خطة الأسد لـ «الانتصار الساحق» بدعم روسيا وإيران… وأوباما

خطورة ما يجري وما سيجري في سورية، ذلك الشعور العميق لدى بعض المسؤولين في دمشق بـ «الانتصار» الممزوج بالريبة من نيات القيصر فلاديمير بوتين. الاقتناع بأن كل العوامل الداخلية والإقليمية والدولية هي لمصلحة النظام وحلفائه، والاعتقاد بأن هناك نافذة من الفرصة، يجب اقتناصها. إنها السنة الأخيرة من عهد إدارة الرئيس باراك أوباما قبل الانتقال إلى إدارة جديدة.

الخطة الحالية في دمشق وطهران أولاً وموسكو تدعمها وفق أولوياتها، تقوم على معادلة صلبة. إيجاد «انجازات» عسكرية وسياسية تكون أمراً واقعاً على طاولة الرئيس الأميركي الجديد.

سياسياً، استخدام منصة جنيف للدفع في اتجاه تسويات سياسية من منطلق أن النظام في الموقع الأقوى. الوصفة، هي تشكيل «حكومة وحدة وطنية موسّعة» من موالين للنظام ومعارضة ومستقلين و «آخرين». تحديد معايير الاختيار، يأتي من دمشق وحلفائها. عملياً، المعارضون، أو بعضهم، من مجموعتي موسكو والقاهرة و «مجموعة حميميم». لا بأس من العمل على شق صفوف «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة. لا مانع أيضاً من بعض الشخصيات العسكرية المعارضة.

المعيار، قبول في أن هذه الحكومة ستشكل بموجب الدستور الحالي للعام ٢٠١٢، وتؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس بشار الأسد. يمكن أن تسمى أنها «حكم» بموجب نص القرار ٢٢٥٤. وتكون مهمة هذا «الحكم» الإشراف على «الانتقال السياسي». أي، العمل على صوغ دستور جديد، كما طلب القرار ٢٢٥٤، بحيث تكون لـ «الدولة» اليد الطولى في تحديد الدستور الجديد. هناك ٢٣ مادة في الدستور الحالي تتحدث عن صلاحيات رئيس الجمهورية. التفاوض يكون على توزيعها. وقتذاك سيكون النظام مستعداً للتخلي عن بعض الصلاحيات التنفيذية والقضائية والتشريعية، لكن ستبقى الصلاحيات الجوهرية، خصوصاً ما يتعلق بالجيش والأمن، في عهدة رئاسة الجمهورية.

وسيكون هناك حرص روسي لإقناع دمشق بالسير في هذه الخطة بحيث تقابل البرنامج الزمني للقرار ٢٢٥٤، وتشكل في الشهرين المقبلين، ثم تنفيذ الوعد الذي أطلقه وزير الخارجية جون كيري في ٢٤ آذار (مارس) الماضي، لصوغ الدستور الجديد في آب (أغسطس) المقبل الذي سيكون أساساً لإجراء الانتخابات المقبلة في حدود سنة من ذاك.

وقتذاك، في آب، الرهان في دمشق وحلفائها، هو أن الإدارة الأميركية ستكون في عجلة من أمرها لتحقيق أي إنجاز في الأزمة السورية، وستكون في موقع أضعف لأسباب داخلية لها علاقة بضغوط من «الحزب الديموقراطي» واقتراب موسم الانتخابات، لذلك فهي ستقبل رسمياً فكرة الموافقة على ترشيح الأسد للانتخابات المقبلة، وستكون في حل من تعهداتها المطاطة لحلفائها الإقليميين والسوريين.

