حزب الله في سوريا بانتظار الأمر : الانسحاب المر أو البقاء الأمّر !

في بداية الثورة السورية، ناشد أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله تنظيم القاعدة لكي يتنبه للفخّ الذي نُصب له في سوريا، وقال: "إنتبهوا،يريدون إستدراجكم إلى سوريا للقضاء عليكم هناك." ، وكان الهدف من هذا التنبيه حينها، هو الحدّ من قدوم المسلحين الأجانب إلى سوريا للقتال ضد النظام.

واليوم، بعد إغتيال مصطفى بدر الدين في دمشق وقبله سمير القنطار بالقرب من دمشق، وقبلهما إستهداف مجموعة القنيطرة التي قضى فيها عدد من قيادات حزب الله الميدانين، من بينهم جهاد عماد مغنية وجنرال إيراني رفيع، بالإضافة إلى مئات وربما آلاف المقاتلين من حزب الله الذين قضوا في الحرب السورية، هذا كله والحرب ما زالت مستمرة وكلفتها تزداد على حزب الله لدرجة تفوق قدرته على التحمّل لأمد طويل.

وعليه، يبدو أنّ الفخ الذي نُصب للقاعدة في سوريا والذي إكتشفه ونبّه منه السيد نصرالله من اليوم الأوّل، يكون بحسب هذا المنطق نفسه، قد نُصب أيضاً لحزب الله ولنفس الأهداف، أي إستدراج حزب الله إلى سوريا والقضاء عليه هناك، وكما تلقى تنظيم القاعدة تنبيهاً من السيد نصرالله ولم يأخذ له، تلقى حزب الله عشرات التنبيهات من خطورة التورط في الحرب السورية، ولم يأخذ بها،  وذهب الحزب  إلى هذا الفخّ بقدميه، ولم ينتبه السيد نصرالله حتى الآن  لخطورة وقوع حزبه في هذا الفحّ الكبير، وتداعيات ذلك على حزبه وعلى شعبه ووطنه.

والأخطر من الوقوع في الفخّ، هو المكابرة والإصرار على الإستمرار في القتال إلى جانب النظام السوري ووضع حزب الله  نفسه في مواجهة الشعب السوري الذي خرج كغيره من الشعوب العربية من أجل التغيير والعيش بحرية وكرامة، بعيداً عن سطوة أجهزة المخابرات، فذهب حزب الله بعيداً في الحرب السورية وصولاً إلى رفع شعار مصطفى بدر الدين “نعود من سوريا شهداء إو رافعين راية النصر الحاسم”، وبما أنّ مرحلة التفاوض بين النظام والمعارضة قد بدأت، بعد خمس سنوات من الحرب الطاحنة، هذا يعني بأنّ النظام والمعارضة أقروا  ضمنياً بأنه لا إمكانية للنصر الحاسم في سوريا، وأن التسوية السياسية آتية لا محالة، وبالتالي، يصبح المتوفر لمقاتلي حزب الله في سوريا ، هو الموت فقط في سبيل تحسين موقع النظام التفاوضي وليس العودة براية النصر الحاسم،  وهذا أمر سيكون مرفوضاً من قواعد الحزب بشكل حاسم في القادم من الأيام، كما هو مرفوض من أكثرية الشعب اللبناني.

حزب الله

لذلك، لن يكون خروج حزب الله من الحرب السورية كدخوله فيها، حيث دخل قوياً واثقاً من النصر السريع والحاسم، وتعزز هذا الشعور عند الحزب وجمهوره بعد معركة القصير ومعركة القلمون الأولى، لكنه تبين مع مرور الوقت بأن ما حدث في القصير والقلمون هو نصر قصير وغير مضمون،  وهو بداية لنفق مظلم ليس له آخر، وليس نصراً حاسماً على الإطلاق، فكانت معركة الزبداني التي طال حصارها وإمتدت معركتها أشهر طويلة، ولم يستطع حزب الله والنظام السوري من حسمها، فإنتهت بإتفاق بين المعارضة السورية من جهة والنظام السوري وحزب الله من الجهة الإخرى، كما أنّ إنفلاش حزب الله في كل المعارك التي تدور على إمتداد المساحة السورية، قلل من فعالية مشاركته قياساً على معركة القصير والقلمون الأولى.

إقرأ ايضًا: روسيا في سوريا… باقية وتتمدد

اليوم أيقن حزب الله أن لدخوله في الحرب السورية أثمانها باهظة لن يستطيع تحملها لوقت طويل، وهو أصلاً لا يملك قرار الخروج من سوريا، لأن هذا القرار الإستراتيجي موجود في طهران، وما على حزب الله سوى التنفيذ، وكل ما يقال عكس ذلك هو مجافٍ للحقيقة.
إستمرار حزب الله في الحرب السورية سيضعفه ويفقده المزيد من إمكانياته وقدراته والكثير من قياداته وعناصره الذين عجز العدو الإسرائيلي عن النيل منهم في لبنان، لكن مشاركة حزب الله في الحرب السورية نالت من الكثير منهم، والعدو الإسرائيلي يشارك في القتل حيناً، ويتفرّج أحياناً، ويحصي أسماء وأعداد من سقط ومن بقي، وهو يتمنى بقاء حزب الله في سوريا حتى آخر عنصر.

إقرأ أيضًا: حزب الله يعلق بالثقب الأسود السوري
بكلّ الحالات، فإنّ بقاء حزب الله في سوريا هو بمثابة إنتحار عسكري وسياسي، لأنه لا أفق لنهاية هذا النفق، أقلّه عسكرياً، وإنسحابه من سوريا اليوم، سيكون  بنظر جمهور الحزب المعبأ بمثابة هزيمة معنوية فعلاً، أما قولاً، فإنّ السيد حسن نصرالله يملك القدرة على إقناع جمهوره بأن هذا الإنسحاب هو إنتصار إلهي، والجمهور بدوره سيصدّق ويصفق كما جرت العادة، فإذا إنسحب،  يكون حزب الله قدّ وفّر على نفسه وعلى شعبه وبلده المزيد من الخسائر، وإذا بقي هناك، فالمصيبة أعظم.
قد يكون قرار الإنسحاب من سوريا اليوم بمثابة تجرع الكأس المرّ بالنسبة للحزب وجمهوره، لكنه يبقى أقل مرارةً من كأس البقاء في سوريا حتى “النصر أو الشهادة”.

السابق
عون: المعركة اليوم تستهدف رمزية جونية عاصمة المسيحيين في لبنان
التالي
«قلبي برج البراجنة»: نتعرض لضغوطات وشعار «المقاومة» يغطي «الفساد»