كيف يساهم القطاع الخاص في وقف تمويل الإرهاب ومنع تبييض الأموال؟

إذا كانت للعمليات العسكرية أهميتها القصوى في مكافحة الارهاب الذي يجتاح المنطقة، فإن لمكافحة تمويل الجماعات الارهابية أهمية مضاعفة خصوصاً وأن حجم تمويلهم تخطى حدود المعقول، بدليل أن الموازنة المالية للدولة الاسلامية بلفت نحو ملياري دولار عام 2015. فكيف يستطيع القطاع الخاص ان يساهم في وقف تمويل الارهاب ومنع تبييض الأموال؟

يؤدي التعاون بين السلطات والقطاع الخاص دوراً مهماً في مكافحة تمويل الإرهاب، إذ يمكن وضع قنوات تواصل على مستوى عال والمحافظة عليها بين الخدمات المتخصّصة في مكافحة الإرهاب وممثلي القطاع الخاص، علماً أن للأخير دوراً رئيسياً في وضع الحلول لمكافحة الإرهاب، اذ ينبغي أن يساهم في تحسين سلامة السلع والخدمات، ومراقبة التدفقات المالية وتعزيز متانة البنى التحتية الأساسية والحاسمة.
من هنا يعتبر رئيس تجمع رجال الاعمال فؤاد زمكحل أن الوسيلة الوحيدة للنجاح وتحقيق الأهداف المشتركة في مكافحة الإرهاب تكمن في وضع نهج شامل في ما يخص الأمن وكذلك تعزيز الحوار والتعاون بين الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص لدعم جهود الحوكمة الرشيدة، خصوصاً حيال مكافحة الفساد وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
ثمة اجراءات كثيرة يمكن أن يقوم بها القطاع الخاص لوقف تمويل الارهاب. ولكن لا بدّ من اتخاذ اجرءات لزيادة شفافيّة جميع التدفقات المالية، بما في ذلك وضع نظام مناسب خاص بالعملات الافتراضية ووسائل الدفع الجديدة. كذلك من الضروري وفق ما يشير زمكحل، تأكيد أهمية العمل المتواصل الذي تقوم به مجموعة العمل المالي لمكافحة تبييض الأموال (GAFI) والتزام المساهمة الفعّالة على هذا الصعيد، مع ضمان تنفيذ المعايير من خلال عملية مراقبة قوية وحازمة.
الى ذلك، من المهم إشراك القطاع الخاص في الجهود المبذولة لمكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة الرشيدة وتجنيده لمصلحة بيئة اقتصادية عادلة وشفّافة. ويرى زمكحل أن مثل هذا الالتزام من بيئة الأعمال مهم جداً لتعزيز الاستقرار والأمن على الصعيدين الوطني والدولي. ومن اجل تحقيق هذه الاهداف، يشير الى أنه ينبغي على الشركات أن تأخذ في الاعتبار المبادئ التوجيهية المحدثة لمنظمة OECD الخاصة بالشركات المتعددة الجنسية. كذلك ينبغي على السلطات المحلية توجيه القطاع الخاص وتوضيح نوع المعلومات التي يمكن مشاركتها مع هذا القطاع وتلك التي لا يمكن مشاركتها معه، وتحديد كيفية استخدامها على الصعيدين الوطني والدولي.
ولتكثيف المكافحة ضد الإرهاب من جميع جوانبه، بما في ذلك مكافحة تمويل الهجمات والشبكات الإرهابية، يقترح زمكحل 3 خطوط عمل: زيادة تبادل المعلومات، مراقبة المعاملات المالية، وزيادة الشفافية من الكيانات القانونية.

ويلفت الى أن من شأن الجزء الأول في هذا العمل “تعزيز الشفافية في المعاملات المالية والكيانات القانونية لكي يصبح الأمر أكثر صعوبة في ما يتعلق بزيادة رأس المال بالنسبة الى الإرهابيين. وتالياً، يجب علينا تعزيز التعاون وآليات تبادل المعلومات على كل الصعد، سواء داخل السلطات المختصة وبين هذه الأخيرة والقطاع الخاص”.

