سناء محيدلي…كانت مقاومة بلا حجاب وراية صفراء!

لم ترتبط كلمة "مقاومة" بذاكرتي إلاّ بحزب الله، فأصبح كل مقاوم بالنسبة لي هو شيعيّ الهوية يحمل راية صفراء.. لم تكن نظرتي لهؤلاء المقاومين عنصرية، وإنّما أنا وحاضنتي كنّا نراهم أبطالًا من بلادنا حرروا الجنوب من المغتصب المحتل، ولربما التباين اليتيم بيني وبين الآخرين انّ مفهومي للمقاومة كان أحاديًا بينما هم كانوا على معرفة بأصلها وبتدرجاتها.

هذا الربط بين المقاومة والشيعة، دفعني في مراحل كثيرة لأن اتبرأ لا شعوريًا من مذهبي ولأن أنتمي بكل حواسي الوطنية لذلك المذهب الذي قاوم العدو بدماء الشهداء.

لم أكن أدرك في تلك المرحلة أنّ المقاومة هي لبنانية وليست إسلامية، ولا أنّها ولدت من رحم “جمّول” وشهدائها، حتى جاء ذلك اليوم الذي قرأت به خبرًا عن أوّل فتاة تقوم بعملية استشهادية ضد العدو، وهي من موطني لبنان وتدعى “سناء محيدلي” أو “عروس الجنوب”.
هذا الخبر حرّك فضولي لأتعرف من هي هذه البطلة، إلا أنّ ذاكرتي الأولى والتي تنصّ على انّ كل مقاوم هو بالضرورة “شيعي – حزبي”، أخذتني لأتوقعها محجبة متدينة تحمل راية السيدة زينب عليها السلام بيد وراية حزب الله بيد أخرى.
إلا أنّ المفاجأة كانت أنّ سناء محيدلي ليست محجبة، ولا من طاقم حزب الله، بل على النقيض تمامًا هي من الحزب القومي الاجتماعي ومن مقاومة “جمّول”.

من هي جمّول؟
هو السؤال الأول الذي طرحته في حينها فكانت الإجابة “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية”، التي سبقت حزب الله والمقاومةالإسلامية بدماء منتسبيها الذين لا هوية مناطقية ولا مذهبية طاغية عليهم، دحروا العدو الإسرائيلي من المناطق اللبنانية ومن بيروت إلى الجنوب حيث استلمت المقاومة الإسلامية زمام الأمر فقطفت نصر “2000” الذي ما كان ليتحقق لولا “جمّول”.
أخبروني، عن سهى بشارة وعن رصاصتيها للعميل لحد، وأخبروني أنّه في السادس والعشرين من أيلول 1982 تمكنت هذه المقاومة اللبنانية المتنوعة الأطياف من تنفيذ عدة عمليات بطولية أجبرت العدو على الانسحاب من بيروت ومكبرات الصوت تردد “يا أهل بيروت لا تطلقوا النار نحن منسحبون”.

إقرأ أيضًا: موت لحد يحيي أمجاد «جمّول» المنسية
حدثوني كثيرًا عن العروس “عروس الجنوب” سناء ابنة السابعة عشر، وعن العملية الاستشهادية التي نفذتها وكيف أنّها قدّمت الوطن على كل الاعتبارات، فكانت أوّل وأصغر فتاة تقوم بعملية استشهادية.
وهمسوا لي أيضًا أنّ سهى “من الحزب الشيوعي”، فيما سناء من الحزب القومي السوري، وأنّ جمول لم تكن ذات هوية واحدة بل شملت جميع الأحزاب وصولًا للإشتراكي وأمل.

عروس الجنوب سناء محيدلي
عروس الجنوب سناء محيدلي

الأحاديث عن “جمّول”، وما قرأته عنها، أوصلني لنتيجة أن حزب الله لم يكتفِ بمصادرة تاريخ “أمل” وشهدائها، وإنّما صادر أيضًا المقاومة اللبنانية العابرة لكل المناطق والمذاهب والإنتماءات..
أجل، حزب الله حرر الجنوب، والمقاومة الإسلامية لها إنجازات لا يمكن التغاضي عنها عند “الحدود”، ولكن في العمق اللبناني جمّول، لم يكن من بطولات تسجّل إلاّ لجمّول وأولى الشهداء هم شهداء هذه الجبهة المقاومة…
فهل نلوم الحزب، أم الإعلام اللبناني الذي يغيّب الانتصارات الوطنية، والذي يركز على الحزبية والمناطقية.

إقرأ أيضًا: المقاومة ومواجهة اﻹرهاب حق وطني.. لا حزبي

“جمّول” لن تموت، ففي تاريخها زهرتين، وفي قاموسها بطلتين، ولأنّ الأنثى هي رمز “الخصوبة” والاستمرار، من رحم سهى لـ رحم سناء، “جمّول” باقية في الذاكرة برصاصتي سهى وبعروستها وبسائر الشهداء الذين سقطوا لأجل الوطن.

في الذكرى الـ 31 للعملية البطولية لـ “سناء محيدلي”، نوّجه ألف تحية لذكرها، وألف تحيّة لمقاومة جمّول وانتصاراتها، ونقف لحظة صمت عن روح ذكرى المقاومة الإسلامية “حزب الله”، التي تحوّلت إلى منظمة تحارب الأطفال والنساء والمواطنين العزل في الأراضي السورية وترسل خلاياها المخربة إلى البقاع العربية.

السابق
قوى الامن: توقيف شبكة دعارة في خلدة
التالي
استقالة ريفي حركت ما يفترض تحريكه وغيّرت حكم البراءة المقنع