وفجأة رأيت شيئاً من ذراعي يتدلى

محمد المقداد حين يتذكر الحرب ينظر إلى ما كانت ذراعه ويضحك، ويقول: "هذه بصمة الحرب التي ذُقت وعلّمت"

وكنتيجة حتمية لأجواء الحرب التي ولدت خلالها والتي اكتسحت أحاديث الناس وتصرفاتهم. اكتشفت ان كل المعارك والحروب التي كنا نخوضها نحن رفقاء الطفولة، حاملين أسلحتنا الخشبية ما هي إلا لعبة. الحروب الحقيقية بحاجة إلى ضحايا حقيقيين في حين أنّنا عندما كنا نلعب لعبة الحرب (العسكر) كنّا نموت الاف المرات ونحيا ألاف المرات وفي بعض الأحيان نضحك ونضحك. كيف أعرّفكم عن نفسي؟ ربما بشكل بارد خصوصاً وأنّ الحادث قد مرّ عليه ما يقارب الـ26 عامًا .

إقرأ أيضًا: حرب 1975: ركاب البوسطة اللبنانية لم يتغيروا …هرموا فقط

اذاً، انا محمد المقداد من بلدة لاسا، أصبت إبان الحرب الأهلية بقذيفة سقطت على منطقة حارة حريك. أذكر كل ما حصل بتفاصيله المملة. الزمن لا يتوقف كثيراً عندما ندخل دائرة الموت والقذائف ونصير جثة ذات رقم مجهول تحت أقدام الجيوش. عندما يقوم اصحاب المدافع بإستهدافنا بشكل مباشر ينقلب الوقت على نفسه ويبدأ بالدوران بسرعة هائلة.

كنت ألعب مع أصدقائي حين سقطت القذيفة. للوهلة الاولى اختفى صوتي وابتلع الدمار صوتهم ثم غرق المكان باللون الأسود وانسحب الهواء.  هذا بحدّ ذاته ما تفعله القذائف الحربية عندما تسقط على اي مكان يتواجد به سكان. لقد دفعتني القذيفة الى جانب الحائط، فألقيت برأسي على الأرض ثم رفعته.

لم استطع التحرك لدقائق وشعرت أنّ دواراً مزعجاً أصاب جسدي ودخل بدني بخدر الكامل، ولكني تمكنت وللمرة الأولى أن ألتمس اللحظات الهمجية للحرب.

إقرأ أيضًا: لم تنته الحرب الأهلية…

لحظات قليلة وامتلأ المكان بالصراخ. نظرت الى ذراعي التي كانت قد قطعت من الكتف وكان ما تبقى من الذراع يتدلى ممسكاً بقطعة جلد لم تعد هي الأخرى صالحة للحياة. انا تركت قسماً من نفسي في تلك الحرب. وأودّ أن لا تتكرر. أحلم بأن لا تتكرر. ويصيبني الإعياء حين أسمع الكلمات الطائفية والمذهبية المنجرفة نحو الحرب، لأن وحدهم المغامرون لن يحصوا عدد الضحايا ولا يستدركون المآسي والاضرار الجانبية للبشرية.

وعلى هامش كل ما قلته، كان على القذيفة ان تستهدف مركزاً للمخابرات السورية وكنت ضحية جانبية في صراع دامٍ اخذ معه ارواح مئات الاف القتلى والجرحى ودمر بلدا اسمه لبنان.

السابق
مقدمات نشرات الاخبار التلفزيونية المسائية ليوم الأربعاء 13-4-2016
التالي
الرئاسة الفلسطينية: «دولة فلسطين» قريبًا على جوازات السفر