مؤتمر «دور العرب الشيعة في مواجهة المخططات التآمرية»‏

انطلق مؤتمر “دور العرب الشيعة في مواجهة المخططات التآمرية” في فندق الريفييرا كورنيش المزرعة، وتحدث فيه كل من رئيس المركز اللبناني للأبحاث والدراسات الاستاذ حسان قطب، والأستاذ مصطفى فحص حول التعددية وفشل الدولة الوطنية، والأستاذ راشد الفايد حول أسباب تنامي المذهبية في مجتمعاتنا والدكتور حارث سليمان حول مواصفات المشروع العربي لبناء المستقبل.

وجاء في الكلمة الافتتاحية:

“تحاول بعض القوى الاقليمية والدولية شرذمة امتنا وتفتيتها، مستلهمةً وقائع واحداث تاريخية، وخلافات سياسية مضى عليها الزمن، في محاولةٍ منها لتعميق حالة الانقسام العامودي في مجتمعنا العربي، ولاحياء النزاعات والخلافات التي تسمح لها بالتدخل في شؤوننا واوطاننا، والامساك بمقدراتنا وقرارنا وحتى حياتنا وارواحنا..؟؟ وما نشهده اليوم في اوطاننا من حروبٍ ونزاعات وانقسامات تؤكد دور هذا الخارج في تاجيج الخلافات، وشراسة القتال، وضرب نسيج ووحدة هذه الامة..؟؟ وبما اننا امة واحدة ومجتمع واحد..ورفضاً لهذا المخطط..

إقرأ أيضًا:  افتتاح مؤتمر حماية التعددية والعيش معًا

لذلك دفعنا هذا الواقع لعقد هذا المؤتمر تحت عنوان: (دور الشيعة العرب في مواجهة المخطات التآمرية)… لمناقشة هذا الواقع والتنبيه من الانجراف فيه، والتماهي معه، والتاكيد على ضرورة الخروج من هذه الأزمة الفتنة..عبر تعزيز وحدتنا وتعميق ثقافتنا وتطوير مجتمعاتنا، لنؤكد أن الحوار والنقاش الموضوعي هو المدخل الحقيقي الذي يؤسس للثقة المتبادلة بين كافة المكونات التي ترتبط بوطننا”

أما كلمة حسان القطب ..مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات، فجاء بها:

“تحية صباحية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نرحب بالحضور الكريم وكل من يشاركنا هذا المؤتمر من المحاضرين، الذي نعقده اليوم تحت عنوان.. “العرب الشيعة ودورهم في مواجهة المخططات التآمرية”….

لا شك في ان ما تواجهه امتنا اليوم من ازمات وفتن وصراعات هو نتيجة موضوعية لحالة الاحتقان التي دأب البعض من القوى السياسية والدينية على بثها وزرعها ورعايتها لتعميق الانقسام وحدة الخلاف بين مكونات مجتمعنا وفئاته المختلفة كما المتنوعة دينياً ومذهبياً.. لأن التنوع في معناه الحقيقي لا يعني الخلاف، بل الغنى في الفكر والرؤى، والتنوع يشكل مساحة مشتركة للحوار والنقاش والاختلاف في وجهات النظر كما في السلوك والعادات والافكار والثقافات، ولكن يجب ولا يمكن ان يكون هذا التباين، سبباً للقتال والتناحر، إلا إذا خرج عن دائرة الحوار في قاعات النقاش.. بين من يملك الفكر والثقافة اللازمة، إلى ساحات المنازلة والمواجهة بين من لا يملك سوى ادوات القتال والصراع وإشعال الحروب، وتهميش الاخر وتخوين من لا يعترف بسلطة الأقوى بسلاحه، لا بفكره وقوته ولا بقوة المنطق..

منذ قرن من الزمن، وأمتنا تعيش الخطر الخارجي الذي يحدق بها بعد ان تم زرع الكيان الصهيوني الغاصب في وسطها، وتعرضت لحروب استعمارية استهدفت شعبها كما ارضها وثرواتها، إلا انها اليوم تعيش حالة صراعٍ في كل كيان عربي وإسلامي..؟؟ بين من يرى ان الانتماء الحقيقي والمنطقي والموضوعي، يكون إنتماءً للأمة برمتها ككيان وسلطة ودولة سواء كانت عربية او اسلامية وعلى امتداد مساحة هذا الوطن الكبير، وبين من يرى ان المفاهيم الوطنية التي اسست لهذه الكيانات تشكل نموذجاً مقبولاً ومنطلقاً موضوعياً لبناء الدولة الوطنية المستقلة، التي تقدم باستقرارها ونموها وتطورها وثباتها قوة إضافية وفاعلة لسائر الكيانات الوطنية المنتمية لهذه الأمة..؟؟ وان الوحدة العربية او الاسلامية الحقيقية يكون المدخل الصحيح لتحقيقها والوصول اليها، هو تحقيق التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المنشود، وتطور ثقافتنا الاجتماعية كما السياسية، والاعتراف بتنوع المكونات وتعددها ضمن هذه الامة، ورعاية حضورها وثقافتها ودورها، والتاكيد على مشاركة قوى الاقلية دور الاكثرية في بناء الوطن والكيان، وان الخلاف والاختلاف يكون على البرامج السياسية والاقتصادية وحول اسس النهوض بالكيان ومصالح الوطن والمواطنين، وليس على التباين في العقائد الدينية، أو على قدرة الاقلية على حكم الأكثرية او العكس، او الارتباط بمشاريع اقليمية ومحاور دولية، تخدم قوى كبرى سواء كانت سياسية او دينية..؟؟

إن ما يجب ان ندركه ونفهمه جميعاً ولكن جيداً وبوضوح، هو ان المشاريع السياسية الدينية، لا يمكن ان تؤدي الا إلى زرع الانقسام في مجتمعنا، لانها تقوم وتبنى على الموروث التاريخي البعيد عن الموضوعية والرؤية الحقيقة لمفهوم السلطة، سواء كان في شكل الحكم وطبيعته، او رسم مساراته وتشكيل مؤسساته..؟؟ خاصةً إذا كان هذا الحكم مبنياً على مباديء وثوابت دينية غيبية تعطي صاحب السلطة حقاً الهياً مطلقاً من حيث الصلاحية او الممارسة او مدة البقاء في السلطة..؟؟ وبما ان المشروع السياسي الديني على مستوى

الوطن ككيان مستقل، او على مستوى الأمة من حيث انتمائها الديني، سوف يزيد من حدة الانقسام الوطني ويؤدي إلى رفع منسوب حالة التيه والضياع بين الاتباع والمؤيدين والمريدين..فإنه سوف يشجع على قيام حركات مناقضة ومجموعات منافسة تختصر الطائفة والمذهب بحضورها وتقدم نفسها على انها الممثل الوحيد والاوحد لها..؟؟

السؤال الاساس هو…هل نحن نعيش في وطن لنا فيه حقوق وعلينا واجبات..؟؟ او اننا جزء من امة تائهة تبكي ماضيها، وموزعة بين كيانات ودول في الوقت الحاضر وتبحث عن ذاتها ومستقبلها وعن إعادة صياغة دولتها الواحدة الجامعة..؟؟؟؟ وهل هذا يعني اننا نعيش مرحلة زمنية مؤقتة ضمن كيان مصطنع لا نؤمن به ولا نلتزم بقوانينه ولا نحترم دستوره ولا نشارك في بنائه ولا نسهم في استقراره..؟؟ بانتظار من يعيد جمع شملنا وتوحيد صفنا..؟؟ لذا فإن من يؤمن بوحدة الأمة تحت سلطة واحدة فهو على الحق…؟ ومن يناقش في استقلال الكيان وضرورة الالتزام بروح المواطنة، ونهائية الوطن والكيان، فهو على باطل ويستحق الاتهام بالشعوذة وحتى بالتكفير والتخوين…؟؟

