استراتيجية أميركية جديدة لمواجهة بوتين!

أبرزت نشرة ميدل إيست بريفينغ التي تصدر في واشنطن الحاجة إلى استراتيجية أمريكية جديدة في الشرق الأوسط لمواجهة تطلعات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المنطقة.

مستوى العدوانية الروسية لتحقيق مكاسب استراتيجية في هذه المرحلة الإنتقالية، تنذر بإبقاء الولايات المتحدة في موقع دفاعي لبعض الوقت وذكّرت بأنه في عام 2012 كتب المجلس القومي للإستخبارات الأمريكية أن مفهوم فك الإرتباط الأمريكي قد يؤدي إلى زيادة فرصة الصراع داخل الدول، وتراجع القدرة على القيام بدور متعهد الأمن العالمي سيشكل عاملاً أساسياً في المساهمة بعدم الاستقرار.

ربما لم تفهم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تلك الرسالة، إلا أن النتائج سرعان ما أتت من روسيا في أوكرانيا عام 2014 وفي سوريا عام 2016. والرابط بين هاتين القضيتين مفتوح، طالما أن الولايات المتحدة لا تملك مفهوماً واضحاً حيال فك الإرتباط المنظم. وفيما تفرض ضرورات موضوعية تراجع مكانة أمريكا في العالم، كان يجب تبني خطة وتنفيذها في وقت مبكر من أجل تقليل فرص زيادة الخسائر الإستراتيجية العالمية المحتملة.

وبعد أضرار كبيرة، تقول النشرة، ثمة محاولة لتبني خطة كهذه سواء في الشرق الأوسط أو شرق أوروبا. ومع ذلك فإن مستوى العدوانية للتحركات الروسية لتحقيق مكاسب استراتيجية في هذه المرحلة الانتقالية، تنذر بإبقاء الولايات المتحدة في موقع دفاعي لبعض الوقت.

التدخلات الروسية
وفي رأي ميدل إيست بريفينغ أن التفكير الحالي بتطوير دور حلف شمال الأطلسي “الناتو” يمكن أن يبلغ مستوى إنتاج آلية أساسية لملء الفجوة الناجمة عن تراجع أمريكا. لكن في سوريا على سبيل المثال، نشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدرات كافية لإبقاء الناتو بعيداً. وفي الخليج، يجري النقاش حالياً لإيجاد حاجز للحماية، لكن على الدول الإقليمية أن تفهم أن روسيا تتدخل حيث هناك صراع داخلي وانشقاقات اجتماعية. وفي أوكرانيا، دخلت موسكو في النزاع المزعوم بين الإتنية الروسية وبقية الأوكرانيين. وفي سوريا، أفرزت الحرب الإهلية في النهاية نظاماً إقليمياً ضعيفاً طالما منحت الفرصة لبوتين نافذة لإطلاق تحركاته.

وتتوقع النشرة أن “نرى بوتين يفوز من وقت إلى آخر بقطعة هنا وقطعة هناك كي يعيد إلى موسكو ما يعتبره ملكاً لها”، ذلك أن الفترة التي تلت انهيار الإتحاد السوفياتي خلقت مرارة خاصة في الكرملين، وساد اعتقاد أن روسيا سلبت وحرمت من حقوقها وأذلت في كل الميادين المتعلقة بحقوقها الإستراتيجية.

اقرا ايضًا: لعبة الشطرنج الروسي ـ الأميركي على الرقعة السورية

التحالف مع إيران
ولم تمنع المعاهدات بوتين من الذهاب إلى أوكرانيا، والتوقيع على اتفاقات لوقف النار لم بمنعه من دعم الرئيس السوري من أجل انتهاكه بشكل ممنهج. والتحالف الحالي مع إيران يسهل مزيداً من التوسع الروسي في آسيا الوسطى والشرق الأوسط. وكان غزو جورجيا عام 2008 في الحقيقة مؤشراً مبكراً على وجهة نظر الكرملين لدوره التاريخي في استعادة ما أخذ منه بعد انهيار 1991.

وبناء على ما سبق، تلفت النشرة إلى تطورين متوازيين، عدم قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على مستوياتها السابقة من الانخراط من جهة، وسعي روسيا إلى استعادة ما خسرته من جهة أخرى. وهذان المساران يتطلبان خطة خلاقة لوقف روسيا ووضع حد لتهديداتها للدول المستقلة والحفاظ على الإستقرار العالمي، وفي غياب خطة كهذه، فإن هذا المسار المزدوج الذي لا يمكن التنبؤ بنتائجه، سيساهم فعلياً لا في زيادة عدم الإستقرار الإقليمي فحسب، وإنما أيضاً بدور روسي أكثر عدوانية.

