هادي العبدالله: أنتظر أن أوثّق لحظة استشهادي

كيف يضبط إعلامي الثورة السورية هادي العبد الله انفعالاته، وكيف يوثق جرائم النظام بلباقة الحوار دون أن ينهار أمام فظاعة المشهد، في هذا السياق يشير العبد الله أنّه "بمجازر حلب يبكي أحيانًا بعيد التصوير، وأنّه يتعاطى مع كل القصص التي تحيط به من منطلق انساني لا إعلامي".

هو إعلاميٌّ يعيش بين الموت والجثث، بين الدماء والأشلاء ومشهدية الدمار، يحمل دمه على كفه بروحية الثورة فيواجه البراميل والقصف ومؤامرات النظام. بصوت واثق وعدسة تصوير ينقل الإعلامي في الثورة السورية هادي العبدالله بشاعة الصورة، يوثق مجازر الأسد وحزب الله والمليشيات الإيرانية والعراقية والأفغانية والمرتزقة، ويساهم في صناعة الخبر وفي نقل المشاهد لقلب الحدث.

من حمص، في القصور والخالدية وباب السباع، ثم إلى ريفها كتلبيسة والرستن، إلى القصير نشط هادي صوتًا وصورة، وصولاً لريف حلب، فحلب مؤخرًا، والتي تنقلّ فيها العبد الله بين موت وموت ناقلًا الصورة برباطة جأش رغم صوته الذي يختنق بغصة يتفاعل معها المشاهد.

حرب الإبادة التي يمارسها النظام وحلفاؤه على حلب، حرّكت الرأي العام الشعبي ومواقع التواصل الاجتماعي المتعاطفة مع الثورة السورية، وقد نشط العبدالله في توثيق هذه المجازر، إلا انّ فيديو “حي البستان” الذي فصل بين الإعلامي والشهادة شكّل حالة إعلامية تترجم ماذا يعني أن يؤمن المراسل بالقضية وأن يذهب بها إلى الاستشهاد.

لحظات صعبة وثقها هادي في هذا الشريط كما ورد في دقائقه القليلة: ” في هذه اللحظات يحلق الطيران المروحي فوقنا تمامًا، سوف يقصف، أشهد أن لا إله إلا الله، البرميل الذي كنا نراقب حركته سقط على منازل المدنيين، اختناق بالغبار المتصاعد، البراميل من السماء، قناصات النظام، عشرات البراميل تتساقط”.

كلمات تصوّر المحرقة التي تتعرض لها حلب، والخطر المحدق بها، ولكنها ليست المرة الأولى، فمن ريف حلب لريف حمص، كان العبد الله ينتظر الشهادة، فماذا يقول هادي العبدالله، وما هو واقع حلب والمعارضة، وأين الحلفاء؟

الإعلامي هادي العبدالله وفي حديث مع “جنوبية”، افتتحناه بفيديو “حي البستان” أشار إلى أنّ “المشاهد يرى هذه الصورة صعبة لأنّه بعيد عن الواقع السوري، أما بالنسبة إليه فهو عادي فخلال تغطيته للثورة السورية مرّ بمواقف أكثر خطوة”.

يتحدث العبد الله عن المرات التي كان فيها قريبا من الإستشهاد فيقول “بأيّ لحظة متوقع موت بهيدا الفيديو” ، ليؤكد أنّه في أكثر الفيديوهات التي صوّرها منذ 5 سنوات (بداية الثورة) حتى يومنا هذا كان ينتظر أن يوثق لحظة استشهاده.

من عالم التمريض الى عالم الإعلام والتوثيق، تبدلّت المسيرة المهنية لهادي العبدالله، هذه النقلة يعيدها للثورة السورية وظروفها، فيقول “في البداية كنت أقوم بدوري كمسعف، وفي مدينة القصير كنت ناشطا ميدانيا وأساعد في مداواة الجرحى إذا كان هناك حاجة لذلك، ثم انتقلت للتوثيق والعمل الإعلامي نظرًا للحاجة في نقل الصورة السورية”، مضيفًا، “لم أكن أتوقع أن يتربص بي العمل الإعلامي ويسحبني باتجاهه.”

