها اتفاق الشراكة الموقتة مع اميركا حول سورية، وأوقفت الحرب وأجبرت حلفاءها المتمثلين بالاسد وايران وحلفاء ايران على وقف المعركة لعدم توافر الغطاء الجوي اللازم.

إلا ان روسيا، أبقت بحسب هذه المصادر، تَواجُدها ومشاركتها في مناطق الصراع ضد «داعش» وهي تضرب ايضاً أي تجمع للمعارضة المسلحة حين ترصدها تتحضّر للهجوم على مناطق ارياف حلب، وكذلك أعلنت انها ستعيد حاملة الطائرات «الأميرال كوزنيتسوف» الى البحر الابيض المتوسط في يوليو المقبل وطلبت من ايران إبقاء قواتها على الارض لاحتمال عدم احترام الأطراف المتصارعة الاتفاق الروسي – الاميركي.

إقرأ أيضًا: خسائر الحرس الثوري في سوريا تعجل بإقصاء قاسم سليماني
وتوضح المصادر ان «حزب الله»، لم يعد يرغب بالاستمرار في الوضع الحالي وهو أعاد تَمرْكزه كي لا يغرق في الوحل السوري، تماماً كما يريد الكرملين الذي يبحث عن مخرجٍ قبل ان تجره سورية الى حرب دون أفق يتصارع فيها الجميع على ارضها. اما ايران فهي لم تمانع ان تبقى في سورية وهي لا تثق باللاعب الاميركي وتحترم خطوة «حزب الله» بالانسحاب من بعض المواقع لتحلّ قواتها وقوات الحلفاء (عراقيين) في الجبهات التي لا تتواجد فيها قوات الحزب، «بانتظار ما ستتمخض عنه الخطوات الأميركية – الروسية، علماً انها على ثقة بان لا جدوى من هذا الاتفاق الذي سيؤدي الى عودة الحرب من جديد لان داعش لم يُهزم بعد ولان النصرة لم تقل كلمتها الأخيرة وهي أصبحت لاعباً أساسياً على أرض الشام».

السابق
هكذا علّق بيار حشاش على نادين نجيم!
التالي
مستشفى صيدا الحكومي يحجز طفلة مقابل 13 مليون..