«الإسلام والتغريب»: هل الحجاب بدعة في الإسلام؟!

تتفاعل مشكلة الحجاب بتسارع. وتُسَن القوانين لإلغائه في حين يشدد المسلمون على إبقائه كرمز ديني متأصل. الدكتور هادي عيد يتناول في كتابه "الاسلام والتغريب"، الحجاب بنظرة معاكسة لما هو سائد ويتحدّث عما أسماه "بدعة الحجاب" وكيف بدأت وترسخت في المعتقد الإسلامي حسب منظوره.

في الجاهلية، وفي ظل إسلام مكة، كان الحجاب بعيداً عن وجه المرأة وبخاصة في ظل الزواج النصراني بين النبي محمد وخديجة. كانت النساء يستخدمن “الملاءة” أو “النصيف” الذي يغطي نصف الوجه، في حال اتقاء الشمس أو غبار الصحراء. كما كن يرتدين الأثواب المفتوحة عند الصدور حتى نزول الآية الموجبة لكي “يُدنين عليهن من جلابيبهن”(59:33). لكن الحال تغير في المدينة عندما عجّت بيوت النبي التي يدخلها المسلمون أنى شاؤوا، بالعديد من الزوجات. فلفت عمر بن الخطاب نظره لأمر هام: “يا رسول الله، إنه يدخل عليهن (نساء النبي) البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالتستر”… ثم نزلت آية الحجاب.

اقرأ أيضاً: لا حدود لإشارات الحجاب

وكان نزولها ظرفياً ليلة بنائه (زواجه) بزينب بنت جحش. في هذا نترك الرواية للدكتورة بنت الشاطيء في كتابها “نساء النبي” الذي وافق عليه علماء الأزهر: “وأولم رسول الله ليلة قرانه بها وجلست زينب (سافرة مع الرجال) حتى إذا أكمل الجميع طعامهم خرجوا مهنئين إلا ثلاثة منهم طفقوا جالسين يتهامسون ويستسرقون النظر للعروس الحلوة فيما النبي يخرج من البيت منزعجاً ثم يعود إليه آملاً أن يغادر هؤلاء. فعل ذلك ثلاثاً. وحينها نزلت آية “الحجاب” التي تضمنت أيضاً آداب المائدة وأصداء ملاحظة عمر: “يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إنّاه ولكن إذا دُعيتم فادخلوا فإذا طُعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق. وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن…” (53:33).

في دراسة معمقة لهذه الآية، الوحيدة التي نصّت على الحجاب، ندرك أن الكلمة كانت تعني “الستار” أو”العازل” من شعر الإبل أو القصب أو الشراشف الدمشقية والذي كان يوضع على الأبواب المفتوحة ليسمح بالهواء ويحجب النظر. الترجمتان الإنكليزيتان المعتمدتان للقرآن الكريم تتفقان على الساتر والعازل وإن اختلفتا من أية ناحية: هاكم ترجمة يوسف علي:

Yousef Ali translation:

“And when ye ask (his ladies) for anything ye want, ask them from before a screen: that makes for greater purity for your hearts and for theirs…”

تناقض النص العربي لتقول بكل استبصار وكفاءة: “من أمام حجاب”، لأنه لو كان نقاب المرأة هو المعني بالحجاب، لجاء النص العربي مماثلاً أيضاَ: “من أمام حجاب”، إذ أن “وراء الحجاب (النقاب)” هو وجه المرأة وليس الناظر إليها. أما مَن “وراء الحجاب (الساتر أو العازل)” فهو من ينظر إلى المرأة أو من يخاطبها. وهذا هو بالفعل مضمون الآية الكريمة: من وراء ساتر أو عازل وليس النقاب. أما الترجمة الثانية:

Sahih International:

“And when you ask [his wives] for something, ask them from behind a partition. That is purer for your hearts and their hearts..”

فتشدد أيضاً على “العازل” وتستبقي “من وراء” هذا العازل. حيث يضع المتكلم نفسه موضع المرأة.

وزيادة في تأكيد مفهوم كلمة الحجاب بموجب النصوص القرآنية سواء منها المكية أو المدنية التي تعني “الستار”، نرجع لسورة مريم وقصتها: “واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقيا. فاتخذت من دونهم “حجاباً”… (19-16) أو ستاراً تختفي وراءه عنهم. أي أن مريم اختلت بنفسها وقداستها وراء ستار حجبها عن قومها حيث “أرسلنا إليها روحنا..” ما يثبت أن آية الحجاب نزلت لاحقاً لتعني الشيء نفسه: حجب نساء النبي وراء أستار توضع على الأبواب حيث يتم تواصلهن مع الأجانب بالصوت فقط.

الحجاب في فرنسا

حجاب الرأس لم يرد ذكره في القرآن الكريم اطلاقا، اما كيف صار غطاء الرأس امراً إلهياً وبنداً رئيساً في الشريعة الاسلامية فهذا كلام روّجه أوائل الحكّام والأئمة لا يندرج في أي من البنود الشرعية بل هو اختلاق استخدموه بعد أن أتخموا بالزوجات والمحظيات وخافوا عليهن من الفضوليين وكان الحجاب طريقة الإذلال الوحيدة. فالعقلية الجاهلية التي كانت متفشية في صدر الإسلام ولا تزال كذلك لتاريخنا، كان همها لجم المرأة أمام الفحولة الصحراوية التي وهنت مع تعدد النساء. وعليه أتى تفسير الحجاب بالبرقع ليعكس فوقية البدوي الذي يحتفظ “بالصدر” والقوامة فيما “العَجُز” والتبعية للمرأة. ومن الطريف أن هذين مسميان لشطري أي بيت من الشعر العربي!

هذه العقلية مشت عبر العصور الإسلامية تحت هذا الخطأ التفسيري الفاضح، وكرست المرأة المسلمة نكرة في المجتمع بعد أن كانت في الجاهلية صنو الرجل في الكثير من المجالات. والدليل على ذلك تسمية بعض القبائل العربية بأسماء النساء اللواتي كان لهن الظهور الإجتماعي والشخصيات النافذة مثل خزاعة وربيعة وعذرة وكنانة والعديد غيرهن.

في هذه الحقبة من الصحوة الإسلامية المتزامنة مع العولمة، لا بد من إعادة تفسير لآية الحجاب تنطلق من “حقيقة المعنى” بعيداً عن تحميله “جاهلية الفكر” كما جرى ويجري.

اقرأ أيضاً: عن بنات الشيعة والحجاب بدءا من سنّ الخامسة

لقد آن للمُسَلّمات القديمة أن تخضع لسلطان العقل الذي أصابه الوافر من التنوير.

السابق
«المبعث النبوي الشريف» في المجمع الثقافي الجعفري
التالي
كارثة تشيرنوبل النووية