الإنتخابات البلدية في لبنان تفضح السلطة الفاسدة…

ببساطةٍ شديدة، عندما لاح في الأفق بديلٌ ديمقراطيٌّ رؤيويٌّ وكفوء من قوى المجتمع المدني، هبّت هذه القوى للتحالف فيما بينها حمايةً لنفسها.

التغيير في لبنان آتٍ لا محالة، وإن تأخَّر. أحدثُ دليلٍ على ذلك قراءةٌ هادئة لنتائج معركة المجلس البلدي لمدينة بيروت والتي أظهرت جلياً عورات قوى السلطة الفاسدة والمتحالفة حديثاً مع بعضها البعض بعد أن تقاتلت طويلاً على المراكز والمغانم وشرذمت البلاد والعباد طائفياً وقبلياً لسنوات وأغرقتنا في الدمّ والمواجهة والحرب الإقليمية وأوصلت الدولة الى الشلل التام.

اقرأ أيضاً: المستقبل ردًَا على تقرير الجديد: ندفع للمندوبين لا للأصوات

أحسَّ فجأة زعماء هذه القوى والذين إتهموا بعضهم بعضاً لسنوات بالفساد والعمالة والإرتهان للخارج وكل أنواع الشيطنة والقذارة السياسية أن البساط بدأ يُسحب من تحتهم وأن التغيير القادم يهدّد مصالحهم ومصالح ورثتهم من بعدهم، فتحالفوا لحماية مصالحهم وتغطية فسادهم المشترك؛ الصورة باتت واضحة للأكثرية الساحقة من المواطنين “العقلاء”، وهي أن زعماء الطوائف ورؤوساء الأحزاب متفقون فيما بينهم على الشعب ، يعملون على تقسيمه طائفياً ومذهبياً ومناطقياً ليسهل الركوب على ظهره وإستغلاله وإبقائه تحت سلطة الإقطاع بكافة أشكاله القديمة والحديثة. وهكذا يدعمون بعضهم البعض في التوريث السياسي ويعوِّمون بعضهم بعضاً عند أيَّةِ محاولةٍ من قبل قوى المجتمع المدني الفاعلة لإحداث خرقٍ أو تغييرٍ ما.

الإنتخابات البلدية الحالية فضحت عورة المرتهنين للخارج والعاملين على إبقاء لبنان رهينة الصراع الطائفي المشتعل في طول الإقليم وعرضه. لهذا السبب تمَّ الهروب من الإنتخابات النيابية: لأنهم لا يضمنون العودة الى ما هم عليه الآن في المجلس الحالي، يخافون أن تتغير اللعبة فتفاجئهم القوى الحيّة المثقَّفة والواعية والغير مجيّشة طائفياً  وينقلب بذلك السحر على الساحر.

بيروت للبيارتة، بيروت مدينتي، لائحة بيروت…  ليس المهم إسم اللائحة رغم تحفظي على التعصُّب او الجهالة في إختيار بعض أسماء اللوائح ك “بيروت للبيارتة” على سبيل المثال، المهم ماذا ستقدِّم هذه اللائحة من عملٍ بلديّ فاعلٍ وإنماءٍ حقيقيّ وإعمارٍ نوعيّ للمدينة. هل ستحافظ مثلاً على بعض بيوت بيروت التراثية وتحميها من الهدم أم سيكون بين أعضاء اللائحة أحد حيتان المال الذي سيشتري بعض هذه البيوت لإزالتها وإنشاء ناطحات باطونٍ بشعة مكانها. لا يهمني من أية عائلة بيروتية سيكون رئيس اللائحة،ما يهمني أن يعمل من أجل بيروت، عاصمة كل لبنان، عروس المتوسط التي لطالما تفاخرنا بها ولم نعمل على حمايتها من التجار والفاسدين والطامعين.

وهذا ما كتبتهُ لمسؤولي لبنان الشهر الماضي حين إجتاحت بيروت روائح النفايات وأسراب الباعوض والأمراض المعدية:

“يا حيف… يا حيف…

لا تستحقّون بيروت، ولا شواطىء الماس فيها…

لا عطر مجدها، ولا طيب شهدها

لا طهارة مطرها في الشتاء،

ولا روعة شمسها في الصيف…

يا حيف، يا حيف…

بتنا نستحي بكم يا مسؤولي لبنان

بتنا بحيرةٍ من أمرنا،

ماذا نقول لكم يا من سرقتمونا، يا من سرقتم صِبا بيروت منا

وماذا نقول للسائح والضيف…

يا حيف… هي رائحتكم الكريهة وبعوض جشعكم وفشلكم…

هي بيروتنا قتلتموها ، كما قتلتم أحلامنا وهجرتمونا…

يا حيف ويا ألف حيف!!! ”

الكل في أزمة من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب. الناس دخلت مرحلة الصحوة والتغيير في لبنان آتٍ لا محالة… الخروقات في مناطق نفوذ حزب الله من قبل الشيعة المستقلين أكبر دليل على ذلك.