إن المشاريع السياسية الدينية سوف تستفز كل مكونٍ ديني مختلف عن الأخر ويعيش في وطننا وسوف يطالب باستنهاض مشروعه الديني ويطالب رعيته بالالتفاف حول قيادته الدينية قبل السياسية لمواجهة المشروع الآخرن واحباطه ومنعه، قبل ان يطالب جمهوره واتباعه بالتضحية المطلقة بالمال والروح والدم لانجاح مشروعه في بناء سلطته الدينية الخاصة، والانتصار على المشروع الديني الآخر ..؟؟ مما يعني اننا قد دخلنا في دوامة الصراع الديني التي لا تنتهي، سواء انتصر هذا الفريق او ذاك، لان روح الانتقام سوف تبقى تتاجج في نفوس التابعين للفريق الخاسر، وشعور الغلبة والهيمنة والسيطرة والاستعلاء والاستقواء سوف تطبع ممارسات الفريق الرابح او المنتصر..؟؟ ولكن اين مشروع البناء والانماء والتطور الاقتصادي والنهوض الاجتماعي ومعالجة المشاكل المتراكمة مهما كان حجمها وضررها وطبيعتها والموروثة عن السلطات الحاكمة السابقة.. والتي على اساسها انتفض المجتمع وثار لها الشعب.. فقد ضاعت في خضم التحريض والانتقام المتبادل…؟؟

إن الحقيقة المؤسفة، التي تغيب عن اذهان البعض منا، بل أكثرنا، هي اننا نكون بسلوكنا هذا، قد استبدلنا نظام ديكتاتوري شمولي عسكري او اقلوي او اكثري، ديني او عائلي او حزبي…؟؟ بنظامٍ جديد لا يقل عن سابقه وحشيةً وديكتاتوريةً وظلماً وقهراً وعدوانيةً واعتداءً واستعداءً..؟؟ لنعود الى نقطة الصفر، أو الى حيث ابتدات مسيرتنا من رفضٍ للظلم والهيمنة والتخلف والفقر.. ولكن لمواجهة أنظمة حكم جديدة تتشابه في شكلها وان اختلفت تسميتها…!!

إن المصالحة مع الانتماء العربي، والجسم العربي والوطن العربي، ضرورة، وواجب حتمي، ولكن هذا لا يعني ابداً الغاء التنوع المذهبي والديني، الذي امتازت به هذه الامة ولا زالت حتى الان..!! كما ان هذا الانتماء يفرض علينا احترام هذا التنوع والحفاظ عليه والاستثمار في أهميته وضرورته لما يمثله من غنى للأمة وما يبرزه من تنوع حضاري وثقافي وتعددي ضمن الأمة الواحدة والشعب الواحد..؟؟ ولكن هذه المصالحة تتطلب من الجميع دون استثناء (الأقلية كما الأكثرية) عمل مشترك وموقف مسؤول وسلوك رصين وهادف وتعميق وتعزيز الشعور بالانتماء الحقيقي لهذه الامة .. وهنا مسؤولية الأكثرية التي نراها

اكثر اساسية وضرورية، باعتبارها الحاضن الاكبر، لكل المكونات والاطياف التي تعيش تحت ظل هذه الحاضنة..!! وعليها اي الاكثرية، تقديم رؤيتها المسؤولة وقراءتها الهادئة وسلوكها المتوازن للفريق الآخر ولكل شركائها بما يطمئن ويشجع ويحفظ الجميع دون استثناء، بحيث يشعر كل مكون مهما كان حجمه ودوره، بانه جزء حقيقي من هذه الأمة، وان وجوده واستمراره وانتماؤه ضروري، وان ثقافته وحضارته تشكل اساساً وتاريخاً ومعلماً متمماً لثقافة هذه الامة وحضارتها بل وقيمة مضافة لها، الى جانب سائرالمكونات..؟؟ كما ان على الاقليات ان تخرج من حالة الخوف والتردد والشعور بالغلبة والدونية، وان تنخرط في مجتمعها بكل قوة وحرية جدية، وان تدافع عن مصالح الأمة والوطن بكل الوانه واطيافه لا عن مصالح طائفة أو مجموعة من المنتمين فقط.. كما ان استغلال العواطف والمشاعر وتأجيجها للاستخدام السياسي وعزل مجتمعاتنا المتنوعة دينياً وثقافياً عن بعضها البعض، هو امر مرفوض ومدان ولا يؤسس إلا الى مزيد من التباين والتناقض والانقسام في جسم كل كيان ووطن كما في جسم الأمة ككل .. لذا يكون غير صحيح وغير مقبول ما قاله احدهم منذ ايام بأن على الجميع ان يعترف باننا طائفة ولسنا (بويجية) اي (ماسحي احذية).. لأن الفقر سببه الحرمان المتفشي في كافة مجتمعاتنا على مختلف انتماءاتها، هو نتيجة السياسات الاقتصادية الخاطئة وغياب الشفافية والفساد السياسي والاداري، وعدم وجود المحاسبة والمساءلة في قاموسنا المالي والسياسي..؟؟ كما انه من غير الصحيح ايضاً أن الفقر هو صفة لصيقة بمجتمع ديني او مذهبي محدد بعينه..؟؟ وهو المسؤول عينه الذي اشار الى هذا المصطلح.. الذي طالما تحدث عن الحرمان في منطقة عكار وضرورة معالجته..؟؟ وهي من نسيج مذهبي مختلف..؟

إن محاولة البعض العمل على رفع جدران الكراهية بين مكونات وطننا وتعزيز الفوارق الدينية والمذهبية بين أطيافنا وزرع الخوف والحقد والضغينة بين مجتمعاتنا لن يؤدي الا الى تفككها وانفراط عقدها وزيادة حدة الصراع بين مكوناتها وسقوطها في هاوية التخلف والأمية وتراجع دور العقل والمنطق امام لغة التحريض والتخوين ورفض الآخر، وإلغاء حق الاعتراض والانتقاد.. كما ان من الواضح والصريح ان من يتجاهل التنوع والرأي الآخر ضمن المجموعة الواحدة والفريق الواحد، وحتى ضمن حزبه سواء كان سياسياً او دينياً، لا يمكن ان يقبل بأي فكر آخر يتناقض او يتمايز عن فكره، ولا يمكنه ان يتعايش مع ثقافات أخرى او حتى يقبل بوجودها..؟؟ وهذا ما يجعل الصراع حاداً ودموياً بل وإلغائياً.. من هنا ولهذا السبب نرى ما ينتج عن هذا الصراع ويتسبب به من حالات النزوح والتهجير والمجازر الجماعية والتدمير المنهجي للقرى والمدن وتهديم البنى التحتية والمجمعات السكنية والمدارس والمستشفيات..؟؟ وممارسة الخطف والقتل الجماعي..؟ في إمعانٍ مقصود وهادف لتعميق الخلافات، بإقامة بحرٍ من الدم يفصل بين مكونات هذه الامة مما يجعل من الصعب بل من المستحيل إعادة لمّ شملها وجمعها على اسس جديدة..؟؟ بل والتعايش مع بعضها البعض والتفاهم فيما بينها..؟؟ لأجيال قادمة حتى لو تمت مصالحات وتسويات..؟؟

