لم تنته الحرب الأهلية…

يصادف اليوم الأربعاء الذكرى الواحدة والأربعين لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية المسلحة في 13 نيسان 1975. لكن هذا التاريخ لم يكن بداية الحرب الأهلية، لقد بدأت الحرب قبل ذلك بسنوات.

النظام الطائفي عالق في عنق الزجاجة، لم يعد قادراً على تطوير نفسه وتحقيق احتياجات الشعب اللبناني. في نهاية الستينيات اليسار اللبناني يقود حركة شعبية ومطلبية، يطالب بإصلاحات سياسية تحول اللبنانيين إلى مواطنين متساوين، ويختار الحرب الأهلية سبيلاً إلى ذلك، متوسلاً السلاح الفلسطيني الوافد إلى الداخل اللبناني متكئاً إلى وحدة لبنانية هشة. وقوى طائفية تتمسك بامتيازات حصلت عليها منذ قيام اليكان ولم تأخذ التطورات الاجتماعية بعين الاعتبار وقد اختارت الحرب الأهلية سبيلاً للمحافظة على الامتيازات.

اقرأ أيضاً: الحرب اللبنانية من وجهة نظر ألمانية: الخوف والحسابات الخاطئة أدّت إلى سقوط الآلاف

الطرفان رفضا عام 1972 مبادرة كمال جنبلاط الذي طالب قوى النظام الطائفي بإصلاحات سياسية مدخلها تعديل قانون الانتخابات نحو لبنان دائرة انتخابية واحدة ووفق النظام النسبي وخارج القيد الطائفي. وطالب اليسار بعدم النظر إلى لبنان كساحة مفتوحة للسلاح الفلسطيني، رفض الطرفان المبادرة الجنبلاطية وتفرغا للتحضير للحرب المسلحة. بوسطة عين الرمانة كانت الفتيل الذي ألهب البلد فعاد الانقسام ليتخذ وجهاً طائفياً.

عام 1976 خسر اليسار معركته بتدخل عربي أعاد تثبت قواعد النظام الطائفي، واستغل الإسلام السياسي الوضع ليتقدم الصفوف مطالباً بمشاركة أكبر في القرار السياسي، ومحاصصة تزيد من قطعة الجبنة الخاصة به. واستمرت الحرب. عام 1982 حصل زلزال آخر، إسرائيل احتلت لبنان وأجرت عمليات جراحية في النسيج اللبناني دفعت بتغيير ديموغرافي دفع ثمنه المسيحيون بشكل رئيس. وتطورت الحرب لتطال الطوائف فيما بينها فكانت حرب حركة أمل والاشتراكي ضد المرابطون وعون ضد جعجع وحزب الله ضد حركة أمل.

كل هذه الحروب مهّدت الطريق أمام اتفاق الطائف الذي عالج النتائج ولم يقف أمام الأسباب. اتفاق الطائف استبدل الهيمنة المسيحية بأخرى إسلامية وتحت الوصاية السورية المعتمدة على وكالة عربية وأميركية.

اتفاق الطائف أنتج نظام الترويكا القائم على المحاصصة وممارسته أدت إلى تهميش المؤسسات الدستورية، في حين لم يتقدم أحد لتنفيذ الجوانب الإصلاحية من الاتفاق المذكور.

الحرب الاهلية

لبنان بعد ذلك تحول إلى مناطق نفوذ واقعية ضمن إطار قانوني لكن الهيمنة الإسلامية سرعان ما انفجرت بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري ليتحول إلى نزاع مكشوف بين محاولة الهيمنة للطائفية السنية مقابل محاولة الهيمنة للطائفية الشيعية وسعي كل طرف من الطرفين للسيطرة على مؤسسات السلطة.

انتخابات 2005 لم تؤدِ إلى انتصار إحداها، ما دفع لبنان إلى نزاع جديد بين الطرفين، ليصل لبنان عام 2008 إلى حرب أهلية أخرى سميت بأحداث أيار 2008. حل الدوحة لم يدم أكثر من عام ليعود الوضع إلى سابق عهده. انتخابات 2009 أيضاً لم تشر إلى انتصار طرف على آخر.

من جهة أخرى المسيحيون يحاولون العودة إلى مواقعهم السابقة وقد غاب عنهم أن مثل هذه العودة بحاجة إلى حرب أهلية جديدة ليس بمقدورهم القيام بها.

اقرأ أيضاً: بين مجدل عنجر وطريق المطار: الحرب لا تزال قائمة

اليوم وبعد 41 عاماً على الحرب أطراف النظام الطائفي مصرون على إكمال طريقهم في المحاصصة ونهب المال العام. المؤسسات الدستورية إلى اضمحلال، رئاسة الجمهورية ليست على جدول أعمال بعض الأطراف الباحث عن دور إقليمي موهوم. مفتاح المجلس النيابي أصابه الصدأ. مجلس الوزراء يغوص في جدل عقيم حول العلاقة بين رئيس جهاز أمني ونائبه ومصاريفه السرية. الفضائح يومية والنفايات تغطي البلد، الحكومة تقدم خطة لمعالجتها فإذا بالخطة تؤشر إلى هدف وحيد، ردم مساحات من البحر لتتقاسمها القوى السلطوية. بلد تحول إلى إقطاعيات. وكل إقطاعية تخوض حرباً أهلية ضد الأخرى، ليس المهم أنها حرب ليست مسلحة لكنها أقسى من السلاح.

 

السابق
«الزاهد» أحمدي نجاد متهم بـ«وثائق بنما»!
التالي
خاص جنوبية: ماذا قال عن حزب الله مصدر قريب من ديمستورا؟