أنا سنيّ مصاب بالطائفية.. هل من علاج؟

كتبتُ هنا قبل سنوات مقالاً بعنوان «أن تكون سنيّاً الآن»، وكان هذا العنوان تيمّناً بالمقال الذي كتبَته الدكتورة ليلى فياض قبل ذلك بعنوان «أن تكون شيعيّاً الآن». من حيث المبدأ هذان العنوانان حقيقتان ويقدّمان إشكالية المواطنية اللبنانية الطائفية لأنّ كلّ لبناني طائفي. يعني كاتب هذه الكلمات سنيّ لبنانيّ بشكل عام، وسنيّ بعلبكيّ بشكل خاص. وهناك فروقات كثيرة بين أن تكون سنيّاً من بيروت أو سنيّاً من طرابلس أو الكورة، وهي قد تصل الى حدّ الاختلاف في معظم المكوّنات الشخصية للفرد السنيّ بين منطقة واُخرى من لبنان.

هذا الاختلاف لا يخصّ الفرد السنيّ فقط، لأنّ التباين المناطقي أمرٌ واقع داخل كل الطوائف اللبنانية. وهذا التمايز له امتيازاته ومغانمه ومظالمه واستتباعاته وتمرّداته. وهذا التباين لا يتوقّف عند اختلاف المناطق لدى الطوائف، بل يتعدّاه الى أبناء المنطقة الواحدة من الطائفة الواحدة، إذ يعاد تشكيلهم على تباينات أخرى، من عائلات وأحزاب وسادة واتباع. فالطائفية اللبنانية هي أشبه بمجتمع الأسماك الذي يأكل فيه الكبار الصغار.
لا أعرف كيف أصبحتُ سنيّاً سياسياً، فالأمور لا تخضع للاختيارات لأنّ الآخر يحدّدك قبل أن تحدّد ذاتك. وأنا قد حدّدتُ الآخر طائفيّاً من دون أن أسأله. أمّا على مستوى الخيارات السياسية، فمن البديهيّ أن أكون عروبيّاً لأنني نشأت في منطقة يذهب سكّانها الى دمشق لملاقاة عبد الناصر في كلّ زيارة، ويغنّون في الأعراس «بعلبك زهرة سوريا». وذلك الهوى كان لدى السنّة والشيعة في بعلبك، مما شجّع على التوسّع في هذا الانتماء السياسي، مع تجلياته وهزائمه، من الشهابية واليسارية والوحدة والانفصال وهزيمة حزيران الى المقاومة الفلسطينية.

اقرأ أيضًا: بئس الموارنةُ والسنّةُ والشيعةُ أيضاً
بعد اندلاع الحرب الأهلية والدخول العسكري السوري واغتيال كمال جنبلاط، كنتُ مدرِكاً لهزيمتي السياسية، لأنّ الحرب عدوّة السياسة، وعندما تنوجد الأولى ينتفي وجود الثانية. والعكس صحيح أيضاً فالحرب الأهلية ومنذ دقائقها الأولى قضت على الحياة السياسة بشكل تام، وعشيّة ١٣  نيسان كنّا نستطيع أن نقول عن السياسة في لبنان «لكم من بعدها طول البقاء»..
كنتُ هامشيّاً طوال أيّام الحرب الأهلية حتى وقوع الاجتياح الإسرائيلي وخروج منظمة التحرير واغتيال بشير الجمّيل. عندها كان الموارنة والسنّة الخاسر الأكبر، وسقطت الدولة من بين أيديهم للمرّة الثانية. تلك الهزيمة كانت بمثابة رافعة لإعادة تجميع كلّ من الطائفتين. واستقبلت طوائف المركز أبناء المناطق كشركاء في الخسارة، رغم أنّهم لم يكونوا يوماً شركاء في الأرباح الطائفية من مناصب رئاسية ووزارية وإدارية وأمنية ودبلوماسية وقضائية ودينية ايضاً. واستطاع رفيق الحريري خلال سنوات قليلة أن يعوّض الكثير من ذلك الحرمان الذي كان قد بدأ يأخذهم الى اليأس والتطرّف، ونجح في إخراجهم من طائفيتهم وإعادتهم الى فكرة الدولة والكيان، وهذا حقيقة ما تمّ التّعبير عنه بعد الإغتيال.
الموضوع الآن هو أنّ كلّ العقلاء والعلماء والخبراء يعتقدون بأنّه لا قيامة للدولة في لبنان مع الطائفية السياسية. وهذا لا يحتاج الى دليل أو إثبات، فالطائفية تسبّبت بكلّ الكوارث والأهوال التي تعرّض لها لبنان، وهي مانعة للتقدم والانتظام العام والاستقرار والازدهار، في حين أنّ الإيمان بالله عزّ وجلّ هو من أجل خلاص وسلامة الإنسان. أمّا الطائفية السياسية فهي المرض العضال المصاب به كلّ لبنانيّ وكلّ لبنانيّة. وأنا أيضاً مصاب بهذا الداء، وأعتقد أنّ نصف العلاج من كل داء هو طلب المريض للعلاج.
لذلك يسعني القول «أنا سنيّ مصاب بالطائفية.. هل من علاج؟».

(اللواء)

السابق
هكذا سيكون طقس نهاية الأسبوع
التالي
مهزلة الانتخابات التشريعية لنظام الأسد!