إقرأ أيضًا: إعلان بيروت لحماية التعددية والعيش معاً

في الوقت الذي يندفع فيه العالم نحو تطورٍ ملفتٍ على كافة المستويات، العلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية، ننكفيء نحن الى الخلف، وفي اللحظة التي نتقاتل فيها على اسسٍ تاريخية وموروثات ثقافية، تتحالف دول سبق ان تقاتلت وحاربت بعضها البعض لانتاج مجتمع متقدم على كافة الاصعدة..!! وبينما تسعى اوروبا لتوحيد قارتها اقتصادياً وليس سياسياً متناسيةً حروب سابقة فيما بينها كانت دموية وصراعاتها الدينية كما السياسية..؟؟ يسعى بعضنا لمزيد من التفتيت في مجتمعنا وتجزئة كياناتنا واوطاننا اكثر فاكثر..؟؟ وفي حين يقتل بعضنا بعضاً لمجرد الانتماء، وعلى الهوية المذهبية او الدينية، يتجمع مئات آلاف

النازحين من مختلف المذاهب والاديان من عالمنا العربي، على ابواب دول اوروبا المختلفة، طلباً للجوء والامن والرعاية والحماية والبحث عن مستقبل افضل…؟؟ وبينما يتم تطوير النظم السياسية في العالم الغربي الذي نكن له العداء ونشعر منه بالخوف ونتهمه بالتآمر علينا كل لحظة وحين، تقتلنا انظمتنا الحاكمة لمجرد الانتقاد او الاعتراض ويتم تشريد شعبٍ كامل في سوريا والعراق عقاباً لهم على الاعتراض والانتفاض والمطالبة بالحرية الاعلامية والسياسية ولقمة العيش اللائقة الكريمة والخروج من دوامة الفقر الذي يعيشه شعبنا..كما تتعطل الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان ويتحول اعلامنا الى منابر للشتيمة والاتهام والتخوين..؟؟ وتحولت المطالب الشعبية السياسية والاجتماعية والاقتصادية في دولنا إلى ذكرى غابرة بعد ان حولت الانظمة الغاشمة الصراع السياسي الى صراعٍ بين اقليات وأكثرية، واصبح منطق الصراع هو منطق ديني وهيمنة عقائدية وبعضها عرقي مع الاسف..؟؟ وبعد ان كانت المسيرات الشعبية تواجه قيود السلطة ومخابراتها وسجونها وادوات تعذيبها..؟؟ اصبحت المواجهة الفعلية بين المكونات الشعبية نفسها، على اسس دينية او عرقية، متجاهلين الاسباب الحقيقية التي ادت لاندلاع الانتفاضات العربية على انظمة الحكم الجائرة..؟؟

إننا في المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات، شعوراً منا بخطورة ما سوف تؤدي اليه هذه السياسات والثقافات والتوجيهات والتحريضات، التي تهدف لتجزئة مجتمعنا وتقسيم امتنا وربط بعضها بتحالفات اقليمية وخدمة استراتيجيات ومشاريع اقليمية توسعية، وإعادة انتاج امة منقسمة مفتتة، متخلفة وعاجزة..

وبما ان البعض يسعى لإبعاد المكون العربي الشيعي عن مجتمعه العربي، وربطه بمحور سياسي اقليمي، يسعى لتعزيز نفوذه وخدمة طموحاته التاريخية، ويرفض التسويات الوطنية، وجعل من الصراع الديني مدخلاً للتدخل كما للهيمنة.. ولأن هذا الصراع لن يؤدي إلا لتشتيت أمتنا وشرذمتها، ولأن الأصوات الحرة في كل فريق ومكون عربي هي حاضرة لجمع الكلمة ورأب الصدع..ونضيف ايضاً انه بما اننا نؤمن ان الطائفة الشيعية في لبنان كانت وما زالت وستبقى جزء اساسي من نسيج هذه الأمة ومكون ناشط في مسيرتها انخرطت في مسيرة الاستقلال كما في مسيرة مواجهة الاحتلال من خلال فصائل المقاومة الوطنية واحزاب الحركة الوطنية وقدمت الكثير من المفكرين والمثقفين الناشطين والباحثين والمخترعين، فإنه لا يمكن الا ان تكون جزءاً من حالة الصراع الوطني والقومي مع قوى المؤامرة سواء كانت اقليمية او دولية او حتى محلية..

انطلاقاً من هذا الفهم كان لا بد لنا من إطلاق صرختنا… فدعونا لاقامة هذه المؤتمر تحت عنوان (العرب الشيعة ودورهم في مواجهة المخططات التآمرية) لنقول ان امتنا واحدة، والتعددية هي سمتها المميزة.. وان مجتمعنا واحد ونفخر بانتماءاتنا وثقافاتنا المختلفة، وان دورنا جميعاً هو ان نتكاتف ونتعاون لبناء مجتمع متضامن ومتصالح مع ذاته، تعدديٌ في احزابه، حرٌ في اعلامه، نسعى معاً لتطوير اقتصادنا وتنمية مجتمعنا واستغلال مواردنا ومعالجة مشاكل البطالة والفقر والتخلف والجهل، وان الانتماء الحقيقي يكون للوطن، وليس للمشروع الديني او الاقليمي، وان المواطنة الحقيقية هي في رفض تجاوز الحدود والانخراط في صراعات لن تعود علينا سوى بالخسران والعداء وفقدان الشباب في ريعان العمر دون طائل، وخسارة اللحمة الوطنية كما الانتماء الحق للامة العربية. ان وقوفنا الى جانب اصحاب الحقوق والحق مهما كان

انتماؤهم هو اكثر موضوعية ومصداقية من نصرة الظالم على رعيته ومن الافتئات على المظلوم دعماً للظالم..

إن رفضنا للصراع الديني بين مكونات امتنا يحثنا على التضامن والتفاعل فيما بيننا، والتأكيد على ان مشروع الدولة العادلة والسلطة السياسية التي يختارها الشعب ويتم تداولها والتناوب على ادارتها ممن كانت صناديق الاقتراع الى جانبهم .. وان النافس على تقديم الفضل للوطن والشعب هو المعيار الحقيقي للإختيار”

في حين ألقى  الاستاذ “راشد الفايد” نص كلمة وجاء فيها:

منذ مطلع ثمانينات القرن الفائت، بدأت تكثر الندوات والمؤتمرات، بعناوين مختلفة ولكن حول موضوع واحد: المسلمون الشيعة – العرب وعلاقتهم بالمواطنة والهوية العربية، وكيفية احتوائهم، وعدم استعدائهم، ودور الشيعية السياسية في بلدانها.

كثرة المؤتمرات تحت هذا العنوان، إقراراً بوجود مشكلة مذهبية في هذا الصدد، بل هي أكبر من مشكلة، هي قضية عربية اسلامية ملحة الى حد انها باتت أرقا فرديا وجماعيا لكل من يريد تقدم المنطقة وشعوبها. لكنها ليست مفردة، وان كانت الأكثر إلحاحاً. فعلى المستوى العربي، وهو ما يهمنا اليوم، هناك مشاكل أقليات دينية، يجب علاجها بحكمة وعقلانية.

