مخاتير صيدا يكشفون أسرار المهنة ويقولون: لسنا معقبي معاملاتّ!

صيدا
في أيار 2016، ستجري الانتخابات البلدية والاختيارية، وعلى المواطنين انتخاب مخاتير لأحيائهم وقراهم وبلداتهم، ليكونوا وسطاء بين المواطنين والسلطات الرسمية. ومهمة المختار هي مهمة تطوعية وليست وظيفة رسمية. فماذا يجري على أرض الواقع؟

أبصر دور المختار النور أيام السلطنة العثمانية، وكان يلعب دور “المخبر”، إذ كان يتقرب من الناس للحصول على معلومات شخصية عنهم وتفاصيل حياتهم ونقلها إلى السلطات العثمانية كي تكون على علم بكل شاردة وواردة. وأمنت السلطات العثمانية، يومذاك، للمختار الموقع الذي يسمح له بالتدخل لحل مشاكل الحي أو المشاكل العائلية، ولإنجاز معاملاتهم الإدارية بطريقة أسرع. ولأنه إنسان منتخب صار مضطراً للعمل على كسب ثقة الناس ليستمر بلعب دوره والنجاح به. لكن هذا الدور بات يلفه عدد من علامات الاستفهام بعد تحول المختار أحيانا إلى “معقب معاملات”.

قالت المواطنة م.م. : بعد عقد قراني توجهت إلى أحد المخاتير في مدينة صيدا لإنجاز وثيقة زواج وتسجيلها في دائرة النفوس. كانت المفاجأة أنه طالبني بمبلغ 85 ألف ل.ل. لقاء إنجاز المعاملة”.

وأضافت: شعرت بالغبن، وأن المبلغ المطلوب ربما يكون مبالغاً به، لكن اضطررت لدفعه، وعندما حقّقت بالموضوع تبيّن لي أن المبلغ الذي يدفع في هذه الحالة لا يتجاوز 20 ألف ل.ل.

مستغل

وعلا صوت المواطن أ.ر. عندما سألناه عن المخاتير، قائلاً: بعض المخاتير بات بدون ضمير، حيث يعمد إلى استغلال حاجة بعض الناس، كمختار إحدى القرى التي باتت حياً من أحياء صيدا يستغل معاناة اللاجئين السوريين ويفرض على كل من يريد إنجاز وثيقة ولادة مبلغاً يتراوح ما بين المئة ألف ل.ل. والمئة وخمسون ألف ل.ل. وخصوصاً أن هناك مستشفى يقع في النطاق الجغرافي لذلك المختار ش.م. ومن تولد في المستشفى عليها إنجاز وثيقة الولادة عبر ذلك المختار.

صيدا: 23 مختاراً

وفي مدينة صيدا 23 مختاراً ينتخبهم أكثر من 60 ألف ناخب صيداوي مسجل باللوائح الانتخابية، ويقدمون خدمات إدارية لأكثر من 300 ألف إنسان يعيشون في مدينة صيدا بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون والسوريون، يضاف إليهم مخاتير بعض القرى المجاورة للمدينة والتي تحولت تقريباً إلى إحياء صيداوية.

ان عمل المختار، أو الضابط العدلي وهو الإسم الرسمي له، هو عمل تطوعي، ينتخبه الناس ليكون مختاراً للحي أو القرية أو البلدة، وهو شخص ذو موقع اجتماعي مميز ويكون على علاقة واسعة مع الناس ومعرفة بهم، وبات اسمه يطلق على كل من له علاقات اجتماعية واسعة.

مختار صيدا

إقرأ أيضاً:  البلديات.. المعركة إنطلقت والتيار الوطني يناور في بيروت

بدون معاش

قال رئيس رابطة مخاتير مدينة صيدا إبراهيم سعد الدين عنتر: يتحمل المختار مهاماً اجتماعية، أمنية وقانونية، يلعب دور الرابط والوسيط بين المواطن والإدارات الرسمية المختصة بالأحوال الشخصية والدوائر العقارية، وعلاقة المواطن بسلطته تبدأ بمستند (وثيقة الولادة) والمختار هو من يصدر هذا المستند المادي.

وأضاف عنتر: المختار ليس موظفاً ولا يتقاضى أجراً من السلطة الرسمية، كما لا يوجد أي تنظيم وتحديد للرسوم التي يجب أن يتقاضاها المختار. هناك تحديد للرسوم منذ أيام الحكم العثماني، لذلك يجب تطوير القوانين المتعلقة بعمله.

وأوضح عنتر: الرسوم الرسمية والطوابع المطلوبة للمستندات معروفة، وعلى المواطن أن لا يدفع أي مبلغ زيادة عليها إذا كان المواطن سيقوم بملاحقة المعاملة في الدوائر الرسمية. لكن بعض الأحيان يطلب المواطن من المختار إنجاز المعاملة فيتقاضى أجراً للإنجاز.

