لهذه الأسباب حققت القوات اللبنانية انتصارها في «القاع»…

الانتخابات البلدية القاع
أن تفوز لائحة مدعومة من القوات اللبنانية في الانتخابات البلدية والاختيارية في أي منطقة مسيحية في لبنان هو بمثابة أمر عادي ويمكن أن يمر مرور الكرام، ولكن أن تفوز لائحة "أرضي هويتي مدى الحياة" المدعومة قواتياً في القاع هو حدث يستحق الوقوف عنده نظراً لتاريخ وجغرافية هذه المنطقة.

تقع القاع في أقاصي البقاع الشمالي على الحدود المتاخمة لسوريا، وهي ثاني أكبر بلدة كاثوليكية بعد زحلة في منطقة ذات أغلبية شيعية تخضع لنفوذ حزب الله.

اقرأ أيضاً: نتائج انتخابات جبل لبنان تظهر تراجع تأثير الأحزاب

في عودة إلى مرحلة الوصاية السورية عانى القاعيون الأمرّين وتعرضوا لأبشع مجزرة عرفها تاريخنا الحديث في 28 حزيران 1978 حيث قامت المخابرات السورية باغتيال 15 شاباً كتائبياً وتصفيتهم بالرصاص كرد سياسي على مجزرة إهدن ومقتل طوني فرنجية.

كان لهذه المأساة وقع كبير على الأهالي الذين بدأوا يستشعرون الخوف على بقائهم ووجودهم الحر مما اضطرهم لمغادرة القرية والنزوح نحو العاصمة بيروت، أما من بقي منهم وتحت التهديد بالموت فقد اضطر أن يصدر بيانات ينفي فيها ارتباطه أو انتسابه لحزب الكتائب اللبنانية أو أن ينخرط في أحزاب (يسارية) كحزب البعث والحزب السوري القومي الاجتماعي.

طيلة فترة الاحتلال كان القاعيون (اليمينيون) يترددون الى القاع بشكل خجول، ولكن أثناء حربي التحرير والالغاء وهرباً من أتون الحرب عادوا الى قريتهم ومكثوا فيها لأكثر من ثمانية أشهر تعرضوا خلالها للمضايقات والاستجوابات من قبل المخابرات السورية.

في عام 2004 حصدت اللائحة المدعومة من القوات اللبنانية في الانتخابات البلدية والاختيارية 10 مقاعد من أصل 15 في المجلس البلدي برئاسة المحامي نقولا مطرمن دون أن تعلن هويتها السياسية، كما دعمت شكلاً من النائب القومي السوري الدكتور مروان فارس من أجل تأمين غطاء أمني وسياسي لها.

في حزيران من العام 2005 أي بعد الخروج المخابراتي والعسكري السوري من لبنان، خاضت القوات اللبنانية أولى معاركها الانتخابية النيابية في عدة مناطق ورشحت لأول مرة السيدة ستريدا جعجع. وكان اللافت حينها أن القاعيين كانوا يفركون أعينهم عند رؤية صور المرشحة جعجع معلقة على جدران القاع غير مصدقين إذا كانوا في حلم أم في علم مستهجنين هذه المشهدية برمتها هم الذين اعتادوا على سياسة الارهاب الفكري التي مورست بحقهم من قبل السوريين.

في عام 2009 رشحت القوات اللبنانية في الانتخابات النيابية ابن القاع الدكتور ميشال سلوم عن المقعد الكاثوليكي في البقاع الشمالي فدعم القواتيون القاعيون هذا الترشيح مع علمهم المسبق بالخسارة أمام محدلة حزب الله. أما الهدف من هذه المعركة هو تأكيد حقهم بالتعبير عن رأيهم واثبات وجودهم كقوة فاعلة على الأرض لها كامل الحقوق بعد سنوات من الاقصاء عن العمل السياسي.