لن أعود الى دلالات الاطاحة بحكم آل بهلوي في ايران، وتحكّم الملالي بالنظام الجديد. فما لا يتذكره كثيرون، أن أمر الهيمنة الايرانية، أو الفارسية، على المنطقة، لم يطرح مع حكم الملالي، فالشاه محمد رضا بهلوي لم يخف طموحاته الاقليمية الى حد التمايز عن الطابع الاسلامي للمنطقة بأنه اعتمد التأريخ الفارسي، وليس الهجري. الفارق بين النظامين الايرانيين، أن الشاه ارتدى بوضوح وجه فارس، بينما من خلفه قنّع فارسيته بوجه ديني وحدوي اسلامي، والتقى الاثنان على أهمية اخراج العرب المسلمين الشيعة على عروبتهم ليمررا هيمنة طهران على المنطقة العربية، ولم يكن ذلك الا بتأجيج المذهبية مغلفةً باستعارة العناوين القومية العربية، في مفارقة تاريخية تجلت في أصوات تنادي بهذه القومية لكنها تتمول، مطبوعات ومنتديات وكتبة ومعلقين ووسائل إعلام، من مصادر ايرانية فارسية.

لكن الدور الايراني ليس الفاعل الاساسي في الموجه المذهبية. فهذه موجودة منذ الأزل، ومزروعة في الضمير القومي العربي، والضمير الوطني اللبناني. فمن صفات العربي، التحزب، ليس بالمعنى السياسي، بل القبلي أساسا. والتاريخ لا يعدم الأمثلة على صراع القبائل والعشائر، وأحيانا داخل الجماعة نفسها، بين بطون وأفخاذ مختلفة، وما حرب داحس والغبراء الا نموذجا. لذلك، أخطّيء عنوان تنامي المذهبية، وأفضل عليه عودة المذهبية أو استعادتها.

الأمر نفسه في لبنان. وذاكرتنا الجماعية لا تنسى ما وصلنا عن فتنة 1860، و كيف تحول خلاف بين فتيان الى حرب بين طوائف امتدت الى الشام. إن حرب المذاهب والأديان ليست مستجدة على المنطقة ومنها لبنان، ألم يقل ابن خلدون “ان العرب لا يحصل لهم الملك الا بصبغة دينية، من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين، على الجملة”.

لم نتخل يوما عن النوازع الدينية والمذهبية، فهي توارت، مرة خلف حماوة القضية الفلسطينية، وأخرى تحت راية الصراع الطبقي، بين يسار ويمين، وثالثة وراء القومية العربية. لكنها بقيت في اللاوعي الجمعي، تصحو غب التحشيد السياسي، وتناقض المصالح السياسية، وحتى تلبية لمصالح السياسيين الشخصية او الانتخابية كما الاقتصادية والمالية.

فهؤلاء يتكئون على علاقة تبادلية مع رجال الدين، تحفظ للطرفين مصالحهم، وتبرر تدخل كل منهما في شؤون الآخر، مع حفظ حيز اختصاص كل فئة. لذا، تعلو الطائفية والمذهبية، عموما على صراع الطبقات، الى حد ان نقاشا دار ابان الحرب اللبنانية استند الى تساؤل مفاده: هل يمكن ان تشكل طائفة طبقة بذاتها!

واذا كان محور النقاش اليوم هو دور المسلمين الشيعة في مواجهة المخططات التآمرية، فإن الأمر يجب أن يستتبع بنقاش دور الجماعات كلها في هذه المواجهة. فخبرة الحياة أطلعتنا على منطق للتضامن الأهلي يسري في سلسة صارت معتادة، وتلقائية، عند كل خطر: يتضامن أهل المذهب الواحد، أولاً (وقبلهم العائلة، أو العشيرة، فالحي، ثم القرية، فالمنطقة)، ثم الطائفة، فيذوب السني مع الشيعي والدرزي الخ، ويتكاتف الماروني مع الارثوذكسي والسرياني و… و … وحين يصبح الخطر أشمل يظهر التضامن وطنياً. لكن عند أصغر اختلاف في الرأي، بين مكونات المجتمع، تطل المذهبية والطائفية بأنيابها.

لمسنا ذلك حديثاً في بنية الجمهور الحزبي لـ14 آذار، عند حصر الترشيحات للرئاسة بإسمين، لنكتشف ان القداسة التي يضفيها جمهور “حزب الله” على أمينه العام، مستنسخة لدى قوى مضادة له، لمصلحة قائدها، ولنتبين ان منطق الإنصياع الأعمى لهذا القائد، الذي يوصف به جمهور الحزب، يصلح للآخرين، وعلى الضفة الأخرى.

هذا نموذج يؤكد ان الهويات الصغرى القاتلة، من مذهبية وعشائرية وما يشابهها، لا تموت لكنها تختفي عندما يطغى خطر عام، ويصبح جماعياً، أو يعمم النصر المعنوي، كما الحال في حرب تموز 2006، اذ يومها سقطت كل التمايزات من أقصى المغرب العربي، الى اقصى المشرق، واختفت الهويات الصغرى.

وفي الأساس، الأرض خصبة لزرع المذهبية والطائفية، تحديداً في لبنان، طالما ان الهوية الوطنية الجامعة، لم ترتق الى فاعلية الهويات الصغرى، في المجتمع. ولا بد من الاشارة الى الدول العربية الأخرى، التي أظهرت اعلاءً للهوية الوطنية، لم يكن أمرها في ذلك تعبيراً عن اقتناع، بل نتيجة قمع مارسته الانظمة الديكتاتورية على مجتمعاتها لاظهار وحدة وطنية، بان اصطناعها، وزعم جوهرها، عند سقوط هذه الانظمة، أو تهديدها، كحال العراق وسوريا اليوم، حتى ليبيا ذات المذهب الواحد، لم تسلم من حروب المذاهب داخل هذا المذهب. للتذكير، فان زعم الاتحاد السوفياتي الراحل انه حل مشكلة القوميات، انفضح عند انهيار المنظومة الشيوعية، وتفكك شعوبها.

عودة الى صلب الموضوع، وهو اسباب تنامي المذهبية في مجتمعنا.

تحمل ذاكرتي ما كان يرويه والدي عن اساءات مذهبية سنية للشيعة، وانا من جيل انتجت الدولة التي بناها فؤاد شهاب، وعيا وطنيا لديه، كرست الناصرية، تحديدا، بُعدها لقومي، وفرض اليسار بكل أشكاله عولمة اهتماماته، كل ذلك في جو ثقافي عام ومتنوع محا التمايزات المذهبية والدينية والطبقية.

لكن تقلبات الحرب، أو الحروب، ما لبثت ان اغتالت التسامي على هذه الامراض. ويوم غادرت لبنان عام 1978 مهاجراً كنت أمني النفس بالعودة وقد اندمل الجرح المسلم – المسيحي، لكن ما لبثت ارادة نظام الاسد ان فرضت تصفية حركة المرابطون المتنوعة اسلاميا، على الاقل،على يد حركة “أمل” الشيعية،

مدعومة بالحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي، ورافق ذلك تنكيل من “أمل” بمقاتلي المرابطون، وأهالي الطريق الجديدة، ما استنفر الحس المذهبي النائم. (كان ذلك في نيسان عام 1985).

وبرغم ان “أمل” شملت بالتصفيات الجسدية مقاتلين مسلمين شيعة من “المرابطون”، وهم كانوا أكثرية في صفوفه، فان الطابع المذهبي كان واضحا وفجاً.

بين رواية والدي وما تابعت من خارج لبنان يتبين ان الظالم والمظلوم تبادلا الادوار لكن الظلم، أو الاعتداء بقي هو نفسه.