اقرأ أيضاً: الناخبان السني والشيعي: مستاء من قيادتي، لكن أحتاج إليها

لم تستطع كل الأحزاب اللبنانية تحقيق أي تغييرٍ سياسيّ على مستوى لبنان يكون من شأنه رفعة الكيان وإزدهاره ويعزز الدور العروبي لهذا البلد من ناحية الريادة في النمو والإقتصاد كما كان ولسنوات طويلات في مجال الثقافة والأدب والسياحة والفن… للأسف لم يتم التغيير المنشود وإلغاء الطائفية السياسية من أجل الإنتقال بلبنان الى مرحلة الدولة المدنية العلمانية الحديثة ودخل لبنان أتون الحرب الأهلية التي وضعت أوزارها مثبِّتةً النظام الطائفي القائم على المحاصصة وإستغلال الناس تحت ستار حماية الطائفة والذود عنها…

ماذا أنتم فاعلون أيها الطاقم السياسي البالي؟ المطلوب  تغييرٌ جذريّ، نريد وطناً نستحقه ويستحقه أولادنا من بعدنا.

بيروت مدينتي

لائحة “بيروت مدينتي” إنتصرت مع أنها لم تتمكَّن من خرق اللائحة الفائزة لأنها فرضت على السلطة معركة إنتخابية وفضحت عوراتها وأجبرتها على التحالف مع خصومها فتبيّن أن مصلحة المشاركين بالسلطة هي مصلحة مشتركة وضمنياً مستفيدين سوياً من تهميش قوى المجتمع المدني المتحررة من الإصطفاف الطائفي والمذهبي والغير متلوثة بملفات الفساد والسرقة ورهن البلاد الى اللاعبين الإقليميين. فبيروت مدينتي تشكلت من نخبة من الناس قررت أن تُقدِم على التغيير، أن تعطي من خبراتها من أجل الوطن، وهذا ما يجب ان ينطبق على بلديات كل المدن والقرى اللبنانية من أكبرها الى أصغرها… يجب على الناس أن يختاروا من يرونه مناسباً من أجل خدمتهم وخدمة مصالحهم، الذي يعمل على إنماء المدن والبلدات والقرى وليس ما يفرضه الزعيم ليسرق له ويتقاسم معه خيرات البلديات…

لائحة بيروت مدينتي نجحت لأن الفرق بينها وبين اللائحة الفائزة كان فقط ٧٣٢٥ صوتاً بالرغم من نسبة المشاركة المتدنية من قبل الناخبين البيروتيين والتي بلغت حوالي ١٨ بالمئة. الأحرار في لبنان نجحوا لأنهم سيفرضون على المجلس الجديد العمل الجاد للنجاح والإنجاز لأنهم سيكونون له بالمرصاد في المحاسبة والمساءلة لأنهم يطرحون مشروعاً بديلاً واضحاً.

النتيجة الأجمل الذي يتمناها كل حريص أن يكون مثلاً مجلس بلدية بيروت مشكَّل من إختراقات كل اللوائح: هكذا يكون هناك محاسبة وتزاحم ضمني لتقديم الأفضل؛ المحادل مقبرة التغيير ، محادل الجهل والتبعية وإبقاء البلد رهينة التخلَّف، أصبحنا على شفير الإعلان عن نفسنا دولة فاشلة… كذبة اللائحة المتجانسة هي لغة إستئثار لعدم إشراك قوى المجتمع المدني.

هذه النتائج عبّرت عن المزاج العام للمجتمع اللبناني بإمكانية التغيير الديمقراطي من خلال الإنتخابات وضرورة إقامة قانون إنتخابي يراعي مبدأ النسبية. الدرس الأبرز أيضاً أن الإنتخابات النيابية القادمة لن تكون سهلة على القوى الطائفية وأحزاب السلطة.

اقرأ أيضاً: بيروت صوّتت للبلدية سياسيا…وطائفيا!

إبقوا عينكم على الإنتخابات النيابية القادمة؛ من هنا أهمية الإتفاق على قانون إنتخابيّ عادل يحفظ حقوق كل شرائح المجتمع في التمثيل لا يكون على قياس من خطفوا البلد والطوائف من أجل مصالحهم. إستعباد الشعب بطريقة مقنَّعة ما عاد ينفع!

السابق
المحكمة الدولية: مصطفى بدر الدين لم يمت!
التالي
الآن وإلى الأبد المسيحيون ضد الحريري