لهذه الأسباب يعتبر الحريري الانتخابات البلدية كنزاً ثميناً

علي الأمين
الانتخابات البلدية هي اختبار يريد تيار المستقبل خوضه ليؤكد للخصوم والحلفاء أنّ الحسابات الشعبية تتعارض وتقسيماتهم السياسية..

الإستعدادات للإنتخابات البلدية شبه مكتملة ولا قلق لدى المعنيين في وزارة الداخلية من جهوزية الوزارة الإدارية والأمنية على هذا الصعيد. كما أنّ قيادة الجيش أعلنت استعدادها لتوفير الشروط الأمنية والعسكرية لإجرائها. في المعيار الإداري والأمني لا عوائق تحول دون إجرائها. وإلى ذلك ثمة جانب يتمثّل في أنّ الاستحقاق البلدي الشهر المقبل هو الاستحقاق الديمقراطي اليتيم في الدولة اللبنانية في ظلّ تعطيل انتخابات الرئاسة من جهة، وبعد تمديدين لمجلس النواب من جهة أخرى. وبالتالي يكتسب استحقاق البلديات أهمية دستورية وقانونية كونه يؤكّد المحافظة على قواعد الديمقراطية، وإن على مستوى انتخاب المجالس البلدية.

ثمّة بعد سياسي لم يعد غامضاً في هذه الانتخابات التي تكتسب أبعاداً سياسية استثنائية. فالثابت أنّ الحماسة السياسية لها غير موجودة عموماً، لاسيما في المناطق الشيعية والسنية، فيما الحيوية الإنتخابية أكثر بروزاً في المناطق المسيحية. ومنشأ الأخيرة أنّ الاجتماع المسيحي لم يزل عصيّا على الاختصار بولاء لجهة سياسية أو تحالف؟ فيما الانتخابات البلدية في الاصل تفرض حسابات عائلية وتعطي دوراً للنفوذ السياسي المناطقي من خلال الزعامات التقليدية او المناطقية، التي لم تغب تماماً عن الساحة المسيحية بخلاف الطوائف الإسلامية.

لكن في جانب آخر ثمّة خصوصية سياسية يبدو أنّ الرئيس سعد الحريري يتحيّن انتهازها في الانتخابات البلدية. فهو من تعرّض لحملة سياسية، من خصومه ومن بعض حلفائه، جاهدت لتثبيت فكرة أنّه بات ضعيفًا داخل بيئته السنية، وأنّ الجمهور الذي أيّده في انتخابات 2009 النيابية تفكّك وتوزّع نحو ولاءات دينية أو اتجه نحو قيادات أخرى. وقد جهدت منظومة 8 آذار الإعلامية في تثبيت هذه الفكرة ودفعت الملايين لتعميمها. وجهدت أيضاً لتثبيت مقولة أنّ العماد ميشال عون هو الزعيم المسيحي الأكثر تمثيلاً والذي يستحق رئاسة الجمهورية.

سعد الحريري اليوم، رغم معاناته من أزمات مالية، ويقال من أزمات “سعودية”، يبدو أمام امتحان جديّ هو الأقسى والأكبر منذ دخوله الحلبة السياسية اللبنانية.

الانتخابات البلدية

سعد الحريري هذا، المثقل بخيبات سياسية من بعض حلفائه، وممن كانوا أصدقاء الأمس، يتعامل مع الانتخابات البلدية كفرصة سياسية، يريد من خلالها التأكيد لمن يعنيهم الأمر، من الأصدقاء والخصوم في الداخل والخارج، أنّه الرقم الصعب في المعادلة السياسية. لذا فهو مرشّح ليكون المقرّر الأوّل في الانتخابات البلدية داخل المدن الكبرى الثلاث في لبنان: بيروت وطرابلس وصيدا. كما أنّه يبدو مرتاحاً لما يجري في زحلة مع حليفته الجديد ميريام سكاف.

لن يدخل الحريري في رهانات قروية وفي بلدات صغيرة وفي تحديد أسماء المختارين. لهذا هو الأكثر حرصاً على إجراء الانتخابات. وهي معركة لن تحتاج إلى جهد غير عادي لتحقيق أهداف سياسية كبيرة. فالرئيس الحريري وتيار المستقبل أمام فرصة إثبات أنّ كل ما يقال عن انكفاء دورهما وتراجعه ليس سوى خيال وأمنيات في أذهان البعض. وأنّ هذه الزعامة ليست طارئة بل راسخة وثابتة.

إقرأ أيضًا: لماذا الإنتخابات البلدية اليوم قبل الغد؟

نظرية “الـ86 % من المسيحيين” التي أطلقتها القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، بعد إعلان تحالفهما، تجد من يهزّها اليوم في الشارع المسيحي. بل يتمنّى أصحابها لو ينساها الجمهور على مشارف انتخابات بلدية قد تشكّل صدمة قواتية وعونية في اكتشاف أنّ حساب الحقل السياسي غير البيدر الشعبي. خصوم هذا التحالف في الضفة الإسلامية أو في ساحة الكتائب والمستقلين والعائلات والبيوتات السياسية المسيحية، يريدون فضح مقولة الـ86 % للبناء على نتائج هذا الفضح لاحقاً، إن في السياسة أو في مفاوضات انتخاب رئيس للجمهورية أو على صعيد تفصيل قانون انتخاب جديد بناء على نتائج “البلديات”.

إقرأ أيضًا: الإنتخابات البلدية: جنبلاط متضايق.. والقوات – عون أمام لحظة الحقيقة
لا ننسى وليد جنبلاط، الذي سيكون “مزروكًا” في القرى الدرزية، مع تنامي نفوذ طلال أرسلان ووئام وهاب، وفي القرى السنية التي يخاصم بيئاتها، وفي القرى المسيحية حيث يريد المسيحيون ما يعتبرونه ملكًا لهم… هكذا يبدو واضحاً أنّ إجراء الانتخابات البلدية، وإن لم تغيّر كثيرًا في خريطة القوى السياسية الحاكمة، إلا أنّها ستكون منصّة لأحاديث سياسية جديدة، ولحسابات مختلفة. وستفرز أحجاما سياسية جديدة ومعطيات قابلة للاستثمار السياسي. جنبلاط سيلمس تشدّدًا حريريًا كان لا يتمناه في أكثر من منطقة، والدكتور سمير جعجع لن يكون بمنأى عن رسائل حريرية مفاجئة له في أكثر من منطقة، أما الجنرال عون فسيبدو أمام انفضاض بعض الحلفاء من حوله، من دون أن ينجح التحالف المستجدّ مع القوات في تعويضه.

الحريري هو الرابح الأكبر، والخاسر هو المتوتّر الأكبر هذه الأيام، وجعجع وعون أمام امتحان صعب جدًا جدًا.

السابق
لبنانيون في «وثائق بنما»: افتح يا سمسم
التالي
لائحة «الغبيري للجميع» لإصلاح ما أفسده المفسدون