لكن، مع البنية الثقافية – الاقتصادية الاجتماعية والمالية، التي شيدها “حزب الله” بلغة مذهبية ذكية، بات ما قامت به حركة “أمل” في نيسان 1985، مغامرة ومراهقة بلا سند فكري، فيما أن ما خطا فيه الحزب منذ منتصف الثمانينات بتؤدة، مشروع أبعد من لبنان، اثبتته الأيام في سوريا والبحرين واليمن والعراق والكويت والسعودية، يقضي بإستتباع الشيعة العرب لإيران، لا سيما اللبنانيين، الذي هم من علّم الفرس مذهب التشيع بفضل علماء جبل عامل. يذكرنا ذلك بما فعلته الوكالة اليهودية لالحاق اليهود العرب بمشروعها لاحتلال فلسطين، عن طريق الترغيب والترهيب، والمال والخطاب الديني، وأساطير شعب الله المختار.

ما يجمع بين مشروعي “أمل”، بعد تغييب الإمام موسى الصدر، والحزب، المذهبيين، أنهما من نتاج الخارج، الأول اراده حافظ الأسد ليبرر عودة عسكره الى لبنان بعدما طرده الاجتياح الاسرائيلي، ومن جهة أخرى، لضرب قوة ميليشياوية قريبة من منظمة التحرير الفلسطينية، وغير ودودة مع نظامه، ودخلت في تقارب مع سلطة الدولة اللبنانية، أو ما كان بقي منها، اضافة الى مشروعه الأقلوي، وحلمه بالإمساك بقرار سوريا، ولبنان والأردن ومنظمة التحرير.

أما مشروع الحزب، فلا يحتاج الى استعلام، لان أمينه العام، وأدبياته، لا يخفيان تبعيته، عملانيا وقرارا، للولي الفقيه في ايران، وتلبية أوامره، وفي الطليعة تحقيق الهيمنة الفارسية على المنطقة.

تظهر خلاصة هذا العرضأن المذهبية أو الطائفية، تقارب ان تكون موروثة تنتقل بالجينات، لكن اليس من درب الى حصارها ووأدها؟

لا يمكن اعتبار القضية واحدة في كل الدول العربية المعنية، فاختلاف الأنظمة يصعب طرح رؤية واحدة، واعتماد علاج واحد موحد للجميع خصوصاً حيث تكون العصبية المذهبية إبنة إضطهاد سياسي وتمييز إجتماعي وغالباً ما يشمل الإثنان فئات أخرى، لكن الإضاءة تقع على جماعة بذاتها، بفضل الصراع على قرار المنطقة.

لكن، على صعيد لبنان، يمكن القول أن الماضي شهد تجربة الشهابية: لم يخض فؤاد شهاب حربا على الطائفية، بل حاصرها، وحصرها، وضبط أدوار أهلها، بإنشاء مؤسسات دولتيه تراقب أعمال الدوائر الرسمية، كالتفتيش المركزي، وديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية، ما اتاح تقدم الكفوئين من كل الطوائف، وتعزيز إنتمائهم، ومحيطهم، إلى الدولة، باعتبارها المظلة الأعلى والأفعل، والقادرة على توفير الفيء للجميع، وكلما زاد حضور الدولة انحسر دور الطائفية والطائفيين وتفرعاتهما.

لا يمكن الزعم ان الشهابية أنهت غول الطائفية، لكنها أعلت من شأن الهوية الوطنية، بفضل إعلاء دور الدولة في الحياة العامة، وتأكيد دورها مرجعا وملاذا وسلطة أعلى.

لم يستمر الحال على ما أرسته الشهابية، إذ غاب المشروع الوطني الإندماجي، بسبب توترات المنطقة الناجمة عن غياب جمال عبد الناصر عام 1969، ونزاعات الحالمين بوراثة زعامته، وصولا إلى إتفاق “كامب ديفيد”، وخروج مصر من الموقف العربي الجامع،على هشاشته، فيما سقط نظام الشاه في ايران، وورثه نظام الملالي، وحلمه بـ”تصدير الثورة” وتكريس المرجعية الشيعية في “قم” على حساب “النجف الأشرف”.

كان أبرز أنماط ما سمي بـ”تصدير الثورة” بث الفهم الإيراني للتشيع كمدخل لهيمنة سياسية فارسية، عبر أدوات منها “حزب الله” في لبنان، ومفاهيم وأقاصيص مستنبشة من عمق تاريخ الإسلام، بعضها بدع، أو منحول بلا أسانيد، تساعد على التحشيد المذهبي، يغذيها تاريخ من “المظلومية” موزعة بين حقيقة وزعم، بهدف الإيحاء بكيان متخيل عابر للزمان والمكان، وهوية بديلة، تلغي المواطنة، والإنتماء القومي.

في هذه الأثناء كان “النظام العربي” المفترض في غفلة من أمره، غارقا في نزاعات فرقائه، أو مطمئنا إلى ضمانات أميركية، أو غربية، طواها الزمن والمصالح، من دون أن يعي أهله مغازي الإحتلال الأميركي للعراق، وتعاون طهران مع واشنطن، وقفزهما عن العداء المتبادل والعقوبات.

وفي هذه الأثناء، أيضا، تنامى دور “حزب الله” بتغذية ايرانية مباشرة، فذلل رفض الأهالي في الجنوب والبقاع تحديدا، لدوره، وسيطر على الحسينيات والمساجد، وجعلها منابر لدعواه السياسية، ومفاهيمه الدينية، يساعده احتكار مقاومة اسرائيل، بدعم من تفاهم أسدي – إيراني، هدف على المدى البعيد، إلى ما نشهده حاليا، من هيمنة على الدولة، بديلا من هيمنة الوصاية الأسدية، وفرضا لدور منحول هو حماية لبنان بديلا أو قرينا لدور الجيش اللبناني.

أبرز ما يشي به دور الحزب، في لبنان، سقوط الرابط القومي العربي، وقبله الهوية الوطنية. فالأول كان إيديولوجيا ونظريا، لم يترجم بالوقائع الحياتية، ولم يبنَ على تكامل المصالح الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، فيما الثانية لم تنجح يوما في التمرد على حكم الطوائف والمذاهب. يضاف إلى ذلك، الطبيعة الديكتاتورية العسكرية، والإقطاعية الطائفية، والعشيرية للانظمة، وتناحرها الأزلي، بدليل أن أجهزة استخبارات كل منها كانت تبذل جهودها للتجسس على الأنظمة العربية المجاورة، أكثر مما على اسرائيل، ولاحقا ايران، وحتى تركيا، أي الدول المعتدية، أو الطامحة إلى الهيمنة على المنطقة العربية.

استخدم الحزب ما يناسبه من الماضي الديني العميق بلغة راديكالية، كما فعلت طهران، فاستفز راديكالية مقابلة عند المسلم الآخر، لم تجد داخليا آذانا صاغية بقدر ما تخوف كثر، على عكس ما يجري في المنطقة، حيث التعصب يواجه بتعصب أشد واعلى عنفا.

في الخلاصة، يمكن إجمال أسباب تنامي المذهبية بالآتي:

1- غياب، وتغييب الهوية الوطنية.

2- ضمور دور الدولة في الحياة العامة، واهتراؤها.

3- عدم فصل الدين عن الدولة. فالراهن أن الطبقتين السياسية والدينية تتغذى إحداهما من الأخرى، وتتبادلان الغطاء والمصالح، ولا يتعالى صوت الأولى ضد الثانية، وبالعكس، إلا حين تتناقض مصالحهما.

4- سقوط الرابط القومي العربي، واستحالة الرابط الديني الإسلامي، وأصلا عدم صلاحيته كبوتقة للعرب المتنوعين دينيا ومذهبيا.

5- غياب التكامل الإقتصادي والإجتماعي بين الدول العربية.