في أيار من العام 2010 نالت اللائحة المدعومة من القوات اللبنانية في الانتخابات البلدية برئاسة المحامي بشير مطر 7 مقاعد من أصل 15 في المجلس البلدي، وقد حوربت لأسباب عدة منها خوف الأهالي من استلام القوات اللبنانية لزمام الأمور في القاع مما يعرض مصالحهم التجارية مع سوريا وعلاقاتهم التاريخية والسياسية مع أهل المنطقة الشيعة للخطر وهذا الأمر عبر عنه القاعيون دوماً في مجالسهم الخاصة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

أما في الانتخابات البلدية الأخيرة الأسبوع الماضي فقد أتت النتيجة مفاجئة للجميع وعلى عكس كل التوقعات إذ فازت لائحة “أرضي هويتي مدى الحياة” المدعومة من القوات اللبنانية برئاسة المحامي بشير مطر ب 14 مقعد في المجلس البلدي من أصل 15 ومختارين من أصل 4 ولتبيان الأسباب التي أدت الى هذا الربح الساحق كان لنا حديث مع عضو اللائحة الفائزة المحامي نقولا مطر.

المحامي بشير مطر
المحامي بشير مطر

أوضح الأستاذ مطر أن لائحة “أرضي هويتي مدى الحياة” استحوذت على الوجدان الشعبي الذي يهفو الى مجلس بلدي منسجم غير منقسم على ذاته وله قوة الاستمرارية، وأضاف أن التقارب العوني القواتي في 2016 والذي لم يكن موجوداً في 2010 قد سهّل عملية التلاقي أقله على مستوى القواعد الشعبية التي لم تعد تأبه للهوية الحزبية إنما تركز على المشروع، العمل والأداء.

كما شدد مطر على أن مزاوجة الخطاب العقلاني مع الأخر الراديكالي الهادئ أضفى على لائحة أرضي هويتي قوة كبيرة فنالت ثقة الناس من حيث العمق،الجدية، الصدقية، الأسماء، العناوين، الأفعال والخبرة، كل هذه المزاياجعلتها تنال ثقة الأغلبية وختم مطر كلامه بالقول أن زمن التابوهات قد ولّى.

أمّا منسق القوات اللبنانية في البقاع الشرقي السيد جورج مطر فقد اعتبر أن “فوز القوات اللبنانية في الانتخابات البلدية والاختيارية في القاع هو تحد بالنسبة للقوات نفسها من خلال اعطاء صورة شفافة وجدية عن عمل الحزب ككل”، وشدد مطر أن “العمل البلدي هو منفصل عن العمل السياسي ولا يمكن أن يؤثر على العلاقات مع أبناء المنطقة”. مضيفاً أن “اللائحة الفائزة تضمحزبيين، مناصرين ومستقلين وهويتها الحزبية لا تتعارض مع العائلات ودورهالأن الأحزاب تنبثق أساساً من العائلات”. كما قال مطر أن “التحالف العوني القواتي كان على مستوى القاعدة وليس على مستوى قيادات الصف الأول” غامزاً من قناة منسق التيار الوطني الحر في بعلبك.

ورأى مطر أن “ما أعطى زخماً للائحة القوات في 2016 هو توحد مناصريها ومحازبيها حول مرشح واحد هو مسؤول القوات اللبنانية في القاع المحاميوبشير مطر”، مضيفاً “أنه في انتخابات 2010 كانت المعركة ضد مرشح كان منتم أساساً لصفوف القوات اللبنانية وفي موقع مسؤولية سابق مما أحدث شرخاً بين القواتيين أنفسهم”.

ما كان يخشاه البعض من القاعين قد حدث وها هي القوات اللبنانية تتربع على عرش المجلس البلدي في القاع بعد سنوات من النضال والكفاح وبعد حقبة طويلة من القمع والاضطهاد، وها هو الرأي العام القاعي يقول كلمته ضارباً بعرض الحقد كل العقد والتابوهات التي زرعها السوري في عقله وفكره.

اقرأ أيضاً: صايغ: لم يكن هدف الكتائب في البلديات كسر تحالف عون – جعجع

لم يعد للهمس مكان، لم يعد للخوف مكان وصناديق الاقتراع تشهد….وبالانتقال من المعارضة الى سدة المسؤولية أمام المجلس البلدي الجديد تحديات جمة وتبقى العبرة في التنفيذ والأيام المقبلة ستزيل كل علامة استفهام…

 

السابق
مصطفى بدر الدين… لم يكن في نزهة حيث قضى
التالي
الأمور معقدّة بين القوات والمستقبل.. فهل يمكن إصلاحها؟