رهان الثلاثي، دمشق – طهران – موسكو، سيكون مدعوماً بـ «إنجازات عسكرية». الأنباء تحدثت أن في دمشق من يعتقد أن الرئيس بوتين في حاجة للرئيس الأسد مثلما الأخير في حاجة للأول. بل أن البعض ذهب إلى حد الاعتقاد بأن «الروس يعملون عنا». لذلك، فإنهم سيقبلون الخطة العسكرية، وهي تتضمن «القضم» وتوسيع تدريجي لـ «سورية المفيدة» خلال مدة سنتين. المطلوب من روسيا تقديم الغطاء الجوي وتقديم الوحدات القتالية الخاصة. لكن في الوقت نفسه، في دمشق اسئلة من مآلات الخطة الروسية وتفاهمات الكرملين مع البيت الأبيض. لذلك، ليس غريباً ان يطلب مسؤولون سوريون من الجزائر التوسط لدى موسكو لاستجلاء نيات القيصر.

اقرأ أيضًا: تحولنا إلى إرهابيين

في هذه الخطة العسكرية، يأتي حصار حلب وقطع خطوط الإمداد مع تركيا وإدلب وحماة. ولا بأس من التنسيق العملياتي مع المقاتلين الأكراد. أيضاً، لا باس من الإفادة من مخاطر «داعش».

لذلك، فإن القصف على حلب ممنهج لإضعاف عوامل الصمود أمام الحصار الآتي. ضرب المستشفيات والمدارس ومحطات المياه والجوامع، كي يشكل المدنيون عوامل ضغط على المقاتلين المعارضين. تكرار تجربة حمص. ضرب، حصار، وتسويات محلية.

عزل حلب عن إدلب، سيمهّد الطريق للمرحلة الثانية القائمة على اتباع سياسة «الأرض المحروقة» في إدلب. وإذا كان وجود عناصر من «جبهة النصرة» كافياً كي تعطي إدارة أوباما الضوء الأخضر لروسيا كي تحاصر حلب عبر الإقرار بصعوبة «التمييز بين النصرة والآخرين» ودعوة الفصائل لـ «الابتعاد» عن «جبهة النصرة»، فإن سيطرة «جيش الفتح»، الذي يضم «النصرة» وفصائل إسلامية حليفة، سيكون كافياً لإعطاء غطاء لتدمير إدلب واتباع نموذج غروزني فيها.

تدمير «داعش» وإضعافه، هما السياسة الوحيدة الواضحة لأوباما. غير ذلك ليس سوى تصريحات سياسية- إعلامية. لذلك، لن تبخل روسيا على أوباما بإعطائه بعض «الإنجازات». ستسمح لقوات التحالف الدولي بقيادة أميركا بتوفير غطاء جوي لتحالف كردي- عربي للسيطرة على الرقة عاصمة «داعش» قبل نهاية السنة، بحيث يكون أوباما قادراً للحديث عن «إنجاز» يوازي إنجاز بوتين باستعادة تدمر. لكن الكرملين لن يعطي هذه «الجائزة» للبيت الأبيض من دون أي ثمن. الثمن، وافقة أوباما على تنسيق كامل بين الجيشين الأميركي والروسي. اعتراف بالندّية. أيضاً، مزيد من الخطوات في «استعادة النظام السوري للشرعية»، أي استعداد لتعاون ما بين واشنطن والنظام.

إلى «الحكومة الموسعة» وعزل حلب وضرب إدلب والتحالف- التنسيق ضد «داعش»، تأتي المصالحات المحلية ركناً أساسياً من هذه الخطة لدعم المسارين العسكري والسياسي. تهدئة في أماكن وتصعيد في أخرى وتسويات حيث الأمر متاح. اذن، الوجبة التي ستقدمها دمشق للمعارضة في جنيف وفي الميدان: حكومة موسعة وفق تفسيرنا للقرار 2254 او «الارض المحروقة» والحصار والسحق. أي، المفاوضات هي كي تقبل المعارضة الاستسلام وليس ان تكون شريكة في الحل.