6- الإنكفاء السياسي وافتقاد الرؤية الإقليمية المستقبلية، كذلك الوطنية.

7- المذهبية ابنة الطائفية، ومن يقبل الطائفية يصل إلى قبول المذهبية. ففي الحرب اللبنانية شهدنا طبيعة طائفية لها، ثم مذهبية في كل معسكر على حدة، فعائلية وعشائرية في الزواريب والأحياء.

8- كما لم تكن الطائفية السبب الحقيقي لاندلاع الحرب اللبنانية، بل تناحر المصالح الدولية والإقليمية، كذلك هي المذهبية اليوم. وطهران لم تخف مصلحتها، لكن العتب على من يسمع ولا يفقه. ربما يمكنه أن يتساءل: كيف يستوي العداء للمستكبرين ومساعدة المستضعفين، مع القتال إلى جانب المستكبر بشار الأسد ضد الشعب السوري المظلوم؟

الخروج من التوتر المذهبي والطائفي، الذي يكمن خلف مظاهر ضحلة، لا يكون إلا بالآتي:

1- كرس الدستور اللبناني لبنان وطنا نهائيا لجميع أبنائه، لكن أغلب هؤلاء الأبناء يشركون بهذا الوطن إنتماءهم الطائفي والمذهبي، ويريدون الدولة أن تخدم تطلعاتهم المذهبية أو الطائفية، وحتى الشخصية، ليؤمنوا بها. ولا مخرج من ذلك إلا بمشروع اندماج وطني فعلي، وليس بتكاذب وطني.

2- تتولد المواطنة من شعور عميق بوجود مظلة عدل وأمن وأمان، اجتماعي واقتصادي، حاضر ومستقبلي، لا توفره سوى الدولة، بقدراتها المتأتية من تخلي كل فرد وجماعة فيها عن جزء من حرياته لتكوين حيز جامع لمصالح الجميع، يساوي بينهم بلا انحياز ولا مراعاة.

3- لا تستقيم المواطنة من دون تأكيد إرادة ناجزة بالعيش معا، ليس بعنوان العيش المشترك، بل العيش الواحد. فالعيش المشترك، لغة ومضمونا، يوحي بأن الفرقاء مستعدون لإيجاد قواسم مشتركة، من دون التخلي عن الإنطواء على الذات المذهبية والطائفية، أي فتح نوافذ بين الطوائف والمذاهب، من دون إزالة الجدران الفاصلة.

4- إخراج النقاش الديني من التوظيف السياسي، وترسيم الحدود بين الديني والسياسي، ليقوم رجل الدين بما يمليه عليه ايمانه، ورجل السياسة بما يتطلبه دوره، فلا يتعدى أحدهما على دور الآخر.

5- الراديكالية الشيعية المتنامية في لبنان منذ ثمانينات القرن الفائت، وهي مسلحة، استدعت راديكالية سنية كامنة، ومحدودة، ومسلحة، والإثنتان تستنفران حاليا راديكالية مسيحية كامنة ومحدودة وغير مسلحة. الأمر الذي يتطلب وعيا بحقائق الحرب اللبنانية السابقة، والتي توضح أن العصبيات لا تجدي، وأن الاستقواء هنا، أو هناك بلحظة تقاطع مصالح دولية واقليمية مع محلية، لن يؤدي إلى نصر لأي طرف على الآخرين. فالجدار الذي يسقط عنده كل طمع بزيادة وزن معنوي، سيصطدم بجدار اسمه التوازن الوطني ممثلا بفحوى الميثاق الوطني.

6- ما يساعد على تخطي لحظة التأزم الراهن، أن ينصرف أهل المعارف الدينية إلى استشراف المستقبل باستخراج ما يجمع بين الناس، من نصوص، بدل النبش في الماضي عما يفرق ويفرض التناحر والتنافر.

7- لا يمكن الدولة في لبنان أن تكون مسلمة أو مسيحية، ولا تستطيع اتخاذ أي من الديانات، أو المذاهب، هوية دينية لها، لكنها أن تستطيع احتضان كل الديانات ومنحها الهوية اللبنانية، طالما أهلها تحت حماية الدستور اللبناني، ويحترمون قوانينه.

8- إن وجود مشروع مذهبي أو سياسي ايراني لا يجب أن يكون مبررا لنظرة شمولية إلى اللبنانيين المسلمين الشيعة، أو إلى العرب المسلمين الشيعة، ككتلة متجانسة.

9- ليست المشكلة في أن ايران، كما دول اخرى في العالم، تنزع إلى مد نفوذها وهيمنتها على محيطها، بل المشكلة في قصور العرب في التنبه إلى ما يجري، واستكانتهم، فلا يعاقب الشيعة العرب جمعا، على ما ليس من مسؤوليتهم، ولا قرارهم.

وكان للسيد مصطفى هاني فحص كلمة تناولت النقاط التالية:

“الاقلية في العراق ظلمت الاغلبية وفي سوريا الاقلية ظلمت الاكثرية المشكلة ليست في الأقلية أو الأكثيرية، المشكلة في عدم احترام التعددية التي بدأت منذ حكم الانقلاب العسكري على يد عبد الناصر.

التعددية هي الخطوة الاولى للدمقراطية ايران استغلت ضعف الوطن العربي ووجدوا فيه ارضا خصبة

الحشد الشعبي في العراق يوازي الارهابيين الذين يخربونه اجراماً بل ويختبئ بالطائفية الحشد الشعبي لا تختلف جرائمهم عن باقي الارهابين في العراق ستبقى المرجعية العربية في النجف مرجعيتي وقد صرحت كثيراً هذه المرجعية ضد الجرائم الطائفية القوة عند السعودية انها هي تصنع انفراج سني شيعي ولا تنتظره من ايران”

في حين جاء كلمة الدكتور حارث سليمان تحت عنوان “مواصفات مشروع عربي لبناء مستقبل حديث”، وتضمنت:

“ثمة في كل سلطة قدر نسبي من الشرعية يسوّغ لها تسلم ادارة البلاد، الرضا المستند الى الاقتناع من قبل المحكومين هو قاعدة الخضوع والالتزام بالحكم، ثمة عامل أشد أهمية الى جانب الشرعية هو القدرة على احتكار العنف وممارسته حفظا للمهابة والاستقرار، بين الشرعية والقدرة على احتكار العنف علاقة عكسية، كلما زادت شرعية الحاكم واستتبت موازينها، كلما قلّ بطش السلطة وعنفها، وكلما أهتزّت شرعية السلطان كلما زاد جوره وظلمه.

الصراع المتفجر في دول الاقليم على مدى السنوات الست الماضية، هو خلاف حول طبيعة الدولة ووظائفها، هو صراع على أي شرعية سترسو سلطة الدولة أو الدول الناشئة، وما هو مستوى قدراتها لاحتكارالعنف وفي أي المواقع تتحدد مبررات استعماله، والبحث في بناء مستقبل حديث للعرب في القرن الواحد والعشرين هو بحث في بناء دولة حديثة في عصر العولمة.

على مدى التاريخ الانساني تطور مصدر شرعية السلطة من الحاكم الاله في عصور ما قبل الديانات السماوية الى سلطة الملك الذي يستمد سلطته من الله، الى مرحلة المرسل الذي يحكم تطبيقا لشريعة يتم تأويلها وتفسيرها من قبل المؤسسات الدينية، السلطة في كل تلك المراحل كانت استبدادية تنبثق من خارج الناس، ودائمة تورث داخل العائلة المالكة، وممارساتها لها قدسية لا تخضع لمساءلة.

