البرامج الفضائحيّة في لبنان الى ازدياد… و«الجديد» انموذجا؟

في لبنان يحتاج الفضاء الإعلامي المرئي لتلفزيونات وطنية تكون بعيدة عن الخط السياسي لاحد الاحزاب الطائفية الحاكمة. وتصلح محطة "الجديد" كقناة غير تابعة لحزب أو لطائفة لهذه المهمة، التي لاحت - فيما مضى- في الأفق بوادر مهمتها هذه، إلا أنها تحولت الى مهمة أخرى. فما هي المهمة؟

خلال فترة قصيرة تحولت قناة “الجديد” من قناة جادة الى قناة اثارة. ربما بهدف خطف الجمهور الذي تتقاسمه القنوات الطائفيّة فيه. بدءًا من المؤسسة اللبنانية للإرسال التي تميّزت لفترة طويلة بهواها الناقل للصوت المسيحيّ المعترض مرورا بمحطة المستقبل الحريرية المسانده للحكومة، وصولا الى المنار الشيعية “المقاومة”.

اقرأ أيضاً: هكذا حاولت «الجديد» اشعال فتنة «صفقة التبادل»…

فالقنوات الثلاث الأخيرة كانت ولا تزال صوت الطائفة التي يملك الحديث بإسمها الزعيم فقط.

ورغم مرور أكثر من عقدين على تأسيس قناة “الجديد” فأنها لا تزال محط لبس وتساؤل، فهي الى اليوم لم تحسم هويتها الطائفيّة، وان كانت في وقت من الأوقات قد ميّزت نفسها بالخطاب الوطنيّ بالمعنى اليساري، الذي يضم عددا كبيرا من اللبنانيين الخارجين على مذهبيتهم.
هذا الخطاب الوطنيّ برز مع اللقاءات العديدة التي كانت تُجريها الاعلامية شذا عمر مع النائب السابق نجاح واكيم.
ولكن، وفجأة بدأ الصوت الوطني يخفت ليرتفع بدلا منه الميكرفون الترفيهي الذي أخذ يدخل الى المحطة شيئا فشيئا، ربما بناءا على نصيحة من أحد المدراء داخل المحطة، الذي رأى بنموذج (المؤسسة اللبنانية للارسال) النموذج الذي نجح أثيريًا وماديًا، وتميّز بأن حوّل لبنان الى ملهى ومرقص للسواح العرب والاجانب، من خلال برامج المسابقات والفن والجوائز، الأمر الذي كانت تنتقده وتُعيبه قناة الجديد على المؤسسة اللبنانية للارسال، حين نقدها للإعلام اللبناني في مرحلة ما بعد الحرب وحكم الرئيس رفيق الحريري الراحل.

قناة الجديد
ومن يراقب ويتابع هذه القناة التي تميّزت بالبرامج الإستقصائية، يرى أنها تسير في إستقصائها وبرامجها البارزة جنبا مع البرامج التافهة والسخيفة والتي تروّج لانعدام الثقافة وضحالتها كبرنامج (فك الشيفرة)، وبرنامج (غنيلي تغنيلك)، وبرنامج (عالبكلة)، وبرنامج (وحش الشاشة)، اضافة الى برنامج (بعدنا مع رابعة) الذي توقف، وهلم جرا…
فهذا الكمّ من البرامج يدور حول النجوم، والفنانين، والفن بمعنى اللهو والدلع وليس الفن الراقي كالرسم والشعر والأدب والرقص والموسيقى، وكل هؤلاء الفنانين والفنانات ولباسهم وطعامهم، وكأن هذا البلد المنكوب مشغول البال على فنانيه الذين تبيّن انهم الأعلى أجرا في بلد منكوب مزر، وعالم عربي متوحش، وحروب في أكثر من ثلاثة بلاد عربية، وخراب وتشريد… مع الاشارة الى انه لا خبر نسمعه عن الفنانين الكبار… وهذا ما يدهش. وحين استضاف تمّام بليق أحد الفنانين في برنامجه التشهيري الفضائحي “فك الشيفرة” فإنه أهانه وعرّضه للسخرية.
ألا يستحي هذا الإعلام، في بلد مرّت عليه حروب وحروب، بأن يطل على جمهور فقير مُعدم يُحارب طواحين الفساد كل يوم كأنه يحارب الهواء؟
أليس جديرا بنا ان يكون لنا محطات جادة محترمة تحترم عقل المواطن الذي يتعرّض للذل في شتى أصقاع الأرض لأنه لبناني؟ أليس الأجدى بالمعنييّن بالإعلام ان يكونوا على قدر المسؤولية بأن يتحملوا جزءا من أعباء المجتمع اللبناني من خلال بعض البرامج الهادفة والبعيدة عن التهريج والفجاجة؟

النقد والتعليق والمتابعة والإستقصاء وإعداد البرامج المحترمة لا تضرّ بالقنوات اللبنانية أبدا.. فيا قناة (الجديد) حيرتي المشاهد بخطك العام: أهو وطني أم تجاري؟ أهو ترفيهي هزلي أم جاد؟ أهو إستقصائي محارب للفساد ام هو هرج ومرج وتهريج فنيّ؟ أهو يسعى لنهضة المجتمع المُنهك من كافة جوانبه أم هو سائر بنا نحو الهاوية؟

اقرأ أيضاً: «السفير» تنتقد «الجديد» على تجاوزها

ختاما، يكفينا المحطات الأخرى التي لا تُقدّم اللبناني للآخر الا كـ(فرنكوفوني)، او كـ(إيرانوفوني)، او كـ(سعوديفوني).. كوني المحطة اللبنانية الأولى والوحيدة، وثبتّي خطك على هوا بثّ الوطن فحسب”.

السابق
جوهرة النهرين
التالي
الوطن القطرية: تنسيق خليجي – اميركي حول الحلول المنشودة لأزمات المنطقة