وحول شعور بعض المواطنين بالاستغلال أو المبالغة في المبالغ المطلوبة، رأى عنتر، أن على المواطن التقدم بشكوى لدى القائمقام أو المحافظ أو مباشرة إلى وزارة الداخلية وعندها يُحال المختار إلى التحقيق.

“الأتعاب” ضرورية

ورفض مختار حي الدكرمان محمد البعاصيري إطلاق صفة معقب معاملات على المختار، وأوضح رأيه قائلاً: أعتقد أن من حق المختار أن يتقاضى أتعاباً ضئيلة: لقاء الخدمات التي يقدمها للمواطنين، لأن المختار يكرس وقتاً طويلاً في خدمة المواطنين وهو بحاجة لأن يعيش حياة كريمة، شرط أن لا يستغل الناس.

وأضاف البعاصيري: بعض المواطنين يطلبون من المختار إنجاز معاملاتهم وتكون بحاجة إلى متابعة في بيروت، مما يدفع المختار إلى زيادة كلفة المواصلات من صيدا إلى بيروت. وأنا أرفض متابعة مثل هذه المعاملات، ومباشرة أعطي المواطن رقم هاتف مكتب يختص بإنجاز مثل هذه المعاملات.

وأشار البعاصيري إلى صعوبة عمل المختار، وخصوصاً أن عليه التأكد من صحة جميع البيانات التي يستلمها من المواطنين، وقد يكون بعضها مزوراً، وفي حال عدم انتباه المختار لذلك فإنه يتعرض للمساءلة القانونية والمحاسبة. لذلك على المختار التدقيق بكل الوثائق والبيانات التي تقدم له.

رابطة مخاتير صيدا
رابطة مخاتير صيدا

إقرأ أيضاً: الغبيري: تجاوزات أدّت لتشكيل لائحة قوية ضدّ لائحة حزب الله

أخلاق المختار

من جهة أخرى أبدى مختار حي السبيل جميل البيلاني أسفه بسبب تدني المستوى الأخلاقي لبعض المخاتير، فعمل المختار هو خدمة الناس وتسهيل معاملاتهم وليس استغلالهم وتقاضي مبالغ كبيرة لقاء إنجاز المعاملات. لكن للأسف وبعد النزوح السوري إلى لبنان استغل بعض المخاتير جهل اللاجئين السوريين للأمور الرسمية اللبنانية وبات يتقاضى منهم مبالغ مالية كبيرة لإتمام معاملاتهم.

وأضاف: ان رتبة المختار في الدولة هي “ضابط عدلي” وله حصانة، لكنها لا تحميه من المحاسبة في حال شارك في تزوير ما، كذلك للأسف لا يوجد قانون يحدد أتعاب المختار، وبالتالي لا يمكن محاسبة المختار عما يتقاضاه من أموال لقاء إنجاز معاملات المواطنين.

عيش وفساد

وأسف مختار حي مار نقولا الياس الجيز لوجود بعض المخاتير في لبنان الذين لا يعرفون القراءة والكتابة. وقال: “سابقاً كان المختار إنساناً اجتماعياً بيته مفتوح لمساعدة الناس وحل مشاكلهم، الآن صارت المخترة مهنة لتأمين العيش، وبعض المخاتير لا يهتم إلا بالمال الذي يجنيه من المواطنين، ومنهم من صار لديه مكاتب وموظفين”.

ولفت الجيز إلى غياب أي دليل رسمي يحدد دور المختار وما يجب أن يقوم به وما يجب عدم القيام به. وعن الفساد الذي يمارسه بعض المخاتير، أوضح الجيز: الفساد مستشرٍ في المؤسسات والإدارات الرسمية، وهذا السبب يدفع بعض المخاتير للمشاركة في الفساد من خلال تقديم رشاوى للموظفين لإنجاز المعاملات بشكل أسرع.

إقرأ أيضاً: محادل «حزب الله – أمل» البلدية انطلقت ولائحة الغبيري أعلنت أمس

انتخابات المخاتير على الأبواب، فهل تبادر السلطات بتعديل القوانين المعنية وتحدد الرسوم التي يجب أن يتقاضاها المختار، أم تترك الوضع على ما هو عليه وتصير ممارسات بعض المخاتير مكملة للفساد السائد؟

ويبقى سؤال أخير: هل ما زلنا بحاجة إلى مخاتير أصلاً؟

السابق
عقتنيت: بين شباب وتقليديين… والاحزاب خارج المنافسة البلدية
التالي
«رؤية» بن سلمان: ما لها وما عليها