العبودية الجنسية والشعب العنيد

التاريخ أستاذ في فضح الشياطين، لمن رغب ان يتعلم منه. قبل إنكشاف فضيحة العبودية الجنسية التي طالت خمساً وسبعين مواطنة سورية، توالت “الصدف”. فزُوِّدت الفضيحة بنكهة خاصة: لبنانيون ينتفضون لوطنيتهم، بعدما “أهانتها” فنانة إمارتية بعبارات استفزازية… وبعد هُنَيهة، يعود لبنانيون آخرون، يخوضون غمار الدفاع عن وطنهم ضد صحيفة نشرت كاريكاتورا “مسيئاً” له. وفي الحالتين، يهوجون ويموجون بلسانهم أو بعضلاتهم، ضد ما قيل عنهم وعن وطنهم ودولتهم. فيما هم يلطمون انفسهم ليل نهار على أقرانهم ودولتهم وسياسييهم.

ولكي تكتمل اللوحة الخلفية، يجب أن نضيف الورشة العنصرية، التي تعتاش من 90% من المساعدات الإغاثية المقدَّمة إلى اللاجئين السوريين. ثم استجابة المسؤولين لهذه العنصرية، بالكتمان، او التلميح، أو الهجوم الضاري، المنظَّم، المغذّي لهذه العنصرية، والقائم على “رفض توطين اللاجئين السوريين”؛ وذلك تأميناً لسِعار طائفي، ممنوع عليه النضوب. وبعد ذلك، يمكن تصوّر حالة الإنصهار الضمني، القائم بين الطبقة السياسية وجمهورها، المتقاتل، المتعارض، المتناحر. وهذا الإنسجام يجد أفضل تجلياته في فضيحة استعباد مواطنات سوريات، هن الحلقة الأضعف من بين مواطنات ومواطني سوريا، البلد المكسور. “البيئة الحاضنة”: مثل مملكة الخلافة الداعشية، هناك بيئة حاضنة لهذه العبودية. لو لم يكن هناك “طلب” على هكذا “عرض”، لو لم يكن “المشروع” مربحاً وبسرعة، لما كان أتعب المستثمرون أنفسهم، وغطسوا إلى هكذا حضيض. هناك إذن زبائن، وغالبيتهم لبنانيون، طالما اننا الآن معزولون عن عالم السياحة الجنسية. ثم ان هناك الجيران والحيّ والمحيط الأكبر؛ وكلهم في بلد مثل لبنان، الجميع فيه يعرف الجميع. وهذه ليست النقطة الوحيدة المشتركة مع “داعش”.

بعد الإستعباد الجنسي، المغطى “شرعياً” هناك، والمغطى مالياً وأمنياً هنا، بفضل شبكة فساد يتوحد فيها المجتمع مع المسؤولين؛ بعد “البيئة الحاضنة” التي لا تنتهي خيوطها عند حدّ، هناك النظرة إلى “المهنة” نفسها، إلى “الحالة” نفسها: “داعش” وحاضنو الفضيحة اللبنانية، أو الساكتون عنها، يتقاسمون النظرة إياها عن المرأة التي هُزمت، أو هُزم رجالها: انها آلة صناعة اللذة، تُشترى في السوق، بالموت البطيء هنا والموت السريع هناك. ولكن، بين استعباد “داعش” واستعباد “مستثمرينا” اللبنانيين فرق أيضاً: العبودية مع “داعش” علنية، طقوسية، مشهدية. “داعش” لا يستحي من فعلته: النساء الأسيرات، هن تعريفاً سبايا، حلالٌ عليهن العبودية الجنسية. و”داعش” يرى انه بذلك ينفذ تعاليم عقيدته، ينظمها بقوانينه، التي يقول أنها إلهية. أما أصحابنا، فصحيح أنهم، هم أيضا، يأخذون المواطنات السوريات كسبايا حرب..

اقرأ أيضًا: من القمح الى الاتصالات الى الدعارة: المافيات اللبنانية تفضح بعضها!

ولكنهم يفترقون عن “داعش” بنقاط عديدة: فهم مهنْدمون مرتّبون ملمّعون، تفحّ منهم عطور الماركات الجديدة، يحملون قلادات من ذهب، وينطقون ببضع كلمات فرنسية أو انكليزية. وهم فوق ذلك لا ينفخون في البوق ليدللوا على “بضاعتهم”، بل يتسترون، يتذاكون، بشبه تستر، أو شبه ذكاء. يشدّون الزبون بالطرق المعروفة، المسكوت عنها، ولا يهلّلون لأمجادهم هذه، ولا لأرباحهم، التي بالتأكيد يجدونها طائلة، وإلا ما كانوا خاضوا “غمارها”. الذين يراقبون هذا “النشاط الإستثماري” اللبناني من بعيد يؤكدون بأن مقهى “شي موريس”، و”سيلفر”، حيث ينغل القوّادون الإستعباديون، ليس إلا جزءاً من المشهد؛ وان غيرهم من شبكات الاستعباد، ذات الطرق الأكثر باطنية، تحرث في جسد المواطنات السوريات بلا حساب ولا حسيب. بالأصل، البغاء نفسه فضيحة انسانية. وأن يكون “إختياريا” لا معنى له. إلا اذا كان العوز والضياع والمحن هم أنواع من “الخيارات”.

بالأصل، ما من امرأة “محصّنة”، ميسورة أو محمية، متمتعة بإمتيازات… يمكن ان تُقْبل على البغاء. البغاء عبودية أصلاً. وإذا إلتفّت حول عنق هذه العبودية سلاسل إضافية، من حديد، “داعشية” أو لبنانية، من نوع “شي موريس”، فأصبح من واجبنا ان نخجل من كوننا نحن، مع الطبقة السياسية، نتواطأ مع هذه الجريمة، لا نهتم بها، نسكت عنها، نضيفها إلى”عاديات” أيامنا..إذا لم نجد في هذه العبودية عاراً على جبيننا، فلا يحق لنا ان ننتفض من أجل وطنيتنا الممسوخة، بعدما شوهتها معاندتنا للحق، وإصرارنا على التباهي الفارغ بأنفسنا؛ بحجة ان نرجسيتنا مجروحة.

(المدن)

السابق
جنبلاط: يجب الطلب من قيادة الجيش تشكيل لجنة تحقيق لتتعاون مع اللجنة النيابية لمعرفة كيف ومتى دخلت معدات الانترنت غير الشرعي
التالي
تورط مئات الشخصيات والشركات اللبنانية في «أوراق بنما»!