بين حركة «فتح» والإمام الخميني

كيف وصل أبو عمار إلى طهران قبل 37 عامًا، السيد هاني فحص يتحدث عن هذه الرحلة وكيف جرت...

خرجتُ من حركة المزارعين بدرس فيه شيء من خيبة الأمل بالأحزاب، ولكن من دون يأس، وفيه فهم جديد لعلاقة المسألة الاجتماعية بالحراك السياسي. مقتنعاً بأن فلسطين هي المشكلة وهي الحل. ولكني كنت أشعر باختلافي بسبب تكويني الحوزويّ الديني. فهل في إمكاني أن أستخدم التمايز في تدبير مدخل ومسلك مختلف، للمشاركة في المقاومة الفلسطينية؟
لم أكن وحدي الذي يحمل هذا الهمّ وهذا السؤال. والتقينا مجموعة مختلفة ائتلفت على فلسطين. وضعنا أطروحة تجمع بين الإيمان والإسلام والعروبة ولبنان والانحياز إلى العدل والفقراء. وانتبهنا إلى أن ذلك يثير علينا اليمين واليسار معاً، والإسلاميين خصوصاً. فمن يحمينا؟

اقرأ أيضاً: الخوف الشيعي من السلاح

وجدنا في حركة “فتح” فضاء يجنّبنا المصادرة والحزبية الضيّقة ويحمينا. فعقدنا مع الحركة سلسلة تعاون وتناصر. نلخّصها بأنّنا تأثّرنا وأثّرنا بعضنا ببعضنا الآخر في حدود، ولكن من دون أن نقع في مرض الحزبية. ولكن الحرب اللبنانية والشراكة الفلسطينية، غيّرتا المؤشرات والمسارات، وأفسحتا في المجال أمام تراكم الأخطاء والانكشافات. وعلى مدى سنتين من الحرب في لبنان، نسينا فلسطين، إلى أن كانت عملية “دلال المغربي”، ثم كانت الثورة في إيران. احتدم الجدل حول الأطروحة، حول المشروع، وما زال محتدماً إلى الآن.
قبل نجاح الثورة، انخرطت في الحزبية. وأصبحت جزءاً من فريق عمل الإمام الخميني في الخارج، وفي كل شيء يتصل بشؤون الثورة والثوار، إعلاماً واتصالاً وثقافة وتدريباً عسكرياً أيضاً، وتزويداً بالوثائق الضرورية في بعض الأحيان. من أتاح لي، أو أملى عليّ، أن أكون ضابط انضباط بين حركة “فتح” وحركة الثورة الإيرانية بكل ألوانها، لكن من دون أن يؤثّر ذلك على لوني الإسلاميّ غير المتحزّب أو غير الفاقع.
وحملت أول رسالة وأول جواب عنها من أبي عمار إلى الخميني. ومن النجف إلى باريس مرّتين. ومن بيروت إلى طهران عبر دمشق، على متن أول طائرة بعد نجاح الثورة مع أبي عمار وأبي مازن وهاني الحسن وآخرين. وبعد دخول معقّد في شبكة العلاقات الفلسطينية الإيرانية التي انتهت من حالة العرس والفرح المشترك إلى حالة اشكاليّة، بسبب اختلاف الحسابات ورغبة أبي عمار في توظيف الرقم الإيراني كاملاً في مشروعه السياسي. ورغبة إيران في توظيف الرقم الفلسطيني كاملاً في مشروعها السياسي الوطني، الذي وجدت أنه لا بد من أن يمرّ في فلسطين، أي من دون مفاوضة أو اعتراف الخ.. وإن كان كل ذلك ممكناً، كما ثبت لاحقاً، رغم كل الخطابات الثورية، خصوصاً عندما صرّح الشيخ هاشمي رفسنجاني للتلفزيون النمساوي سنة 1979، وهو رئيس جمهورية، يقول: “لا نريد حل مأساة الفلسطينيين بمأساة يهودية أخرى، نريد في فلسطين دولة ديمقراطية واحدة يتساوى فيها، حسب تعبيره، المسلمون واليهود والمسيحيّون”.

آية الله الخميني
آية الله الخميني في حديقة منزله بمدينة نوفيل لو شاتو (فرنسا 1978)

ومع الخلاف، انفضّ دوري كضابط ارتباط بين أبي عمار والإمام الخميني. وشعرت من كلام الإمام معي، بأن الفاصل قد أصبح سميكاً، فآثرت السلامة في التخفيف من هذا الدور مع الحفاظ على علاقتي بالطرفين. إلى أن كانت الحرب الإيرانية العراقيّة، وكان لا بدّ لي من أن أكون إلى جانب إيران، بينما رأت “فتح” وأبو عمار المخاطر من زاوية اخرى، وبصرف النظر عمن هو على حق أو باطل، أو من ينتصر أو من ينهزم.

اقرأ أيضاً: مقابلة «حذفتها الرقابة» عن الخصوصية الشيعية للسيد هاني فحص‎

وبعد انخراط كامل لمدة 3 سنوات، ومعي عائلتي في طهران، اكتشفت الوطنية الإيرانيّة، فقرّرت أن أعود إلى لبنان، محاولاً فهمه. مصدوماً بحرب المخيمات، متوازناً بين حركة “أمل” و”حزب الله”، من دون رضى من الطرفين عليّ. وعشت توتّرات المرحلة، مرحلة الصدام بين الحركة والحزب. وكنت من أشدّ الخاسرين فيها، لأعوّض خسارتي باستمرار التوازن والمشاركة المحدودة في تحقيق الائتلاف الانتخابي في العام 1992، على أساس أنه دخول شيعي عميق في بنية الدولة. رشّحت نفسي منفرداً، وتأذّيت كثيراً من سلوك ضدّي لم يكن هناك من داعٍ إليه.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
لارا كاي.. «صدري أكبر شي ما حدا يزايد عليي بالمحبة»!
التالي
بالفيديو.. الشرطة الهنغارية بريئة من ايذاء اللاجئين..