سرطان الغدّة الدرقية… أكثر السرطانات قابلية للعلاج

سرطان الغدة الدرقية

تشير الجمعية الأميركيّة للغدة الدرقيّة ATA إلى أنّه يتم تشخيص حوالي 45 الف مريض يعاني من سرطان الغدّة الدرقية في الولايات المتحدة سنوياً، مقارنةً مع أكثر من 200 ألف مريض بسرطان الثدي، و140 الف حالة إصابة بسرطان القولون. ومع ذلك، فإن أقل من 2000 مريض يموتون من سرطان الغدة الدرقية كل سنة في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: ما يعني حرف M على راحة يدك

في لبنان حيث لا تزال ارقام السجل الوطني للسرطان غير محدثة منذ العام 2008 تشير آخر الاحصاءات المسجلة الى ان عدد الذين يصابون بهذا النوع من السرطان يصل الى 231 مريض سنوياً من أصل 9499 مصاب بمختلف انواع السرطانات. والملفت ان النسبة الاعلى للاصابة بسرطان الغدة الدرقية تشمل السيدات حيث يصل عدد اللواتي يكتشفن اصابتهن سنوياً بحوالي 165 مريضة سنوياً في لبنان.
سرطان الغدة الدرقية هو ورم في الغدة الدرقية، وعلى غرار أنواع السرطان الأخرى، فإن أسبابه ليست معروفة تماما، وهو سرطان غير شائع نسبياً، وعادةً يتم إكتشافه باكراً، لذلك فإنه قابل جداً للعلاج الكامل، وحتّى عندما يصبح السرطان في مراحل متقدّمة، تبقى خطورته أقلّ من غيره من الأمراض السرطانيّة.
سرطان الغدة الدرقية أكثر شيوعاً لدى النساء منه لدى الرجال، وعدد الأفراد المصابين به يتزايد بمعدل أسرع من أنواع أخرى من السرطان، ويبقى السبب الأساسي لظهوره غير واضح.

عام 2011، خضعت الرئيسة الأرجنتينية “كريستينا كيرشنر” لعملية جراحية نتيجة إصابتها بسرطان الغدة الدرقية، وعام 2015، اكتشف مقدّم البرامج الأميركي طارق موسى إصابته بسرطان الغدة الدرقية مباشرةً على الهواء.
لكنّ كارولين بو ملهب (39 سنة)، أمّ لثلاثة أولاد، كانت حالتها مختلفة، فقد أصيبت بسرطان الغدة الدرقية عام 2014 حين كانت حامل في شهرها الرابع. كانت تشعر بإرهاق وانحطاط شديدين واستفراغ مستمرّ، الأمر الذي أجبر طبيبها لإجراء فحوصات طبية من ضمنها فحص للغدة الدرقية. تبيّن في الفحص الإشعاعي للغدّة أنّها تحمل عقيدات دهنيّة كبيرة بعض الشيء، لكنّ الدكتورة بيريل الحاج، طبيبة متخصّصة في أمراض الغدد، أكّدت لها بأنّه لا يوجد خطر على الجنين، لكن عليها الإنتظار إلى أن تلد ابنها لتشخيص حالتها.

بعد شهرين من الولادة، ظهرت العقيدات في الغدّة أكبر حجماً وكثافةً وقياسا، فخضعت كارولين لجراحة استئصال الغدة الدرقية لإزالة العقيدات السرطانية.
من ثمّ، دخلت كارولين المرحلة الأصعب من مرضها بعد 3 أشهر من الإنجاب، حيث عزلت تماماً عن الجميع في غرفة خاصة في المستشفى لمدة 5 أيام، وأعطيت لها جرعة محدّدة من اليود لقتل وحرق البقايا السرطانيّة المتبقّية في الغدة. كانت تشعر بحريق قوي في قلب حلقها ووجع غريب أصاب أسنانها وأظافرها، وورم حول عينيها، ناهيك عن إرهاقٍ مستمرّ.

في المرحلة اللاحقة، انتقلت كارولين للعيش بمفردها مدّة 10 أيام في منزل جديد، بعيدةً عن أولادها وخصوصا ابنها الرضيع “سامي”. ففي هذه الفترة، كانت تخرج تدريجياً من جسمها أشعّة اليود التي دخلتها سابقاً، ومن المفترض أن تبقى بمعزل عن الجميع كي لا تعرّضهم للخطر.
بعد علاج اليود، راجعت الدكتورة بيريل التي أقامت لها مسحاً كاملاً لمراقبة عمل الغدد في جسمها ككل، وبدأت بعلاج الهورمونات البديلة، وأصبحت كلّ ثلاثة اشهر تخضع لفحص “ثايروغلوبولين”، للتأكّد من سير امور الغدد بشكل صحيح، خوفاً من ظهور السرطان في منطقة أخرى من الجسم.
“شفيت كارولين نهائياً من سرطان الغدة الدرقية”، هذا ما أكّدته الدكتورة بيريل نكد في حديث خاص معها، وقد أعربت عن استغرابها بزيادة نسبة المصابين بسرطان الغدة الدرقية. فسابقاً، خلال فترة تخصّصها الطبي، لم تصادف أكثر من حالة أو حالتين لسرطان الغدة الدرقيّة. أمّا حالياً، قتشخّص شهرياً بين حالتين أو ثلاث لأشخاص مصابين بهذا المرض.

