المجتمع المدني ومعاركه السياسية

مجتمع مدني
عندما أصبح عجز الدولة خارج حدود العقل والمنطق، وعندما أصبحت النفايات تملأ الشوارع والساحات مهددة السلم الأهلي بكوارث بيئية، وعندما ارتفعت الصرخة عاليًا بأنَّ عبثًا ما يسود تركيبة الدولة من ساسها إلى رأسها كما يقول المثال، خرج بعض الغيورين على الوطن يدخل بينهم بعض قدامى الأحزاب والناشطين تحت مسمى "المجتمع المدني" مطالبين بالثورة على النظام. وبما أنَّ كل لبناني يعتبر نفسه مسؤولا منذ ولادته والسياسة تشكل خلية من خلايا دمه، أصبح المجتمع أكثر وعيًا وتعقلًا لما يدور في أروقة دولته التي حرمه أكثر مسؤوليها حقوقه بالحياة.

لقد سلمت الدولة اللبنانية ممثلة بثلة من المسؤولين رقاب مواطنيها إلى زبائنية هؤلاء الساسة من التجار والمستثمرين ليسودوا فسادًا في عمق لقمة عيش المواطن اللبناني. لقد تذزع هؤلاء ببعض مواد الدستور لينشروا فسادهم المُشرَّع، وهنا أستشهد ببعض ما لفتني في إحدى الكتب التي قرأتها مؤخرًا حول الصفقات العمومية والصادر عن دار سائر المشرق للأستاذة هدى رفيق صابر. شددت الكاتبة في كتابها على ما يتعلق بالصفقات بالتراضي والتجاوزات القانونية التي تحيط بالفقرة الثامنة من المادة 147 من قانون المحاسبة العمومية. فنوهت الكاتبة على مسألة “التلزيم بالتراضي بعد تلزيمين متتاليين، مع أحد العارضين الذي تم رفض عرضه شكلًا في التلزيمين السابقين، لعدم إكتمال مستنداته، وذلك بعد أن يقوم باستكمال المستندات لدى التعاقد معه بموجب إتفاق بالتراضي”. كما أشارت الكاتبة إلى الفقرة 12 من المادة عينها، والتي تسمح بإجراء إتفاقات بالتراضي بناء على قرار مجلس الوزراء. سمحت أيضًا هذه الفقرة من تشكيل خرق كبير للشفافية في الصفقات العمومية، بحيث وصلت نسبة الإنفاق بناء لهذه المادة 40% من إجمالي النفقات.

اقرأ أيضاً: لماذا يصرّ صلاح نور على اعتصامه وحيدًا؟!‏

يأتي الجمع بين الثورة الشعبية للمواطنين وفساد جزء كبير ممن هم في الحكم (متذرعين بالثغرات الدستورية التي وضعتها أياديهم) ليشكل نهضة للمجتمع المدني نحو الإنتخابات البلدية. هذه النهضة التي لا أسمح لنفسي بأن أنتقدها، سأسمح لنفسي بأن أتوجه لها بعددٍ النقاط حول ما تُقرر تغيِّره وبأي زنود ستقوم بهذا التغيِّر؟

مجلس النواب

إنَّ ما تضمنته علوم السياسة من مبادئ عامة لا تلتقي مع الأساليب التطبيقية للعمل السياسي في لبنان، لذلك أتوجه بدعوة لهؤلاء ، ليكونوا قوة رقابية ممثلة في المجالس البلدية القادمة إلى جانب السياسيين، وربما مجلس النواب ومجلس الوزراء لاحقًا.

اقرأ أيضاً: داعش بالموصل وبجونية كمان..

أتوجه بهذه الدعوة اليوم لأنني أنظر إلى الوطن من منظار منطقي وحقيقي، فلقد سمحت لي الأيام بأن أتعمق قدر المستطاع في النظام اللبناني، ويخفى عليَّ اليوم أكثر بكثير من ما تعلمته، ولكن أسمح لنفسي بأن أقدم هذه الرؤية إلى القوى التي ترفع شعار التغيِّر (المجتمع المدني) مستندًا إلى العديد من الدراسات والأرقام المنطقية. فالمجتمع المدني اليوم يملك أفكارًا جيدة ويجب إستثمارها ولكن هذه الأفكار لا تأتي بالوقوف بوجه جميع القوى السياسية في لبنان، لذلك يجب الإنفتاح إلى أبعد الحدود على جميع القوى وعدم خوض معارك وهمية عمليًا هي غير مجدية.

 

السابق
طبيب من وزارة الصحة يقفل في هذه الأثناء عيادة الطبيب المتورط في قضية شبكة الدعارة
التالي
رواية «ألواح» لرشيد الضعيف… عن مشاعر مدعاةً للخجل!؟