لست افضل من الأب باولو

لنعتبر ان الثورة السورية هي دائرة. هناك من اختار ان يكون خارج هذه الدائرة وهذا حقه، وهناك من اختار ان يكون داخل هذه الدائرة انطلاقا من واجب انساني، اخلاقي، اجتماعي أوسياسي.

انا والكثيرين مثلي اخترنا ان نكون داخل هذه الدائرة وكل واحد منا يقوم بدوره بحسب ما يستطيع، وبحسب ما يملك من خبرة وطاقة. الاب باولو دالوليو أب يسوعي إيطالي عاش في سوريا لعقود وناصر بلا وجل ولا خوف ثورة السوريين.

هو ايضا اختار ان يكون داخل هذه الدائرة. تكلم في المحافل الدولية عن انتهاكات “النظام” للمظاهرات السلمية التى شهدها بنفسه وأزعج النظام فخطط الأخير لإسكاته. طلب رجال النظام منه ذات يوم، التفاوض مع “الجماعات الإرهابية” من اجل الحصول منها على معلومات عن احد رجال الدين المسيحيين المفقودين في حلب. توجه الاب باولو الى الشام بعد ان تواصل مع “الجماعات الارهابية” في الشمال التي كانت تكنّ له كل محبة واحترام. على الطريق من الشام الى حلب اختفى الاب باولو ولايزال مفقوداً الى يومنا هذا. لم يكتف النظام بإسكات صوت الأب الحر بل اتهم “الجماعات الارهابية” بإختطافه وتصفيته.

إقرأ أيضًا: إدعاء على كارول معلوف بقصة الأسيرين .. والحلبي يعلق: «إخبارٌ مضحك»

في اليوم الاول من اندلاع الثورة عمد النظام السوري وحلفاءه الى تصوير الثورة السورية على أنها حرب تشنها مجموعة من الارهابين السنّة على الأقليات في سوريا المتمثلين بالطائفة العلوية المتحالفة مع الأقليات والمقصود هنا كافة الطوائف المسيحية. ما يستفز النظام وحلفاءه في لبنان وجود صحافية لبنانية مسيحية اختارت ان تكون داخل دائرة الصراع بصف الثورة، وهم يحاولون الان إسكاتها كما فعلوا مع الأب باولو. لن يغتالونني بتفجيراتهم؟ ممكن. ولكنهم يوميا يحاولون اغتيالي معنوياً بدّس اكاذيب وبتلفيق القصص للنيل من مصداقيتي ظناً منهم انني سأخاف وأتراجع هلعا . يظنون ان الناس اغبياء يصدقون أكاذيبهم، فتارةً يروجون أنني على علاقة ب”أبو مالك التلي” أمير جبهة النصرة في القلمون منذ كنت اعمل بمشاريع إغاثية لللاجئين السوريين في عرسال. وتارة اخرى أطلقوا شائعة انني تزوجت من امير جبهة النصرة ابو محمد الجولاني لانني تحديت “تمنيات” حزب الله وقمت بمهنية عالية باجراء حوار مع اسرى حزب الله في ريف حلب الجنوبي ونشرت المقابلة على صفحتي الخاصة على يو تيوب. ما لم يستطيعو تحمله انّ صحافية لبنانية مسيحية مثلي على صلة مهنية وجيدة بعدد من قيادات المعارضة السورية المسلحة، بما فيهم جبهة النصرة. لم يتحملوا ذلك، ربما لأن ذلك يعري افتراءاتهم بأن “الأقليات” بخطر، والجماعات التكفيرية تقتل وتنكل بمسيحيين فقط لأنهم مسيحيين، وليس لأن بعضهم وقف بصف الطاغية ضد الاكثرية المحرومة من السوريين، كما هو حال الذين يساندون النظام المستبد من “الاكثرية”

إقرأ أيضًا: عن الخطة (ب) غير الموجودة في سوريا

يوم حاورت الاب باولو كصحفية في عام ٢٠١٢ ، سألته ما رأيك بالاحداث في سوريا أجابني، “هذه ثورة شعب لا بد ان تنتصر ولكن طريق الجلجلة طويل وممتلىء بالصعاب والدم”. تأثرت برده واعجبت بحماسته للثورة وبوقوفه الى جانب الحق على الرغم من كل التهديدات التي احاطت به، الى ان دفع ثمن مواقفه الشريفة والجريئة. انا اليوم لا ادعيّ انني استطيع ان ادفع ثمن مواقفي مثلما دفع الأب باولو، لكنني بالتأكيد احاول ان استلهم منه الصدق والصلابة وجرأة الموقف.

السابق
فاتورة «تفجير المارينز» تثير قلق حزب الله‎
التالي
السيد جواد الخوئي: هاني فحص لم يمثلِ الشيعةَ بل السُّنةَ كذلك