إقرأ أيضًا: حلب تصرخ «وا معتصماه»

ليس سهلاً أن تكون إعلاميا معلقا بين الموت والحياة، الموضوعية في المجازر وحروب الإبادة مستبعدة، ، فكيف يضبط الإعلامي هادي العبد الله انفعالاته، وكيف يوثق الجريمة دون أن ينهار ، في هذا السياق يشير العبد الله أنّه “بمجازر حلب يبكي أحيانًا يعيد التصوير، وأنّه يتعاطى مع كل القصص التي تحيط به من منطلق انساني لا إعلامي”.

يضيف “أخاف أن أفقد انسانيتي أمام المشاهد، أن أعتاد صورة الدم والموت فلا أعود أتأثر”، ليؤكد، “في حلب اختبرت انسانيتي وعلمت أني ما زلت أتألم وما زالت تلك المشاهد تجعلني أنفعل وأبكي وأتفاعل معها”.

كما ويشير لخطورة العمل الإعلامي في أجواء الحرب، فيقول “العمل بالمجال الإعلامي كالسير في حقل من الألغام قد تخطئ أحيانًا وقد تنقل الرسالة بغير الصورة التي تريد”.

بالعودة لواقع حلب وإن كان هناك من محاولة لاقتحامها، يوّصف العبدالله الوضع يوم أمس الأربعاء بأنّه “أهدأ ولم يكن هناك طيران وإنّما قصف مدفعي بينما يوم الثلاثاء كان هناك طيران وقصف عنيف، والحياة قد تعطلت بأكلمها”، وعن المدنيين الذي رفضوا المغادرة وأصروا البقاء في منازلهم يقول “هم ينتظرون قذيفة الرحمة التي سوف تدفنهم وأسمعهم يرددون (ايران بدا البلد ما حنعطيها البلد)”، ليؤكد على الصمود والقوة عند الأهالي وانّهم أمام تحدٍّ في حلب.

أما عن الحلفاء من العرب “السعودية، قطر، تركيا”، فيقول “هؤلاء الأصدقاء مثل فيسبوك لايك وكومنت (حتى اللايك بطلنا نشوف)”، ليتابع “لا أمل لنا بهم ولا ثقة ولقد عدنا لأول الثورة حيث كنا نقول (ما النا غيرك يا الله)، ببساطة لقد خذلونا وهدروا الدم السوري”.

أما عن المعارضة الخارجية، فيؤكد العبد الله انّ لا ثقة له بها، إلا أنّ “الثورة الشعبية مستمرة وقوية “، معلقًا “بعد 5 سنوات ونحن نحارب النظام وكل دول العالم (روسيا، حزب الله، ايران، افغان، عراق)، إضافة للتواطئ الأميركي وما زالنا صامدين إذا نحن من انتصرنا، هنا النصر”.

إقرأ أيضًا: إطلالة السيد حسن نصرالله مغمّسة بدماء أطفال حلب..

وعن أكثر المشاهد التي أثرت بهادي أثناء تغطيته للحرب السورية، يقول “أكثر موقف كسرلي ضهر هو استشهاد صديقي طراد الزهوري برصاص حزب الله بالقلمون”، مضيفًا “حتى اللحظة لا أصدق أنّه استشهد وربما لو كان أمي أو أبي بدلا منه لما تأثرت كما تأثرت باستشهاد الزهوري”.

الثورة مستمرة، طالما نظام الأسد  الإجرامي لم يسقط، وهادي العبدالله متابع في مسيرته كإعلاميّ على تماس من الموت والشهادة..

فالإعلام ليس مهنة وإنّما هو رسالة وليس هناك أكثر مهنية ممّن يخاطر كل لحظة لأجل نقل الصورة لضمير عربي ودولي ميّت منذ الأزل.

السابق
الأمن السعودي ينفّذ عملية ضدّ «دواعش» في مكة
التالي
بغداد في قبضة ميليشيات «الحرس الثوري»