وترى النشرة أن الفكرة القائلة إن الراديكالية والجهادية هما تهديدان استراتيجيان لروسيا خاطئة. وتقول إن موسكو ترى فيها تهديداً أمنياً محدوداً، وفي الوقت نفسه فرصة. فالجهاد العنيف يضعف الأمر الواقع في أماكن قريبة من الغرب. وتلعب الطائفية دوراً مماثلاً. ويمكن أن تأخذ الروس إلى العراق أيضاً. وقد أدى التحريض العرقي إلى إيجاد حليف إستراتيجي لروسيا في شمال سوريا وأوكرانيا ومولدوفا وليتوانيا. والضغط بواسطة الطاقة على بلغاريا مثلاً يهدف إلى توسيع الدور الروسي في مناطق تعتبر مهمة. ثم هناك التحرك الجريء لبوتين في سوريا.

خطة تنمية شاملة
ولتحقيق الاستقرار وتسهيل مسار المنطقة للمضي نحو الإصلاح السياسي، تلفت النشرة إلى أن الترتيبات الأمنية المشتركة ليست كافية، ولا بُدّ من خطة تنمية اقتصادية شاملة. بالتأكيد خطة التنمية الاقتصادية الشاملة في منطقة مثل الشرق الأوسط سوف تحدّ من خطر التطرف والإرهاب، وفي الوقت نفسه تحرم الخصوم الاستراتيجيين من الفرص التي تتيحها الفوضى في المنطقة وتحدّ التدخل العسكري التقليدي للولايات المتحدة.

الصين وروسيا
وينبغي أن تشمل هذه الخطة الصين وروسيا. وبذلك تحرم الكرملين من إمكان التوسّع العسكري في المنطقة وتمنح الشركات الروسية الفرصة لتطوير المنطقة. ينبغي النظر إلى التنمية الاقتصادية، ولا الاتفاقات الأمنية، باعتبارها الأساس الرئيسي للاستقرار الإقليمي، ولكن إذا تمّ تنفيذها مع التركيز خصوصاً على نشر الديموقراطية في المنطقة؛ وهذا يعني المشاركة الاجتماعية الشاملة في اقتصاد أي بلد.

وترى النشرة أنه ينبغي النظر إلى خطة التنمية الاقتصادية على أسس دمج مختلف المناطق والطوائف والأعراق في أي بلد من البلدان، محذرة من أنَّ الانقسامات سيكون لها نتائج سلبية على المستوى الاستراتيجي في جميع الجوانب، سواء أكان ذلك ضعف القوى الخارجية، بما في ذلك روسيا وإيران، أو الجهادية والراديكالية أو اللاجئين والأزمة الإنسانية والحروب الدائمة.

حقن مهدئة
وتشير النشرة إلى أنه في سوريا، أعطى بوتين العالم حقن مهدئة عندما أعلن أنه سحب قواته. وبدا بعد فترة أن ما فعله كان مجرد تغيير حجم قواته بالتوازي مع الزخم الجديد الذي سبق له أن قدّمه لحلفائه. كما عزّز بوتين علاقاته مع الأكراد السوريين في حين أن الجميع استغلوهم لإبقاء الأتراك خارج اللعبة.

وبعد سوريا، سيكون هناك هدف آخر في الشرق الأوسط. وتقول النشرة إنَّ أفضل حليف للرئيس الروسي هو عدم الاستقرار. وروسيا لديها مخزون كبير من الطاقة، لكنَّ عدم الاستقرار في الشرق الأوسط هو جزء لا يتجزأ من استراتيجية موسكو الإقليمية.

وتخلص إلى أنه في ظلّ الغياب الحالي لخطة مناسبة، لن تنتظر بعض الدول الاقليمية حتى يأتي إليهم للروس، بل سيذهبون هم طوعاً إلى موسكو. ولذا، على الولايات المتحدة أن تقود الجهود العالمية لتطوير اقتصادات المنطقة. صحيح أنه تمّ إنشاء نمط في شرق آسيا في ظل ظروف معينة، ولكن من الصحيح أيضاً أن اللحظة الاستراتيجية الحالية في الولايات المتحدة وفي المنطقة تتطلب مبادرة جريئة يمكن أن تغيّر مجرى الأحداث في الشرق الأوسط.

(24)

السابق
فوز لائحة شباب لانماء راشيا المدعومة من التقدمي وسعد والعائلات
التالي
تجديد الثقة من تحت يشمل «حزب الله» انتخابات بلدية شكّلت بديلاً من النيابية؟