في ما يتعلق بتبادل المعلومات بين السلطات المختصة، يشدّد زمكحل على أهمية “وضع بنية للتعاون تشمل السلطات المالية وهيئات الرقابة المالية، ووزارات العدل والمال والاقتصاد، والمخابرات، والقوى الأمنية. ومن الأهمية كذلك تعزيز مساهمة الأوساط الأكاديمية وعالم الأعمال والمجتمع المدني حيال توعية أوسع على العقبات التي تعترض النمو الاقتصادي، بما في ذلك الحواجز التي تشكل عائقاً أمام دخول السوق والتجارة والاستثمار، من دون أن ننسى الحاجة إلى مزيد من الشفافية لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة والحماية من الإرهاب”.

وفقاً للمبادئ الصادرة عن لجنة “بازل”، ينبغي على المصارف أن يكون لديها سياسات وعمليات كافية (Adequate)، وقواعد إحترازية صارمة (due diligence) عن العملاء لتعزيز المعايير الأخلاقيّة والمهنيّة في القطاع المصرفي ومنع أي مصرف من أن يستخدم في أي أنشطة مشبوهة. ولبنان الذي يلتزم هذه المبادىء يعتبر من الدول المتطورة جداً بمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الاموال وهو يحتل المرتبة الاولى في الشرق الاوسط في تطبيق أنظمة الامتثال، وفق ما يؤكد رئيس مجلس إدارة بنك الموارد مروان خير الدين لـ”النهار”. وإذ يشير الى أنه يسهل على أي مصرف أن يكتشف الكترونياً أي عملية تبييض أموال في أي من الحسابات المفتوحة لديه، يلفت الى أنه في حال الشك في أن احد العملاء يقوم بتبييض الاموال، فإن القانون يفرض عليه أن يُعلم هيئة التحقيق الخاصة في مكافحة تبييض الأموال في مصرف لبنان الذي يدرس المسألة ويتخذ القرار المناسب في شأنها. علماً أن لبنان يطبّق منذ مدة طويلة جميع القوانين الدولية وهو ملتزم القرارات الدولية المتعلقة بمكافحة التبييض وتمويل الارهاب وكان أيضاً مؤسساً في مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF).

وفيما يتخوّف البعض من أن تكون المصارف معبراً لتبييض الأموال وتمويل الارهاب عبر بعض الشركات التي تضع يومياً كميات لا يستهان بها من الأموال النقدية في حساباتها، أكد خير الدين أنه “ما دام مصدر المال معروفاً أو موثّقاً فلا مشكلة في ذلك، فإذا كان العميل صاحب محطة وقود فإنه يتوقع أن تكون ايداعاته نقدية وتالياً لا مشكلة في ذلك. أما اذا كان العميل يتعامل في بيع البضائع بالجملة، فإنه من المتوقع أن تكون عملياته بواسطة الشيكات أو التحاويل، فإذا صودف وكانت العملية التي يجريها بواسطة كميات كبيرة من النقد فإن من حق المصرف أن يسأله عن مصدر أمواله”.

اذا كانت لدى المصارف قوانينها التي تحدّ من عمليات تبييض الاموال ومكافحة الارهاب خصوصاً أن عددها لا يتجاوز الـ 56 مصرفاً، فإن عدد الشركات الخاصة يقدّر بعشرات الآلاف وتالياً ليس من السهل ضبط هذه المسألة على نحو محكم. لذا فإن الاتكال وفق ما يقول الخبير الاقتصادي غازي وزني هو على كل شركة أو مؤسسة في عملية تحمّل مسؤوليتها بالمراقبة الذاتية. فعمليات تمويل الارهاب يمكن أن تتم بسهولة وفق ما يقول وزني، عبر شركات بيع السيارات والسوبرماركت، والكازينو، والمطاعم وتالياً تتركز الأنظار عليها كونها تتعامل بالعمليات النقدية أكثر من غيرها من المؤسسات والشركات. وإذ يشدّد على اهمية التزام كل المؤسسات الخاصة القوانين والتشريعات التي تصدرها الدولة على نحو تام، يشير وزني في المقابل الى ثغرة تتعلق بعدم تحديد الدولة للمبلغ المسموح للمؤسسات أن تقبضه نقداً، علماً أنه في أوروبا اذا كان المبلغ أكثر من 1000 أورو فإنه لا يحق للمؤسسات أن تقبضه الاّ بواسطة شيك أو عبر وسائل الدفع الالكترونية.

(النهار)

السابق
روسيا في سوريا…باقية وتتمدد
التالي
المناصفة «على صوص ونقطة»!