أنجزت الراسمالية في أخر مراحلها، الدولة الحديثة فأنزلت السلطة من عند الله الى الناس، غدت القداسة لا تحتوي السياسة، الشعب مصدر السلطات، القانون الانساني والدساتير الوضعية لبناء الحياة السياسية، السلطة متداولة ومتعاقبة وتخضع للمساءلة. على قاعدة ما تقدم يعيش العالم العربي والاسلامي خارج هذا الوقت، في زمن مضى وتجاوزته البشرية جمعاء، ولا يجد تبريرا سوى البحث عن باب للخروج من حبائل المؤامرة الخارجية، فهل من مؤامرة ؟ وجوابي نعم!

المؤامرة الحقيقية على أي وطن هي بقاء حكامه بالسلطة دون تداولها الى الأبد، بحيث تتحول أجهزة الأمن بديلا للمجتمع وحراكه السياسي، ويتم تزوير الانتخابات التمثيلية، ان جرت، ليصبح الحاكم معصوما دون مساءلة، وتتركز بيده السلطات كافة فلا يعمد لفصلها، ولجعلها مستقلة، ولا تخضع السلطة التنفيذية للسلطة الاشتراعية ورقابتها، ولا تستقل السلطة القضائية لتنفيذ القانون وحفظ العدالة، ويحوّل أولاد الحاكم وأنسباؤه موارد البلاد الى ثروات شخصية، وتصبح السلطة جمهورية كانت أم ملكية غنيمة يتم توريثها. المؤامرة هي هذه (ان صحت تسميتها بالمؤامرة) هي سلطة اقل شانا من “دولة المماليك” لا شرعية لها من ناحية أولى ولا قدرة لها على احتكار العنف من ناحية ثانية أو مواجهة التحديات الخارجية، التحدي الاسرائيلي أم التحدي الايراني.

سلطة بطشها سافر وفاشل معا، دول الاستبداد العربية الراهنة انهارت الواحدة تلو الاخرى فسقطت شرعيتها الداخلية بعد أن فشلت في تحقيق تنمية وطنية داخل دولها في مواجهة شعوبها التي تعاني من الفساد والفقر والبطالة، وفقدت دورها الاقليمي ومنظومة حمايتها الخارجية ، بعد أن افتضح عجزها عن مواجهة تداعيات القضية الفلسطينية وتعثر عملية السلام، وفشل النظام العربي الرسمي مجتمعا في اقامة شراكة عربية اقتصادية وسياسية، وبانت مياومته السياسية في تجاهله طويلا واستفاقته المتأخرة لسياسة الهيمنة التي تمارسها ايران على دول المشرق العربي. نستطيع أن نمضي طويلا في تعداد فشل السلطات العربية في

الميادين كافة، وهدرها لموارد العرب البشرية والطبيعية، لكن جذر المشكلة واحد وبسيط أنه: غياب دولة حديثة بمقاييس العصر وطبقا لمعاييره.

لا جدوى من كل محاولات بناء وصياغة شرعيات مستجدة لسلطات ناشئة كولاية الفقيه الشيعية في كل من اليمن أو العراق أو لبنان، أوالسلفية الوهابية التي تريد استعادة دولة الرسول في يثرب على طريقة الدولة الاسلامية في العراق والشام، أو استحضار نموذج الخلافة الراشدية وصولا للسلطنة العثمانية في أحزاب الاسلام السياسي المختلفة. أما الايغال والمبالغة في ممارسة عنف منفلت باسم هذه الشرعيات فلن يوسّع دائرة الخضوع لشرعيتها او يمدها بحلول لمعضلات الواقع العربي وتحديات الاقتصاد والتنمية والتشغيل والصحة والتعليم وغيرها.

المحاولات هذه (بناء شرعيات مستجدة) رغم خصوماتها، تشبه التدافع على باب مخبز ينتج معجنات كثيرة ومختلفة، تنوع الاختيارات في المخبز يعود الى عجين واحد، وتنوع الاختيار للشرعيات فرضية ساذجة، لأن كلها ترسل السياسة الى رف القداسة، فتعيد انتاج منظومة الاستبداد، على خط آخر، لا فائدة أيضا من اصطناع وظائف دول جديدة تتماشى مع أجندات أقليمية ودولية، كمحاربة الارهاب، وتأمين مصادر الطاقة وخطوط نقلها وتسويقها، وفتح الأسواق أمام التجارة الدولية وزيادة معدلات استهلاك الفرد. كلها محاولات خارج زمن العالم وساعة توقيته.

الدولة الحديثة المطلوبة هي دولة القانون والمؤسسات القانون الوضعي والمؤسسات المنتخبة من الناس وهي تستند الى مواصفات اهمها:

أولا- الالتزام بالشرعية الدستورية ، أي قبول قواعد واضحة وثابتة لما يعرف ب”اللعبة السياسية”، وهي ضوابط وحدود طوعية لا يجوز اخضاعها للانتهاك او الابتذال والاستنساب. هذا الالتزام الطوعي هو مفتاح الاستقرار الداخلي، وهو حجر الاساس في البناء الديموقراطي

ثانيا- ارساء ثقافة التعاقد السياسي التي تؤسس للحق في الاختلاف وضرورة الحوار وحتمية تداول السلطة، لان جوهر الديموقراطية هو ادارة وحماية التعددية، والحكم الديموقراطي ليس الاستحواذ على السلطة عندما يعتقد الحكام انها وسيلة لتأبيد حكمهم، او عندما يتوسلها المعارضون من اجل الحد منها او القضاء عليها.

ثالثا – اقامة الحكم الصالح Good Governanceومكافحة الفساد: اي الحكم القائم على قواعد اخلاقية صارمة تحول دون التضارب بين المصلحة العامة والمصلحة الشخصية او الخاصة، او صرف النفوذ، او استغلال المنصب العام، ان تعميم الفساد يحط من قدر السلطة في نظر المواطنين وصولا الى تدمير فكرة المؤسسة ومن ثم الدولة.

رابعا- اقتصاد المعرفة هواقتصاد عالم اليوم، المعرفة التي باتت بفضل ثورة الاتصالات المصدر الاكثر كثافة للدخل والثروة، حتى أن القيمة المضافة للخدمات وللسلع وقدراتها التنافسية باتت تقاس بقدر ارتفاع المكون المعرفي في انتاجها. ان اقتصاد المعرفة يتطلب، ثورة في نظام التعليم يركز على الانفتاح والعالمية واكتساب اللغات الدولية الحية، وضخ استثمارات مرتفعة حكومية وخاصة في البحث العلمي والتكنولوجي وتحفيز الاستثمار في هذا القطاع، واعتماد سياسة وطنية للتشغيل توصل ما بين نظام التعليم والنشاطات الانتاجية.

خامسا- التنمية المستدامة، التي تشتمل معا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتي تطرح اشكالية الاقتصاد الانتاجي في مقابل الاقتصاد الريعي الذي لا يخلق ما يكفي من فرص العمل، اضافة لمسألة تنويع الاقتصاد وعدم اعتماده على قطاع وحيد أو شبه وحيد للانتاج، وكذلك ارتفاع الانتاجية، التي تعزز تنافسية

القطاع المعني والاقتصاد الوطني ككل. وارتفاع الانتاجية بات عنصرا حاسما مع فتح الاسواق الوطنية ورفع الحواجز امام انتقال البضائع والخدمات في ظل ما يعرف بالعولمة. وتشتمل التنمية المستدامة على الحفاظ على التوازن البيئي وتأمين العدالة الاجتماعية.

