هل يأتي «التغيير العميق» من السعودية؟

"رؤية السعودية 2030"، خطة أعلنها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وتستهدف إحداث تغيير جذري في المملكة العربية السعودية والانتقال من الاقتصاد من القوقعة النفطية الى الانتفاح على سائر القطاعات.

لن تتوقف الأسئلة حيال الثورة التغييرية التي أطلقتها القيادة السعودية الجديدة، على مستوى الإقتصاد والتنمية والمجتمع. فالثابت أنّ الأمير محمد بن سلمان هو واجهة مشروع إعادة صوغ السعودية الجديدة، من خلال برنامجه الثوري: “رؤية المملكة العربية السعودية 2030”. تلك المملكة التي ظلّت، منذ ثورة انتاج النفط فيها، تقوم على بناء دولة الرعاية، حيث الحاكم يملك الارض وثرواتها، والشعب يتلقى الأعطيات والرعاية منه في مقابل الولاء.

طرح الامير الشاب معادلة جديدة انقلابية إلى حدّ كبير تقوم على عقد اجتماعي جديد، لم تتضح معالمه الكاملة بعد. لكن ما قاله الأمير الشاب أنّ الأولوية هي للعمل ومن لا يعمل لا يمكن أن يأكل ويشرب، وأنّ الكفاءة ستكون معيارًا لتولي المسؤوليات في الإدارة العامة.

إدمان النفط هو ما تسعى الرؤية 2030 إلى الشفاء منه. النفط الذي بدأت أهميته بالتراجع في عالم الطاقة، بعد اكتشاف النفط والغاز الصخري، أو بسبب نزوع عالمي نحو استخدام طاقات بديلة متجددة من الشمس إلى الهواء وغيرهما. وبالتالي فإن مرض النفط وإدمانه هو ما تكافحه القيادة السعودية من خلال طموح تنفيذ الخطة التي تترجم هذه الرؤية. فالقطاع العام، الذي يسيطر على الإقتصاد السعودي، سينسحب لصالح القطاع الخاص لترتفع حصة الاخير إلى 60 في المئة من الناتج المحلي.

أما وضع 5 في المئة من قيمة ممتلكات شركة آرامكو، الشركة الأكبر في العالم، ضمن سوق الأسهم السعودي، فهو تحول مهم.. هذه الشركة التي تقدر قيمتها اليوم بنحو الفين وخمسماية مليار دولار، كانت خارج نظام المحاسبة والرقابة والتقييم،. والشعب السعودي لا يعرف كم تنتج وكيف تتم ادارتها وإلى أين تتجه ارباحها، ووضع أسهمها في سوق التداول يجعلها تحت رقابة محلية وعالمية في ظل نظام العولمة.

محمد بن سلمان

الجديد فتح باب الإستثمارات للصناعات وتحديد ما يتلاءم منها مع الاقتصاد السعودي ومتطلباته، وفتح باب الإقامة لغير السعوديين من خلال البطاقة الخضراء، والإنتقال من فكرة أنّ المملكة دولة عمل للوافدين ومكان لجمع الاموال كمقدمة للإستثمار خارجها، إلى فكرة تحفيز الوافدين على العمل والإستثمار من خلال تثبيت نظام الإقامة خارج فكرة الكفيل.
سبق هذه الرؤية خطوتان انقلابيتان في السعودية: وقف السلطة الإستنسابية لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في اعتقال المواطنين، والزام الهيئة بالعودة الى الاجهزة الرسمية، بمعنى الالتزام بمعايير قانونية. وهذا بحد ذاته يضرب احد اركان العلاقة الضمنية بين السلطة السعودية والمدرسة الوهابية في المملكة. وهنا الخطوة الثانية التي تمثلت بإعتقال السلطات الأمنية السعودية للداعية الشهير عبد العزيز الطريفي الذي اعترض على إجراءات تقييد عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إقرأ أيضًا: مجلس الوزراء السعودي يوافق على «رؤية المملكة 2030»
الإنتقال إلى مفهوم الدولة الحديثة والولاء للوطن، وتثبيت مفهوم المواطنة، كبديل عن التوازنات القبلية وسطوة الإيديولوجيا الدينية… هذه الرؤية محفوفة بالمخاطر ومشبعة بطموح التحول العميق في النظام الإجتماعي والإقتصادي، وفي النظرة إلى مفهوم الدولة، من خلال تثبيت قيم جديدة في المجتمع السعودي عنوانها العمل والانتاج والحدّ من سطوة اقتصاد النفط.
لكن سؤالا يبرز في هذا السياق: هل أنّ السعودية في رؤية 2030 تحاول تحصين المملكة والعودة إلى الداخل، والإنكفاء داخل حدودها؟ وهل تواجه “المملكة” الإنكفاء الأميركي في منطقة الشرق الأوسط واهتزاز علاقتها مع الحليف الاميركي بمشروع انكفائي في الأقليم العربي وفي العالم الاسلامي من خلال “السعْوَدة”؟ أم أنّها تفعل العكس تمامًا؟

إقرأ أيضًا:المملكة من عصر الكهولة.. إلى عقلية الشباب

تدرك القيادة السعودية أنّ زمن الجمود وإدارة الظهر للتحولات الإجتماعية والسياسية والإقليمية لم يعد كافيًا، ولا الإكتفاء بالتصدّي العسكري أو الأمني، وأنّ “الربيع العربي” ليس مجرد حراك أمني أو سياسة تخريبية. فالمنطقة العربية، ومن بينها المملكة، في مخاض تغييري يفترض من القيادة السعودية، خلال تصديها عبر نموذج عاصفة الحزم، أن تقدم نموذجًا سعوديًا جديدًا يؤهلها لقيادة المنطقة العربية. وعليها البدء من داخل المملكة. هذا هو أقصر الطرق لإستنقاذ المنطقة العربية من الإختراقات الخارجية ومن النزعات المتطرفة والإرهابية التي تكتسح المجتمعات العربية. نموذج الدولة الحديثة وإعادة صوغ عقد اجتماعي يقوم على مفهوم المواطنة هو السبيل لكبح جماح ظاهرة تدمير الدول بالايديولوجيا والقبلية.

السابق
ذكرى جلاء الجيش السوري عن لبنان تستمر وثورة الأرز تغيب
التالي
ريما كركي مع سهام: شيشة وفنجان قهوة!