 

خطة المعارضة

أمام هذه الصورة، تضيق خيارات المعارضة وحلفائها. لكن اتصالات وراء الجدران، تشير إلى مساع لبلورة خطة مقابلة. بعض عناصرها: إعطاء الدعم الكافي للمعارضة المعتدلة كي لا تسحق في السنة المتبقية من إدارة أوباما مع زيادة الانسجام بين الكيانين العسكري والسياسي. وهنا تطرح إمكانية تزويد المعارضة بأسلحة إضافية تعزز «صمودها» وبقاءها في السنة الصعبة وعدم ذوبانها في المتطرف وعدم هيمنة الخطاب المتطرف لتنظيمات مثل «داعش» و «النصرة». ويقبل بعضهم باتفاق وقف العمليات القتالية والمساعدات الإنسانية لتعزيز عوامل البقاء في الأشهر المقبلة.

يضاف إلى ذلك، إجراء مزيد من التنسيق بين «الائتلاف الوطني السوري» المعارض و «هيئة التنسيق الوطني» (معارضة الداخل) للوصول إلى رؤية مشتركة تزيد عن التحالف في «الهيئة التفاوضية العليا». وهناك رهان على إبقاء الانسجام بين «الهيئة» والفصائل المقاتلة في الجنوب والشمال وعدم المجازفة بخسارة التعاون الذي تبلور في الأشهر الأخيرة. هذا هو أحد الأسباب التي دفع «الهيئة» ومنسقها العام رياض حجاب إلى اعتبار موقف الفصائل المقاتلة أساسياً في تعليق المشاركة في مفاوضات جنيف.

تظهر بعض الأصوات المعارضة للدفع نحو عودة «الهيئة» إلى جنيف لـ «ملء الفراغ» وعرقلة خطة دمشق وموسكو لتشكيل «حكومة موسعة» بمن حضر عبر تشكيل قائمة جديدة من المعارضين قابلة بالحل الوسط التجميلي. لكن رهان «الهيئة» يتركّز على «الشارع» و «الفصائل المقاتلة» وعدم المجازفة بخسارة هذا الدعم والحسابات الإقليمية أيضاً. لذلك، لن تقبل العودة الى جنيف مالم يحصل تقدم في الملفات الانسانية والسياسية ووقف القصف. إضافة إلى ذلك، هناك سعي للتواصل مع شخصيات معارضة سنية، لإقناعها بضرورة عدم الانخراط في هذا المشروع الروسي و «عدم إعطاء شرعية سنّية» لهذه الخطة. كسر مشروع الوصول إلى معادلة: حكومة موسعة تضم بعض الشخصيات المعارضة ذات الاعتبار في مقابل «داعش» والمتطرفين على الأرض.

وتتضمن أيضاً، ضرورة أن يجد الرئيس الأميركي الجديد عندما يأتي إلى البيت الأبيض ويشكل إدارته بعد سنة، قوى معتدلة. قوى سياسية وعسكرية لديها رؤية سياسية واقتصادية ودستورية وعسكرية، ولديها تصوّر لسورية الجديدة بحيث تكون شريكاً في البحث عن حل سياسي. هناك رهان أنه حتى لو مضى «المشروع الروسي» قدماً، فإنه محكوم بالفشل بعد بضعة أشهر لأنه لن يعالج القضايا الجوهرية، وأنه عبارة عن تكرار لـ «عقد اجتماعي» انتهت صلاحياته. تشكيل حكومة موسعة بضم شخصيات كانت موجودة في الحكومة في العام 2011، لن يعالج عناصر التمرد والخلل الحقيقية.

التدخّل الروسي فرض واقعاً جديداً. ضيّق الخيارات أو حددها. المعارضة لم يعد مطروحاً لها الانتصار. أقصى ما يمكن هو تحسين شروط التفاوض. النظام لم يعد مقتنعاً بالتسوية حتى بالكلام عن الحل الوسط. لم يعد قابلاً بـ «لا غالب ولا مغلوب». واضح أن هناك سعياً إلى «الانتصار الساحق». مطاردة بعض المسؤولين وهم الانتصار وسقوط سورية في فخ الصراع الإقليمي وطموحات بوتين الدولية، سيزيد من فقدان السوريين قراراتهم… ويفتح الطريق أمام الكثير والكثير من شلالات الدماء في سورية.

(الحياة)

السابق
إنذار إيراني
التالي
حرب: عبد المنعم يوسف تعرّض لأزمة قلبية