سرطان الغدة الدرقية غالباً ما ينشأ في كتلة أو عقيدات تظهر تحت الجلد، يمكن تحسسها عند لمس منطقة الرقبة، إلا أن الفحوصات المخبرية عموما، واختبارات الغدة الدرقية مثل TSH لا تساعد في اكتشاف سرطان الغدة الدرقية.
أفضل طريقة لاكتشاف سرطان الغدة الدرقية، هو التأكد من أن الغدة الدرقية لا تحمل عقيدات كبيرة، أيّ حجمها أكبر من 1 سنتمتر، سوداء اللون، وشكلها غريب متعرّج، تغلّفها تكلّسات. فحص العنق لدى طبيبٍ مختصّ هو أفضل وسيلة لاكتشاف سرطان الغدة الدرقية، خصوصا إذا ظهر انتفاخ الغدة في الحلق، مشاكل في البلع، آلام في الرقبة والحلق، وانتفاخ الغدد اللمفاوية في منطقة الرقبة.
كما يتم تشخيص العقيدات الدرقية في اختبارات التصوير مثل الأشعة المقطعية والموجات فوق الصوتية للرقبة، بالإضافة إلى فحص الـBiopsy.
إذا كان العقيدات كبيرة بما فيه الكفاية للضغط على القصبة الهوائية، فإنها قد تسبب صعوبة في التنفس والبلع، أو دغدغة في الحنجرة، أو بحة في الصوت خصوصا إذا كان السرطان يغزو بعنف ويتحكم في الحبال الصوتية.

سرطان الغدة الدرقية

لا يوجد نظام للواقية من سرطان الغدّة، إلا أنّ العامل الوراثي والتدخين يزيد احتمال الإصابة بسرطان الغدّة، أو غير نوع من الأمراض السرطانيّة. ومن الضروري السكن بعيداً عن منشأة نوويّة، على الأقلّ 15 كيلومتراً، لتفادي التعرّض لتاثيرات الاشعاعات النووية.
وتشير الدكتورة بيريل إلى أن بعض الدراسات تحدّثت عن التلوّث المتزايد مؤخراً والأسلحة الحربية قد تلعب دوراً بارزاً في ازدياد حالات الإصابة بسرطان الغدة الدرقيّة، لكنها لم تؤكّد أو تجزم في هذا الموضوع.
“قلة من المرضى المصابين بسرطان الغدة الدرقية، هم الذين يتوفون من جرّاء هذا النوع من السرطان”، لذلك، يفضّل مراقبة الغدة الدرقية والقيام بالفحوصات اللازمة لها بانتظام، تحسّباً من أيّ مرض.

يكشف ميغان سكوديلاري في دورية Nature العلمية ان الجدل بين أطباء الأورام دائمًا حول الفئات العمرية والحالات التي يمكن أن تستفيد من الفحص المنتظم للسرطان القابل للإستئصال. وقد أثبتت الأدلة من الاختبارات العشوائية الكبيرة لأنواع من السرطان، مثل الغدة الدرقية، والبروستاتا، والثدي ـ بخلاف الاعتقاد الشائع ـ أن الفحص المبكر لا يؤدي إلى إنقاذ حياة المصاب. فعلى سبيل المثال، أثبت تقييم كوكرين لخمس تجارب إكلينيكية عشوائية مضبوطة، شملت 342,341 مشاركًا، أن الفحص المبكر لم يقلِّل من الوفيات في حالة سرطان البروستاتا.
وبحسب دراسة اجراها المشروع الكندي الوطني لدراسة فحص الثدي، استمرت 25 عامًا، وشملت 89,835 امرأة، تراوحت أعمارهن بين 40 و59 عامًا. وجدت الدراسة أن الفحص السنوي بالأشعة السينية لم يقلل من حالات الوفاة، لأن هناك أورامًا تؤدي إلى الوفاة، أيًّا كان وقت اكتشافها وعلاجها. وفي الوقت نفسه، ثبت أن الفحص المتكرر له آثار سلبية على الصحة؛ فالعديد من السرطانات ينمو ببطء، ولن يؤدي إلى أي ضرر، لو أنها تُرك على حاله، ولكن اكتشاف السرطان مبكرًا يؤدي إلى استئصال الناس للغدة الدرقية، والثدي، والبروستاتا بغير ضرورة. ومع ذلك يشعر من اكتشف إصابته بالسرطان، ثم خضع لعملية جراحية لاستئصاله، بالامتنان لإنقاذ حياته.

السابق
28 فبراير التركي و3 يوليو المصري
التالي
تيار الغد السوري ينتقد جنيف وخطة ديمستورا المجهولة