سادسا- اعادة بناء المنظومة السياسية الاقليمية العربية وجامعة الدول العربية كمنظومة استراتيجية للعمل العربي المشترك، والعمل لقيام شراكة عربية اقتصادية تتيح حرية انتقال الافراد والرساميل والاعمال والبضائع وبناء شبكة خدمات اقليمية عربية للنقل والمواصلات والاتصالات والطاقة الكهربائية والنفطية.

الربيع العربي كان يمكن أن يمضي قدما في تحقيق دولة تتدرج خطاها لتلبية هذه المواصفات، لو لم تتحرك قوى الثورة المضادة لارجاع عقارب الساعة الى الوراء، ولو لم تتنافس السعودية وايران معا للانقضاض على الربيع العربي وتنجحان في تغيير جدول الأعمال، من المطالبة بالحرية واسقاط الاستبداد، الى وضع الحرب الاهلية على جدول اعمال شعوب المنطقة، فاستفاقت الفتنة الشيعية – السنية من سباتها وانتهى ربيع مصر بعودة الجيش الى الحكم وخرجت ايران تقاتل في العراق وسورية ، فيما خرجت السعودية تقاتل في اليمن والبحرين، أما دولة الامارات فقاتلت في ليبيا فيما انخرطت القوى الدولية والاقليمة في الصراع الدائر بعد اتساع دائرة تطرف الأصوليات السنية والعمليات الارهابية في عواصم العالم.

قد يتراءى للمرء لوهلة أولى أن معركة الحرية واسقاط الاستبداد أصبحت وراءنا وأن المشهد الجديد قد استتب على خيارين:

الأول: مواجهة سياسة الهيمنة الايرانية والاندماج في عداد الأكثرية العربية من اهل السنة بزعامة دول الخليج والسعودية.

أما الثاني: فهو الانخراط في محور طهران- دمشق والاندماج بالأقليات الشيعية المرتبطة بايران بدعوى مواجهة الارهاب التكفيري.

لكن تبصرا عميقا في نتائج الانزلاق لواحد من الخيارين سيظهر فداحة النتائج الكارثية لتفجر صراع قد لا ينتهي، ولمدى الدمار الذي سيطال مجتمعاتنا، ولعبثية نهايته المفجعة كخسارة مضاعفة على ضفتي الخصومة. يتبدى بسبب فداحة المواجهة

خيار ثالث،هو تأجيل المواجهة بافتراض تغيير في السلوك الايراني ناتج عن انقلاب موازين القوى لصالح الاصلاحيين على حساب الحرس الثوري، غير أن ذلك ليس الا سرابا خادعا، فالاتفاق في ايران بين جناحيها المعتدلين والمتشددين لا يعني اتفاقا مع العرب. وستبقى ايران بمعتدليها ومتشدديها دولة اقليمية تريد نفوذا ومجالها الحيوي هو العالم العربي، مما يجعل الاتجاهين معا يوافقان على سياسة تمدد النفوذ الايراني في الدول العربية.

هذه معركة على العرب خوضها ليس بهدف العداوة مع ايران بل لاقامة علاقة متكافئة معها تمنعها من التغلغل وزعزعة الاستقرار في المجتمعات العربية من خلال تجييش الشيعة العرب في مخططاتها. الخطر الايراني الذي علينا مواجهته لا يكون بمواجهة سنية – شيعية، بل بمشروع عربي يكون هدفه الابعد بناء دولة حديثة بالمواصفات المبينة اعلاه اما الهدف الاقرب المتاح فيعتمد على:

* مشروع سياسي اصلاحي يوسع قاعدة السلطات في بلادنا عبر توسيع المشاركة الشعبية وتحسين حياة شعوبنا ودولنا، ويبعد عن مجتمعاتنا تجاوزات اجهزة الامن وسياسات القمع. لديه وجه ثقافي غير اقصائي، فيه تراكم من التسامح والانفتاح بحيث يحقق مشاركة المراة والشباب، ولا يهمش احدا.

* مشروع يعنى بادماج الشيعة العرب وبقية الاقليات بما يمنع ايران من اللعب في النزعات الاقلية والانفصالية، ويشدد على شراكة الشيعة العرب في مشاريع الاكثرية السنية التي تصيغ مشروعها السياسي في افق رحب ويوجه طاقات الامة نحو خيرها. ويوضح لبعض السلفيين والجهاديين الذين يقومون بشتم الشيعة وتكفيرهم بان ما يفعلونه يساعد ايران على ان تجد انصارا لها.

* مشروع يستند الى بنية اجتماعية تتبنى سياسة تعاون اقتصادي وانماء يمنع استغلال الفئات المهمشة للقيام باعمال عنف تصل الى حدود التماهي مع المنظمات الارهابية.

* اقامة محور عربي حقيقي أساسه السعودية ودول الخليج العربي من جهة ومصر من جهة أخرى، وتحقيق مصالحات حقيقية في الساحة الفلسطينية والاهتمام بشعب العراق وازماته، واتباع سياسة تضامن عربي فاعلة، وتفعيل الدور المصري وتذكيره بما عليه من واجبات في مواجهة سياسة التمدد الايراني.

* تنسيق لا بأس به مع تركيا. وتفعيل سياسات منظمة المؤتمر الاسلامي والتمسك بموجبات القانون الدولي واحترام سيادة الدول في العلاقات الخارجية.

* اما في لبنان فان”حزب الله” لم يسيطر على قرارالشيعة بالاقناع، فعلى مدى 30 سنة تُرك الشيعة الديموقراطيين لمصيرهم يخوضون مواجهة داخلية ضد المخابرات السورية والإيرانية و”حزب الدعوة” العراقي وقضى منهم في هذه المواجهة 5 آلاف ناشط مدني وكادر ديموقراطي، وهذا خطأ استراتيجي.

المواجهة المباشرة بدأت منذ 25 أو 35 سنة بنى الحزب خلالها مشروعه بطريقة تراكمية وبمنهج القضم وباجندات سياسية مركبة، وصولا الى الامساك بمفاصل اساسية في الدولة وتعطيل المواقع الاخرى التي لم تصل يده اليها، فيما كانت الدول العربية تتلهى بممارسة المياومة السياسية وتتقلب مواقفها، جزء من المسؤولية فيما وصلنا إليه اليوم كان نتيجة إسناد الملف اللبناني لإدارة النظام السوري، وجزء منه أيضاً التحالف القطري الإيراني، وجزء آخر سياسة الـ”س – س” ، وتمكين الرئيس السوري بشار الأسد من زيارة بيروت بعد أن طرد منها. فيما كانت ايران تساعد حزب الله بالسلاح والمال وفي تجنيد المشايخ وبناء المساجد والحسينيات وتجنيد الآف المقاتلين وتأسيس عشرات مراكز البحوث وهناك اليوم ماكينة إعلامية من 200 وسيلة اعلامية وتلفزيونية تمولها إيران.

نقطة البداية في لبنان هي تعديل ميزان القوى في البلد عموماً وفي الطائفة الشيعية خصوصاً من خلال تأسيس تحالف سياسي عريض يضع حداً لتمدد الحزب داخل الدولة في لبنان ويستند الى إستراتيجية عربية شاملة.

لكن التغيير الجذري مشروط بالتغيير في سوريا لأن إزاحة نظام الأسد هناك سيكون لها انعكاس أكيد وتلقائي على “حزب الله” في لبنان.”

 

السابق
أجّل زفافه لوفاة جده.. فكان شبح الموت له بالمرصاد
التالي
بعد حملات «مسيحية».. الراعي للمشنوق: نحبُكَ وكلامُكَ وثيقة وطنية رائعة يجب توزيعها